الشاعر فؤاد جرداق… صناجة الشعب ضد الظلم والجور
سليمان بختي
فؤاد جرداق (1909- 1965) لقب بشاعر المرج( أي مرجعيون) وهو شقيق الشاعر والصحفي الراحل جورج جرداق. له كتاب واحد هو “الهواجس” (بلا تاريخ ). ناضل فؤاد جرداق ضد الانتداب الفرنسي وحكامه المحليين وتعرض للسجن والاضطهاد ولكنه قال في شعره بجرأة ما يجب أن يقال ” ولا خلّى ولا بقّى” ولسان حاله يشبه لسان حالنا اليوم وخاصة حين يقول: “أي نفع يرتجى من وطن / ساده البهم وأداره البجم/ حظهم منه ثراء وغنى/ وحظوظ الناس فقر وألم”.
ولد فؤاد جرداق في مرجعيون وتلقى دروسه الأولى في مدرستها الرسمية. ثم انتقل لمتابعة الدراسة في دير المخلص ليصبح راهبا لكنه ما لبث أن غادره. درس الهندسة الزراعية في السلمية في سوريا. وعين مسؤولا عن المشاتل الزراعية في البقاع وراشيا وصور. درّس الأدب العربي في الجامعة الوطنية عاليه وفي مرجعيون وفي الكلية العاملية.
وقف فؤاد جرداق مع قضايا العمال وسجن في زمن الانتداب الفرنسي. مارس الصحافة وأصدر “المريخ” في بيروت بالتعاون مع فؤاد الشمالي 1934. ومجلة “العجايب” مع سجيع الأسمر. ومجلة “الخازوق” التي صدر منها عددان ثم أقفلتها سلطات الانتداب عندما نشر في العدد الثاني هذا الخبر :”سافر حضرة المندوب السامي وعقيلته المصون إلى دمشق، وكان “الخازوق” في وداعهما على الحدود السورية اللبنانية. وعندما عادا عصرا أسف الخازوق لأنه لم يكن حاضرا، ليقوم بواجبه المقدس”.
أحب فؤاد جرداق الخمرة حبا جما وبذلك يقول شقيقه الشاعر الراحل جورج: “كنت طفلا ، وكان شقيقي الأكبر، العالم اللغوي والرياضي والشاعر والمهندس فؤاد الذي قضى في عمر الشباب، يحب الخمرة حبا ما ساواه فيه الأخطل ولا أبو نواس… يعاقرها من المساء إلى الصباح (وبالعكس) دون أن يعكر صفاءها حتى بالماء ، ودون أن يعطل مذاقها بأي طعام أو غداء”.
ويقول فؤاد شعرا بالخمرة: “في الروض قد مزج الحبيب سلافتي / بندي وارف غصنه ووريقه / فكان فعل مدامتي ومذاقها/ متماثلان بمقلتيه وريقه”.
ومن أصدقائه المقربين إليه من أبناء بلدته ومنطقته ألفرد أبو سمرا (1910-1982) صاحب القلم الصريح وسلام الراسي (1911-2003) وفؤاد رحال. وهنا حوار من أبو سمرا والراسي معه من كتاب ( وجوه ثقافية في الجنوب” (1981) لحبيب صادق. “قلنا له مرة : صف نفسك؟ فقال: شاعر ساخر ثائر. قلنا: وما شأنك بالحب؟ قال: خاسر. قلنا: وبالمال؟ قال: طافر. قلنا وبالخمرة؟ قال: إنها شر الكبائر”.
كانت جرأته بلا حدود وكتب في إحدى قصائده ولم يتجاوز العشرين: “قف بنا وأنظر بلادا قسمت/ وانتحب حزنا وقل: وإخربي/ دويلات خنى مضحكة/ خدعوها باللهو واللعب”.
عام 1938 تعرض فؤاد جرداق للسجن لأنه هاجم الانتداب الفرنسي حين كتب قصيدته الشهيرة “وطن سراحين ذئاب تسوسه” وانتشرت القصيدة في لبنان والعالم العربي. وكل صحيفة عمدت إلى نشر هذه القصيدة أو أجزاء منها تعرضت للإقفال فورا. والمفجع في هذه القصيدة أن واقع الحال لا يزال مقيما ولو بعد أكثر من ثمانين سنة. يقول:” وطن سراحين ذئاب تسوسه/ ماذا يدر لشعبه تقديسه/ وطن تطير من الأسى أرواحه/ وتثور من جور الطغاة نفوسه/ ماذا أقول بموطن حكامه/ رهبانه وشيوخه وقسوسه / وعلومه أديانه وعميده/ خوانه وزعيمه جاسوسه/ وطن بلا طول ولا عرض ولا/ سمك ولا جرم فكيف أقيسه” . ويقول الدكتور ميشال جحا في كتابه” شعراء لبنانيون رحلوا” 2001 أن الكثير من شعرهذا الشاعر ضاع ولم يجمع، وهناك قصائد في حوزة ابنه وسام عسى أن تنشر.
دفع فؤاد جرداق الثمن من حريته وإستقراره وصار نزيل السجون والمعتقلات. وإذا عوتب مرة كتب: “أحبك يا لبنان حبا مبرّحا /وإن بترت فيك الحكومات أطرافي/ وأهواك يا لبنان مهما تنكرت/ جفاتك لي من مجرمين وأجلاف”. ورغم ذلك لم يهادن فؤاد جرداق ولم يسكت وكلما سنحت له الفرصة هاجم أهل الحل والربط والسرقة واللبط فيقول: ” اللابسين من الزعامة حلة/ حمراء خضبها دماء الناس / والآكلين اللحم من أكتافنا/ والسالبين بقية الأنفاس/ والواضعين ثراءنا بجيوبهم/ والقائدين الشعب بالألماس”.
وبعد، هذا شاعر ينبض في قلبه وجع الناس وآلامهم، وتغني في صوته الحرية، ويصرخ في ضميره كرامة الناس وحقهم في الحرية.
وأخيرا، نختم بما كتبه الدكتور محمد علي موسى في كتابه “لبنان حتى مطلع الفجر” 2007: ” فؤاد جرداق في ديوانه ، كما عرفته في حياته، ذلك المطل من علِ على الخارجبن عن الناموس كلهم. ما سكت عن ظلم ولا نام عن ضيم ولا تخلف عن السير في طليعة المناضلين في سبيل حقهم في العيش الكريم… نال من أذية المتسلطين أكثر مما يستحق بكثير. كان صناجة الشعب على جرأة في اقتحام الصعاب ومواجهة الظلم والجور”.
فؤاد جرداق، أنت شاعرنا، بـالأمس واليوم وغدا.