رحيل شوقي خوري

Views: 492

د. جان توما

رحل الجسد المتماسك والصوت الجهوريّ، ومضت خطوات ذلك الرجل الناظر في بهو المدرسة الداخليّ إلى مستقبل أجيال، تطلع من بين يديه إلى عالم خارجيّ بارد وقاس.

ارتبط اسم شوقي خوري بذاك النازل من جرود البترون إلى مدينة ساحليّة سكن فيها، وآل إلى أهلها بمودّة، فكان لهم الصديق والأهل والاستاذ الذي يعرف كيف يخاف من وقفته كثيرون، ليكتشفوا لاحقًا طيبة قلبه، وصورة فلاح الأرض الآتي من جلول زراعيّة العارف أنّ البذرة بحاجة إلى عناية واحتضان، لذا ترى في قلب كلّ من تخرًج من مدرسة مار إلياس شيئا من شوقي.

أحبً مدينة الميناء وبحرها ورطوبتها، وما فارقها إلّا لما قست الحرب على أهلها، فتهجّروا جميعًا، وعاد معهم فرحًا بأزقتها القديمة ووجوه رفاق عمره. ولما قسا الزمن على صحته وتقاعد، آل إلى  تلال ” بقسميا” حيث طفولته، يعيد شيطنة صباه فيها، ويستذكر عزّ شبابه ومواسم الرزق والخيرات، وليالي السهر عند مصطبات البيوت،  حيث الإلفة والودّ وما تبقى من سيرة عمر طيبة الثمر، كما في التوت البريً فوق، وفي لذّة توتياء البحر هنا.

شوقي خوري لوّن لوحة حياة كلّ طالب مرّ في بهو مدرسة مار إلياس القديم، قبل أن تنتصب أبنيتها الجديدة عام ١٩٧٨، ويصبح صرحّا عاصر شوقي نهضته حاملًا في قلبه جهود من رافقهم، وكان لهم رفيقًا وأخّا ومساندًا وعارفًا بصمت بواطن الأمور وظاهرها. إن رحيله أشبه بإغلاق سدادة محبرة كانت توضع في ثقب المقعد المدرسي العتيق أيامه، وكانكسار جناح ريشة “المسكة” التي كنا نكتب بها.

يبقى شوقي خوري كرمة عنب زُرعت في تلّة بترونيّة وأثمرت على ساحل الميناء قامات لطلاب يذكرونه بالخير، يترحّمون عليه، فيما يتضرّعون ويصلّون لراحة نفسه، وأن يلهم الله الصبر والسلوان لزوجته ورفيقة عمره أوديت وأبنائه: ألين وشارل وألسا .

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *