إضاءة على فئات الـNGO’s وأهدافها

Views: 93

د. رندلى جبور

 

فورة ما يسمّى بجمعيات المجتمع المدني طفت على السطح اللبناني بقوة منذ 17 تشرين 2019، وهي اليوم تَحضُر عدّةً وعديداً ومالاً وإعلاماً وشارعاً، وسيزيد حضورها مع اقتراب الإنتخابات النيابية.

في كل بلدان العالم هناك NGO’s ولكنها تختلف شكلاً ومضموناً عن تلك في بلداننا العربية بشكل عام التي صنع “خريفَها” ناشطون يحرّكهم الخارج تحت مسمّيات “لذيذة” وجذابة كالمجتمع المدني واللا ربحية.

وفي لبنان، تنقسم الـNGO’s إلى فئات.

الفئة الأولى هي جمعيات فكرية واجتماعية وإنسانية ناشطة منذ ما قبل “الفورة” بكثير، ولا انتماء لها إلا البيئة المحلّية التي تعمل بها، ولا أهداف لها إلا المساعدة بما تيسّر، وحضورها محصور في جغرافيا ضيّقة إجمالاً، وفي قليل من الإطلالات الإعلامية.

الفئة الثانية هي جمعيات تعمل في السياسة النظرية، ولها طموح التأثير على الرأي العام بعناوين الديمقراطية والحوكمة الرشيدة والمواطنة وغيرها، من دون أن تكون حركتها لافتة على الأرض، أو أن تكون دعايتها منتشرة بقوّة. هي تسويق ذكي لسياسات الآخرين على أرضنا من دون أن تُحدث فرقاً كبيراً.

الفئة الثالثة هي فرع خفي للأحزاب، التي تريد أن تجذب من خلال هذه الجمعيات مَن لم تستطع جذبهم بسياستها أو بأدائها، وبالتالي فإنها مولودة في رحم الأحزاب فيما هي علناً بريئة منها وتأخذ طابع الإستقلالية والمنحى الإجتماعي الإقتصادي وحتى السياسي ولكن الخاضع لعمليات تجميل.

الفئة الرابعة هي أداة للخارج ومنفّذة لأجنداته ومتصلة مباشرة بسفاراته وشغلها الأساسي هو الإنقلاب الذي يكون “ثورياً” مرّة وناعماً مرّات.

فلندع الفئة الأولى جانباً لأنها وجه من وجوه المجتمع اللبناني الجميل.

ولندع الثانية جانباً لأنها قديمة الوجود في لبنان وتأثيرها ليس قوياً ويقتصر على قلب مزاج البعض القليل، فيما يستفيد منها بعض قليل آخر إمّا بالتدريب وتطوير المعارف والمهارات في مجالات معيّنة، وإمّا بوظيفة مقابل فريش دولار.

ولنتوقف عند الثالثة والرابعة.

فالثالثة أي الإنجيأوز التي هي ذراع بعض الأحزاب، بدأت تنشط بقوّة على الساحة. وهي تتحضّر للإنتخابات النيابية بقوّة، وتحاول استمالة أولاً جمعيات أخرى ليكبر حجمها وبالتالي تأثيرها، وثانياً الناس الذين كفروا بالأحزاب. وبالتالي إنّ عملها هو دسّ للسم في العسل، وهدفها كما الأحزاب الوصول إلى السلطة. وليس هذا الهدف سيئاً بحدّ ذاته، ولكنّه يصبح كذلك عندما يكون بالمواربة والخداع والكذب. وإذا نظرنا إلى بعض تلك الجمعيات التي تفضّل أن نعتبرها منصات فقط، نلاحظ أن أميناً عاماً سابقاً لحزب ومستشاراً سياسياً لسرايا، ومستشاراً آخر لزعيم، وقِس على ذلك، كلّهم قد اجتمعوا تحت هذه المظلّة، وكلّهم من الشاغلين الكبار في السياسة ومنذ زمن بعيد ومع الأحزاب والشخصيات السياسية. فحذار ممّن يبيع ويشتري مقاعد نيابية باسم اللا سياسة واللا ربحية، فيما هم غاطسون بالسياسة وزواريبها وبالمال السياسي حتى العظم. ولا مشكلة في أن يختارهم المواطن، لكن المشكلة في أن يختارهم وهو لا يعرف حقيقتهم. إذا عرف الحقيقة واختار فهذا حقّه، ولكنّ المهم أن لا يقع في الفخ.

أمّا الرابعة أي جمعيات السفارات، فهي الأخطر. فباسم الشعب اللبناني ينفّذون أجندات خارجية تضرّ الشعب اللبناني، وباسم الحرّية يرتهنون لسياسات خارجية، وباسم التغيير ينفّذون انقلاباً لمصلحة دول تريد مصالحها لا مصالحنا، وباسم العفة والمواطنة يقبضون أموالاً لامست حافة المليار دولار وستزيد المبالغ مع الإقتراب من الإنتخابات. فحذار من الوقوع في محاولة انقلاب جديدة بدعاية كاذبة تتكاثر، بعد فشل محاولات الإنقلاب والحصار السابقة. هذه الجمعيات ليست إلّا شكلاً من أشكال الإيقاع بلبنان بوجوه جميلة. (https://fiberclean.com/) وعند رؤية الصفحات الإعلامية المتطوّرة، واللافتات ذات الكلفة العالية، والإطلالات الإعلامية التي تصنع من أشخاص أقلّ من عاديين أبطالاً، إسألوا أنفسكم الأسئلة التالية:

من أين ظهر هؤلاء ومن هم وأين كانوا وماذا قدّموا للوطن؟

ما هي أهدافهم الحقيقية وهل هي فعلاً لمصلحة اللبنانيين؟

من وراءهم؟ ومن يساعدهم؟ ومن يدعمهم؟

ومن أين كلّ هذه الأموال التي يصرفونها على الإعلان والإعلام؟

إلى اللبنانيين، لا تنبهروا بأشخاص جدد قد يكونون امتداداً لأشخاص أو أحزاب استفادوا من السلطة، ولا تنبهروا بدعايات وشعارات كبيرة وقد لا تكون أكثر من وَهم. راجعوا التاريخ والحاضر وفكّروا جيداً في المستقبل.

ممكن أن تكونوا قد كفرتم بكلّ الأحزاب وهذا حقكم، ولكن لا تنتقلوا إلى ضفة تضع الأحزاب بجيبها الصغير وخصوصاً لجهة الفساد والكذب والإرتهان. هناك أحزاب تبقى أفضل من ألف NGO وأشرف من ألف أخرى وأكثر عطاء للبلد ممّن يأخذون بدلاً من أن يعطوا!

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *