رفقا… قِدّيسة مِن لبنان!

Views: 477

أحبَّها الصِّغار والكِبار في حياتِها وبعد مَوتِها؛ عامَلت الجميع بحنانِ الأمّ، شملَت بصَلاتِها ومحبّتِها كلّ إنسان، وبآلامِها كلّ مَوجوع ومريض ومُتألّم ومُعاق وعاجز…

بعد مَوتِها صارَ تُراب قبرِها مَصدر نِعَمٍ وبركاتٍ وأشفية… وتحتفل راهبات دير مار يوسف جربتا-البترون، سنويًا، في الثاني والعشرين من آذار، ليلة ذكرى وفاة القدّيسة رفقا، برتبة تبريك التراب على ضريحها…

“إنكِ تَتَرَهَّبين“

وُلِدَت القِدِّيسَة رفقا في حِملايا – بكفيا، في 29 حزيران، يومَ عيدِ القِدِّيسَين بطرس وبولس سنة 1832؛ نالَت سِرّ العماد بعدَ سَبعة أيَّام من ولادَتِها، ودُعيَت باسم بطرسيّة.

والدها مراد صابر الشبق – الريّس، ووالدتها رفقا الجميّل من بكفيا.

كانت الصبيّة بُطرسيّة تَتردّد إلى دير سيّدة النجاة في بكفيا، فتَزور الكنيسة وتُصلّي للعذراء مريم، وتَسألها أن تُنيرَ طريقها، وتسمع إرشادات مرشدها الخوري يوسف الجميّل…

 

سيدة النجاة في بكفيا

إختارَت رفقا أن تَذهبَ إلى دير سيدة النجاة في بكفيا لتَترهّب هناك، ليسَ هربًا من العالم، ولا من الخِلافات حولها، بل لتُكَرِّسَ حياتها للربّ يسوع الذي أحبَّته، وتاقَت أن تُقَدِّمَ لهُ حياتها منذ طُفولتها، وكلّها ثقة بأنّه سَوف يُدَبّر كلّ ما يخصّها أحسَنَ تدبير…

ولـمّا وصَلت إلى كنيسة الدير سَجدَت رفقا أمامَ القُربان الأقدس وأمامَ صورة سيدة النجاة طالبة مِن أُمِّها العذراء أن تُساعدها، فسمِعَت صَوتًا في أعماقِها يُناديها: “إنكِ تَتَرَهَّبين“، وأحسَّت بفرحٍ وسلام يغمُران قلبها وروحها.

وعندما قدِمت الرئيسة رجتها أن تَقبَلها في عداد الطالبات في الدير. أمّا الرئيسة فأمسَكت بيَدِ رفقا وأدخلتها الدير قائلة لها: “أهلاً وسهلاً بكِ، قَبلناكِ”.

وكان دخولها إلى دير سيدة النجاة – بكفيا لتَترهّب في 4 أيار سنة 1859 في جمعيّة المريمات التي أسّسَها مرشدها الخوري يوسف الجميّل بهدف تعليم الفتيات، وكان يدعوها “زنبقة حملايا”.

 

ثوب الابتداء

لبِست ثوب الابتداء يوم عيد القدّيس يوسف في 19 آذار 1860 وأبرزت النذور الرهبانيّة في 19 آذار 1861.

وكانت تتنقّل بأمر الطاعة بين إكليريكيّة غزير حيث خدمَت في المطبخ وكانت تَتعب كثيرًا، ودير القمر حيث شهِدت الأحداث الدامية التي جرت هناك، وخلّصَت ولدًا عندما خبّأته بردائها ونجّته من الموت.

وفي سنة 1863 أُرسِلت إلى مدرسة جمعيّتها في مدينة جبيل لتُعَلِّم الفتيات. وبِطلب من المحسن الكبير أنطون عيسى وبأمر الطاعة، إنتقلت رفقا إلى قرية معاد حيث علّمت 7 سنوات. وكانت مدرستها تضمّ 60 فتاة، تُعلّمُهنّ الدروس، الصلوات، الزياحات، الأشغال اليدويّة… فأحبّها الجميع لرقّة طباعها وحسن عشرتها وتواضعها. وكانت ميّالة إلى الخلوة والاعتزال.

 

القدّيسة رفقا في الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة

1871 -1914

اختارت رفقا الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة لتكرّس فيها حياتها للمسيح الربّ وتسير على خطاه في حَملِ الصليب. دخلت دير مار سمعان، أيطو ونذرت النذور الرهبانيّة في 25 آب 1872.

عاشت القدّيسة رفقا حياة تقشّف وصلاة وعمل.عمِلت بيدَيها وكانت تُجيد الخياطة والتطريز. لم تترك رفقا لذاتها دقيقة راحة، تستريح فيها من التعب والجهد والعمل والصلاة، بل عاشَت ما تفرضه القوانين والأنظمة في الرهبانيّة، وزادَت عليها لترتاحَ في المسيح.

 

صليب من ألم ومرض

بعد صلوات كثيرة وتأمّلات طويلة في أسرار الحبّ الإلهي، أحبّت القدّيسة رفقا أن تحمل صليب الآلام والأوجاع، لتُشاركَ ربّها وعريسها السماويّ يسوع المسيح في حمل صليب الفداء والخلاص. تجرّأت وطلبت الوجع والمرض حبّا بالمصلوب.

ففي أحد الأيام أحبّت راهبات دير مار سمعان أن يتنـزّهنَ في جوار الدير، وكان يوم أحد الوردّية، (سنة 1885)، ولمـّا رأيتُ نفسي أنّ صحّتي جيّدة وأنّي ما مرضتُ في حياتي كلّها، طلبتُ من ربّي قائلة: يا ربّي، لماذا أنتَ مُتَباعدٌ ومتخلّ عنّي لا تفتقدني بمرض، ألعلّك ناسيني، وأنا عبدتك؟ أعطني أن أحملَ صليبك وأشاركك في آلامك وأوجاعك… “.

“مساءً عند الرقاد، شعرتُ بوجع مؤلم للغاية في رأسي. كان الألم يمتدّ فوق عينيّ إلى أن انتَهيتُ إلى هذه الحال كما ترينَني عمياء وكسيحة. وبما أنّي أنا التي طلبت المرض من ربّي بإرادتي وحرّيتي، فلا يحقّ لي أن أتشكّى أو أتذمّر”.

في كلّ مرّة كانت الرئيسة تطلب من الأخت رفقا أن تتَطبّب كانت رفقا تلبّي نداء الطاعة. لم تكن ترقد أو تستريح من وجع عينيها، فما أُصيبَت به لا دواء له ولا شفاء منه، بل صار الصبر والاحتمال وسيلة وسبيلاً للراحة، وترداد عبارات: “لمجد الله، مع آلام المسيح”، دواءً وتعزية.

أُرسِلَت الأخت رفقا إلى بيروت للمعالجة، وعند وصولها إلى جبيل، عرّجَت على أنطش الرهبانيّة اللبنانيّة. استُدعي لمعاينتها طبيب أميركي، فأمرَ بإجراء عمليّة سريعة لعينِها اليمنى، لم تقبل بالبنج لتُخفّف ألمها، وبغير قصد، اقتلعَ الطبيب عينها برمتها، ولم تجب إلاّ بشكره، محتملة آلام عينها مع آلام يسوع ولمجد الله…

 

تأسيس دير مار يوسف الضهر،

 جربتا 1896- 1897    

في الثالث من شهر تشرين الأوّل سنة 1897 انتقلت القدّيسة رفقا من دير مار سمعان القرن-أيطو لتأسيس دير مار يوسف الضهر-جربتا، البترون، برفقة خمس راهبات.

كانت الأخت رفقا تُفَضِّل الله على كلّ شيء، ولأجلهِ كانت تحتَمِلُ أوجاعها. فيسوع ومريم ومار يوسف كانوا موضع حبّها حتى لفَظَت روحها، ذاكرة هذه الأسماء. ولو لم تَكُن مُتَعلّقة بالله وحده لما كانت احتَمَلَت كلّ هذه الآلام، وفي كلّ تلك المدّة بهذا الصبر الذي لم يُعرَف لهُ مَثيل. وفي آلامها كانت تُرَدِّد اسم الله واسم المصلوب.

 

إصابتها بالعمى

في سنة 1899 أصبحت الأخت رفقا عمياء تماما.

أُصيبَت القدّيسة رفقا بنـزف دمويّ أدّى إلى ضعف عظيم في جسدها، بحيث أضحت “جلدًا على عظم”. وبسبب هذا الضعف الشديد ألمّ بالأخت رفقا وجع مؤلم في رِجلَيها، فما عادَت تقدر أن تلقي عليهما. ثمّ امتدّ إلى ركبتيها، وإلى كلّ مخالع جسمها، فلازمت الفراش، ثمّ تفكّكَت وما عادت استطاعت أن تحرّك عضوًا من جسمها ما خلا مخلعَيّ يديها، أي الكفّين، ولم يبقَ في جسمها شيء سليم إلاّ قلبها ولسانها ودماغها وسمعها ومعدتها وكفّاها للشغل وصوتها الجميل، إلاّ أن لون وجهها بقيَ كما كان مُشرِقًا وضّاحًا.

ولنا أيضًا شهادة عن وضع القدّيسة رفقا هذا من الأم أورسلا ضومط التي قالت: “وقد ظلّت سبع سنين نائمة على جنبها اليُمنى فقط، لا تمسّ كتفها اليسرى الفراش، مُسنِدة رأسها إلى الوسادة، لأنّ عظم كتفها اليمنى كان شاكّا في عنقها، لا تستطيع أقلّ حراك كأنّها قطعة من حجر. وكانت كلّ أعضاء جسمها مفكّكة مخلّعة، وهي صابرة على أوجاعِها المريرة، شاكرة الله مُستَسلِمة بكلّيتها لمشيئته القدّوسة”.

 

الجرح السادس

كانت رفقا تُصلّي كلّ يوم ست مرّات الصلاة الربيّة والسلام الملائكي إكرامًا لجراحات المسيح الستة، وتقول للراهبات: “يا أخواتي، لا تَنسين الجرح السادس، جرح كتف يسوع الذي حملَ عليه صليب خطايانا الثقيلة“…

وكانت وفاتها في 23 آذار 1914، في دير مار يوسف-جربتا.

بتاريخ 11 شباط 1982 أُعلِنت بطولة فضائل الأخت رفقا وأضحَت مكرّمة. وفي 17 تشرين الثاني سنة 1985 أعلنَها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، طوباويّة، وفي 2 حزيران سنة 1999 مِثالاً وقدوة في عبادة القربان الأقدس ليوبيل عام 2000، وقدّيسة في 10 حزيران  سنة 2001.

 

صلاة

أيّها المسيح ربّنا وإلهنا، يا مَن صِرتَ قربانًا على الصليب، طاعة لأبيك السماوي وخلاصًا للبشريّة؛ لقد كرّسَت القدّيسة رفقا حياتها لكَ في النذور الرهبانيّة فصارت قربان حُبّ. أخلَت ذاتها على مثالك، وحمَلت أنيَن البشريّة على أقدام صليبِكَ، ونالت لإخوتها البشر النّعَمَ والبركات.

بصلواتها، هبنا ربّ، أن نُكرِّسَ لكَ ذواتنا بإيمانٍ كامل، ونحيا لأجلِ حُبّكَ ونعملَ إرادتكَ القدّوسة ونتّحِدَ بك على مِثالها، لنُمَجِّدَكَ معها ومع العذراء مريم ومار يوسف ومار شربل ومار نعمةالله ومار إسطفان، الآن وإلى الأبد، آمين. 

إفرحي يا مَن أشَعَّ لَيلُكِ

إفرحي يا مَن أشَعَّ ليلُكِ بِبَهاءِ النّور.

رأيتِ الضِّياءَ ولا تَرَينْ.قُربانَ ألمٍ ذابَ فَرَحًا.

كُنتِ الحُبَّ دِفءَ الدّيرِ   يَهمُسُ، يسألْ: ربّي اسمَع لي

هَبني الوَجَعَ أحمِلُ عَنكَ     اجعَلني أرى في عَينَيكْ.

رفقا أنتِ الصوتُ الضارِع يرفَعُ عنّا الظُلمَ، الوهنَا

يَعلو، يلمُسُ قلبَ الفادي يَحنُو، يَغدو الأرزُ حُرّا.

 

أعياد القدّيسة رفقا

23 آذار : عيد القدّيسة رفقا

10 حزيران: ذكرى إعلان قداستها

29 حزيران: عيد ميلادها

19 آذار: عيد القدّيس يوسف شفيع الدير

مواعيد القداديس

أيّام الأسبوع: الساعة 6:30 صباحًا و5:30 مساء

الآحاد والأعياد: الساعة 8:00 ؛ 10:00؛ 11:30

الإعترافات مؤمّنة: الساعة 4:30 ؛ 5:30

تطواف بذخيرة القدّيسة رفقا في العاشر من كلّ شهر،الساعة 5:00 مساء (شتاء) الساعة 5:30 مساء (صيفا)

رتبة تبريك التراب على ضريح القدّيسة رفقا في 22 آذار من كلّ سنة الساعة 8:00 مساء 

يفتح مزار ضريح القدّيسة رفقا أبوابه كلّ يوم أمام الزوّار، من الساعة السابعة صباحًا وحتّى الثامنة مساء شتاءً، والتاسعة صيفًا

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *