والعمر شراع مسافر

Views: 36

د. جان توما

تقف كلّ يوم على رصيف عمرك البحريّ. ترقب علامات سفر أيامك. ينزل النورس جيوبك، يسرق منها حبّات زمنك، ويطوف فوق أمواج ما مضى.

ترحل أحلامك مع الخشب العائم على صفحة الماء المالح. يكتب المجذاف اسمك، في إبحاره على وجه الريح. تأخذ التيارات مركبك باتجاه الصخور. تشتعل شرايين كفّيك وتنفر لترحل إلى أمان. يجرفك تيار العالم إلى مرافئه. تضيع بين مرافئ الكون وأنت تبحث عن مرفأ واحد.

ما هذا الزبد الذي يطال وجهك فينعش تجاعيد وجهك؟ من أخبر فقش الموج أن التجاعيد دفتر الذكريات وأخبار الأيام؟ من قال له أن يلهو هنا، على شاطئ منسي في عتمات العمر؟ من اقتحمَ ليالي السمر وأخافَ القمر، فاحتجبَ خلف غيوم تصحك في سرّها لأنّها أودعته قلبها فاستنارت؟

كلّ الزوارق لا تقوم مقام زورق تائه في مجاري الحياة. من يرفع شراعه ويسلّمه للريح هو الرابح، لأنّ المغامرة عطر الوجود، ونسيم البحر فجرًا هو العابر مسام الإنسان في رحلته ما بين شطّ وآخر، ما بين وجه وآخر، ما بين يوم وأخيه. (Xanax)

تتشابه الشطآن في سفر الشراع، لكنّه يختلف بتلك الواقفة هناك، تلوّح لك بمنديل مطرّز بشوق الانتظار، غسلته بدموع وداع، ورفعته في وجه الشمس، وألقته على كتفّي القمر ليحميك في إبحارك كي لا تقلق، وليجري زورق عمرك في هدأة قلب وراحة بال.

ارفع شراعك وامضِ، ما عاد العالم يسعُ أحلامك. صار زورقُ عمرك قصيدة سفر وشراعُه ديوان صلاة.

 ***

(*) اللوحة للفنان زياد غالب

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *