“اللامركزية  الإدارية، كما نصّت عنها وثيقة الوفاق الوطني: حلّ أم مُشكلة جديدة؟”

Views: 732

إعداد : د. مصطفى الحلوة

استكمالاً لسلسلة الوُرَش، التي دأب ” مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية” على عقدِها ، بالتعاون مع مؤسسة (Hanns Seidel) الألمانية، والتي تُقاربُ طروحاتٍ، قد تُشكِّلُ حلولاً أو توفِّرُ منافذَ إلى حلول، للواقع السياسي اللبناني شديد التأزُّم، نُظِّمت ورشةُ تفكير ونقاش، في جبيل (القاعة 1188 للمحاضرات)، بعنوان: ” اللامركزية الإدارية، كما نصّت عنها وثيقة الوفاق الوطني: حلٌّ أم مشكلة جديدة؟”، وذلك على مدى يومي 3 و4 أيلول 2021. علمًا أن “مركز تموز” كان قد عقد ورشةً (30 و31 تموز 2021)، عنوانُها: “هل الفدرالية هي الحلٌ المناسب لواقع لبنان السياسي المأزوم؟”. هكذا، فإن الورشتين، وهما على طرفي نقيض، تُؤشِّران على إفراد “مركز تموز” مساحةً مُتوازنةً للرأي وللرأي الآخر المغاير، مع وجوب التزام الموضوعية وأدبيات الحوار التي تنبذ العنف ولغة التخوين.

تعاقب على الكلام، في الجلسة الافتتاحية، كلٌّ من رئيس “مركز تموز” د. أدونيس العكره، والمسؤول الإقليمي لـِ” هانز زايدل” السيد كريستوف دو فارتس، ومنسق أعمال الورشة د.خليل خير الله.

 

وقد كانت ستُّ جلسات عمل، قاربت العناوين الأتية: 

اللامركزية الإدارية من حيث تعريفها وفي حدود الصلاحيات والمهام/ في تاريخية اللامركزية الإدارية لبنانياً وفي الأسباب الموجبة لإعتمادها/ اللامركزية الإدارية: في المعوقات والتحديات/ إستعراض مشروع الوزير زياد بارود (2014)، وليخلص المنتدون إلى تطارح اسئلة وهواجس حول اللامركزية الإدارية كحل أو إستدعاء مشكلة جديدة، حيث اندرجت تحت هذه النقطة الرؤى الآتية: 

-هل ستُحدثُ اللامركزية الإدارية الموسّعة لدينا- حال قيامها- خرقًا في حائط اللامركزية السياسية والحزبية والطائفية، القائمة حاليًا على تقاسم النفوذ في المناطق وإحلال ممثلي الأحزاب والطوائف بدلاء عن أصحاب الخبرات والكفاءات؟

-هل ستنجح اللامركزية الإدارية الموسّعة في إحقاق منطق القانون لإبعاد شبح الهيمنة الفئوية في المناطق عن الاستثمار والمستثمرين؟

-هل ستُخفق ،عند التطبيق، كما أخفقت “وثيقة الوفاق الوطني” اللبناني في إرساء اللامركزية الإدارية نفسها حتى الساعة؟

-هل سيُمكنها تفادي عدوى الطائفية والمحاصصة السياسية التي أفسدت نظام الحكم المركزي، وأبطلت فوائده؟

-هل ستؤدي فعلاً إلى مسار تنموي، وإلى تكريس ذهنية التنمية والإنماء المتوازن، في بلدٍ تستأثر فيه ذهنية الريوع والاحتكارات؟

-وماذا عن المنظومة الحاكمة، التي استبانت هواجسُها جليَّةً، لدى مناقشة “مشروع” الوزير بارود في اللجان النيابية، وعلى سبيل المثال لا الحصر،تحفُّظ أحد النواب عن وسم اللامركزية بـ”الموسّعة”، فكان شطبٌ لهذه المفردة، مخافة الجنوح إلى الفدرلة؟ وماذا عن تحفُّظ آخر حول اكتفاء أحد بنود المشروع بوصف الدولة اللبنانية بدولة موحّدة، فكان أن زيدت كلمة واحدة، لتغدو العبارة الجديدة: دولة واحدة موحّدة، انطلاقًا من نفس الخلفية؟ وهذا ما يضعنا أمام التساؤل، الذي خلص إليه الرئيس عصام سليمان، حول ما إذا كان أمراء الدولة العميقة، التي تشكّلت منذ اتفاق الطائف وما قبله، يرتضون التخلّي عن جزء من امتيازاتهم ونفوذهم وسطوتهم وبعض مفاتيح الخدمات وأدوات الإبتزاز لمصلحة اللامركزية الإدارية الموسّعة؟

 

-تأسيسًا على ما تشي به هذه الأسئلة/ الهواجس،نخلص إلى الرؤى الآتية:

1-لا يمكن التعويل كثيرًا على حلّ مشاكلنا من خلال اللامركزية الإدارية الموسّعة ، في ظلّ سلطة مركزية منهارة عاجزة. فالمشكلة كامنةٌ أساسًا في هذه السلطة، وفي سوء أدائها السياسي، على امتداد العقود الثلاثة الماضية، وما قبلها، وتشويه المفاهيم التي بُني عليها الميثاق الوطني والدستور.

2-المشكلة ليست في النظام، الذي اعتمده الدستور، بقدرِ ما هي في المنظومة الفاسدة التي أمعنت في انتهاكه، وفي تغليب منطق الطائفة على منطق الدولة.

3-إن اللامركزية الإدارية الموسّعة ليست مشكلةً وليست حلاًّ ، إنما هي جزء منالحلّ، الذي يتطلّب ردم الثغرات في الدستور، من أجل ضبط أداء السلطة وتفعيل المؤسسات، والعودة إلى المسار الذي رسمه هذا الدستور، عبر المادة 95 منه، والذي يؤول إلى قيام الدولة المدنية الحديثة، دولة القانون والمؤسسات ، دولة المواطنة، بكل محمولاتها وتجلياتها.

4-إن “مركز تموز” ما فتئ- كما أسلفنا- يعكفُ على مقاربة أطروحة اللامركزية الإدارية الموسّعة، من خلال مجموعة وُرَش عمله. ففي ورشة عقدها بتاريخ 26 و 27 آذار 2021، عنوانها “مدخل إلى تحقيق الدولة المدنية في لبنان”، جاء في البيان الختامي:” إن اللامركزية الإدارية الموسّعة لا تتعرّض لوحدة البلاد، بل تُعزِّزها. وهي ليست تقسيمًا ولا تجزئةً، وليست الطريق إليهما، كما يتوهّمأو يُشيع البعض. وإلى ذلك، فهي تصبُّ في تعزيز مدنيّة الدولة”.

5-إن اللامركزية الإدارية، بقدر ما تتوسّع، تُشكِّل تعبيرًا جليًّا عن الممارسة الديمقراطية الحقيقية وعن المشاركة الشعبية الفاعلة. وهي تغدو، في لبنان، ضرورة ملحّة، لاعتبارات كثيرة، سبق التطرق إليها.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *