تشرين خارج الزمن

Views: 573

د. جان توما

تشرين يغسل وجهه بماء سبيل حيّ الذكريات. يمشّط شعره كالأولاد صبيحة العيد، يترك شعره متطايرًا كأوراق الشجر. تشرين يلقي شالًا من دموع العائدين إلى أوكارهم، وفي عينيه دموع الحزن ،وفي قلبه ركام قصص حبّ لم تكتمل فصولها.

تشرين حيّ هجره ناسه. إبريق ماء فارغ، ومصطبة ضجرت من حكايا الصيف، ومن الشعراء الخارجين إلى كروم القصائد، يجمعون حبًات الأبيات، يقفون على الأطلال، يتذكّرون الحبيبة حيت لا ديار، ولا أنيس، ولا نار إلّا في القلب لتوقظ الذكرى، ولتلهب مجرى الشرايين.

في أوّل تشرين، ترتدي الطبيعة رداء الضجر. تخرج إلى تعبها ووجعها، فتغادر الوريقات الأغصان، وتكشف الرّيح عليها فتقرأ كفوف أيدي المتساقطات، لتكشف عن إشارات الجفاف واليباب والترحال من مكان إلى آخر حتى اليباس،  يوم تتناثر الشظايا بعد انتحار الورق الجماعيّ وسقوط الأحلام.

تشرين، يا العطر الذي فاح بعد انكسار قارورة ليالي السهر في الصيف، ويا الضياع الجميل في قادوميات العمر، ويا أيها الطالع كجَناحَي نورس يسقط على وجه المياه، ويعاود طيرانه، كمن يجرب الوقوع من فوق ولا يتجاسر. تشرين خيمة في صحراء نسيها أهل الربع فسكنها الرمل، وصارت ملعب الريح ومطرح الوجع.

هاتِ تشرين ما في جيبك من حبّات الحلوى لنخفّف من مرارة الأيام. هاتِ ما في عينيك من ماء مطر يتمشًى في الحقول لأول مرّة لأغسل به وجه هذا الكون الحزين، عسى أن ترتاح ملامحه، ويتورّد خدّاه، ويتلألأ جبينه. لعلّ تشرين القلب إن لاقى تشرين العمر عند المفارق، يتجدّد كالنسر شبابه، ويقوم كالقائم من قلب ديوان شعر، ولوحة فنان.

 ***

اللوحة للفنان فضل زيادة.

صحراء خارج الزمن.

ألوان زيتية

-70×55-سنم

-سنة 1981

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *