الكَيديَّة…

Views: 492

لميا أ. و. الدويهي

 

والمكتوب يُقرأ من عنوانِهِ…

تُعلِّمنا الحياة بوجوبِ الدّفاع عن النَّفس وشُرعةُ الإنسان تُطالبُ بحُقوقِه واحترام حُريَّته وتستنكرُ كلَّ اعتداء أو حتَّى استهجان وتُعلِّمُ الأفراد رفضَ الظلم والقنوع والقمع… وهذا كُلُّه أساسي وضروري، فلكلِّ إنسان كرامة ومكانة وقيمة… ولكن لا أحد يقولُ لنا كيف يجبُ علينا أن نتعاملَ مع المواقف، أو كيف نُبادر أو كيف نتعالى على الجراح لخير الإنسان أو كيف نواجه المواقف بحكمة يكونُ فيها كلُّ الأطراف «مُنتصرين»، أي المُعتدي والمُعتدى عليه…

كيف؟!… هناك حالاتٌ مُستعصية لا يُمكن فيها لأيٍّ من الطَّرفين أن يَكسب، فالمُعتدي سيزيد ظلمه والمُعتدى عليه قد ينكسر ولا يجدُ سبيلًا لمدواة جراحه… ولكن هناك حالاتٍ يكونُ المُعتدي أو البادئ بالإساءة، كي لا يأخذ التَّعبير منحى بعيدًا عمَّا أريده، غافلًا عن الإساءة وتصرُّفه طبعًا غير مُبرَّر، ولكن أسبابهُ تكونُ واضحة وجليَّة لأنَّها قد تكون بدورِها نتيجة ظلمٍ أو تعسُّفٍ قد تعرَّضَ له، ومَن تعرَّض للإساءة، لديهِ خياران، إمَّا الابتعاد لأنَّ الإساءة بالنسبة إليه أقوى من قدرتِه على تخطّيها وبالتالي أقوى من قُدرتِه على احتمالِها وبالتالي مسامحة المُسيء، وهذا النَّوع من الأشخاص غالبًا ما يكونُ مُفرطَ الحساسيَّة ولا يعرف كيف يتعامل مع المواقف السَّلبيَّة، أو يكون لهُ مواقف مُختلفة، كالبقاء ومحاولة إظهار الخطأ والعمل على مُعالجة المشكلة لتخطِّيها، وهذا بالطَّبع إن كان لهذا الآخر مكانةً ما لدينا، وأحيانًا كثيرة جعل الآخر يشعر بخطئه ولو من خلال الصَّمت هو قوَّة، قوَّة قد تدفعه إلى العمل على ضبط النَّفس مرَّة بعد أخرى، فكلُّنا في مكانٍ ما نعمل على تطوير ذواتنا وليس تغييرها أو تحويلها؛ فلا أحد يتحوَّل أو يتبدَّل وإنَّما يتطوَّر بما هو عليه، بحسب معدنه وطبعه وطينته وطيبته وأخلاقه… وهذا الصَّمت هو كعبَّارةٍ يسلكها الآخر لتخطِّي مشكلته، حين يُدرك مكانته ويعمل على استحقاقها والثبات عليها للحفاظ على علاقته بالآخر مهما كان نوعها… وهكذا أفهم قول السيِّد المسيح: «مَن ضربَك على خدِّك الأيسر دِر له الأيمن»… لم يقصد بأن نكونَ عِرَضة للانتهاك والاستباحة وإلا لا لزوم لجيش يُدافعُ مثلًا عن الأرض والعرض، ولكنَّه، برأيي ونظرتي الإيمانيَّة، هو ليُعلِّمَنا كيف نصبِر على الأحبَّة ليتخطُّوا ضعفهم فنساعدهم بصبرنا عليهم للعبور إلى مرحلة التطوُّر في ذواتهم وهنا لا أتكلَّم عن الحالات المرضيَّة وإلَّا لَما قال في آيةٍ أُخرى عن الخلاف بين الإخوة، إن لم يُذعن لرأي القاضي أو الكنيسة، ليكُن لديك كالأعجميّ…

بيدَ أنَّنا اليوم لدينا مفاهيم خاطئة حول طريقة التعامل، وأعود وأكرِّر بأنَّ هناك حالات مرضيَّة يُحوِّل المُسيء إلى مَن يُسيء إليه إلى ضحيَّة يُنكِّلُ بها ويؤذيها… وأنا أتكلَّم فقط عن العلاقات الطبيعيَّة والخلافات العاديَّة التي بصمتنا عنها نحوِّل الآخر إلى مُستغلّ أو مُتعدِّي، إن لم نرسمِ له الحدود التي تحفظ كرامتنا وكرامة الآخر، كما وأنَّني أُسلِّط الضَّوء على الأسلوب لأجلِ المحبَّة التي تربطنا بهذا الاخر… فكلُّ إنسانٍ بمكانٍ ما، لديهِ مَعايير تتوقَّف كلُّ الأمور عندها وقد تسقط حتَّى المحبَّة أمامها…

أمَّا أبشع ما وصلنا إليه اليوم فهو الكَيديَّة التي يتعاملُ فيها الأطراف مع بعضهم البعض.

وردّ الصَّاع صاعَين ورفع شعارات كالبادئ هو الأظلم، أو مَن يراك بعَين تراه باثنتَين، إلى ما هنالك من مقولات، تُعلِّمُنا الحكمة حولَها بأنَّ بعض المواقف تفرضُ استعمال هذه الأمثلة بطريقةٍ سلسة لا تؤذي وإنَّما تُنبِّه وتلفت النَّظر… فأنا أؤمن بأنَّ بعض العلاقات، كالأخوَّة والبنوَّة وحتَّى الصداقات أو العلاقات الشخصيَّة أهمّ من أن نتازل عنها لأجلِ موقفٍ ما أو إساءةٍ ما قد تكون عابرة أو غير مَقصودة ولا تستحقُّ أن نبادلهَا بالكيديَّة، فأحيانًا كثيرة السَّعادة تتوقَّف على التَّنازل عن موقفٍ ما أو حقٍّ ما، قد يكون نتيجة أنانيَّة وليس مبدأ…

أخذ مسافة من الأشياء وإعادة النَّظر في الأمور قبل التسرُّع في القرارات، الصَّبر والتبصُّر في كثير من الأحيان هو المطلوب، فكما نحن نحتملُ تصرُّفات أو خصال في الآخرين هم أيضًا يحتملون فينا ما قد يكون أسوأ… وأمَّا الحوار والتَّفاهم فهما مِفتاحٌ مُهمُ، إن لم يُصلِحا الأمور أقلُّه يوفِّران الإساءة المُتبادلة…

 

١ /٧ /٢٠٢١

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *