التأليف و “الغلة”
خليل الخوري
بالرغم من أن الوقت الذي انقضى منذ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة ليس طويلًا قياساً إلى واقع حال تأليف الحكومات في البضع عشرة سنة الأخيرة، إلا أن المواعيد التي ضربت، خلاله، للتأليف أو للاعتذار فاقت ما شهدناه إزاء أي تكليف سابق. وأمس، منذ الصباح الباكر، كانت بورصة التوقعات قد استقرت على أن التشكيل خلال ساعات. في أي يوم نلاحظ أنه، يومياً، بل كذا مرة في اليوم الواحد، نسمع من الذين يدعون الخبرة في الشأن العام، والذين يزعمون المعرفة في الغيب وعلومه، أن الحكومة العتيدة بين ساعة وساعة، وبين يوم وآخر، وفي الأسبوع المقبل، وربما في الأسابيع المقبلة…
أما الرئيس المكلف فكثيراً ما يُعلن أن المهلة ليست مفتوحة، وأنه نسيج وحده عندما يُشدد على تمايزه عن رؤساء الحكومة السابقين، وبالذات عن المكلفين التأليف السابقين…
صحيح أن دولته لم يلتزم بموعد محدد إلا أنه ترك، غير مرة، انطباعاً بأنه على عجلة من أمر التأليف…
ونحن، المواطنين العاديين، نود أن نعرف لماذا يدخل تأليف الحكومات في الطلاسم والأحاجي؟ بل لماذا بات يدخل، من حيث موعد إنجاز التشكيل على الأقل، في أسرار الالهة؟!. هل نحن وحدنا في المعمورة، بزواياها الأربع، نملك هذه «الميزة» العظيمة وهي العجز عن استبدال حكومة مستقيلة بحكومة جديدة؟!.
أو أننا مستجدون في صناعة الحكومات، ونحن الذين شكلناها غريبة عجيبة: إذ عرفنا حكومات ثلاثية، ورباعية وسداسية وحتى الثلاثينية… وبالتالي فإننا «عتاق في الكار»، كار تأليف الحكومات.
فلماذا بتنا في حال من فقدان القدرة والمعرفة وخصوصاً الإرادة عن التشكيل؟ الجواب ببساطة لأن الحكومات لم تعد الهيئة الناظمة لشؤون البلد كافة، كما يجب أن تكون بل باتت مرتعاً للعبث والمنافع الشخصية والثروات الحرام للكثيرين.
أجل! صارت المشاركة في الحكومة باباً للارتكابات والفساد والصفقات المشبوهة…
طبعاً، هذا الكلام، الذي نحن على اقتناع تام وثابت بصوابيته، لا يقصد التعميم بأي حال من الأحوال… علماً أن «الشمس طالعة والناس قاشعة». وإذا عرف السبب بطل العجب.
قديماً كنا نقول: من دون حكومة أفضل. وكنا نقصد أن الحكومات لا تقدم أو تؤخر… ولكن في ذلك الزمن كان في لبنان إدارة على رؤوس مفاصلها كبار الإداريين الذين يتم انتقاؤهم من بين طليعة المتفوقين… أما في الزمن الأخير فمعظم التعيينات تجرى على قاعدة الولاء وتقاسم «الغلة».
