المحبة تتأنّى وتَرفُق

خليل الخوري

نودّ أن نُعلن، بالصوت العالي، وبالنبرة الحادّة، أن ما يتداولونهُ عبر الفضاء الافتراضي من «توشيحات» بين الأضداد السياسيين وأتباعهم يدعو، ليس فقط، للأسف الشديد، بل أيضاً إلى القرف في أقرف قرفه.

إن هذه «المدارس» التي أنشأها السياسيون بأحقادهم قد أدّت إلى سيلٍ غريبٍ عجيب، ومرفوض بالطبع، من الشتائم واللعنات وقبيح الكلام، ما يُثير الخجل.

إن أكثر ما يؤلم، في هذا المجال، هو هذه البغضاء التي عمّقها السياسيون في قلوب الأتباع والمحاسيب والأزلام، الذين يتصرّفون بانحطاط أخلاقي لا مثيل له. وإذ نؤكّد على أن هذا النمط المنحط ليس وقفاً على طرفٍ دون سواه، ولا على جهةٍ دون أُخرى، فإننا نلفت إلى أنه بلغ ذروة النذالة والسفالة بين بعض جمهور كلٍ من القوّات والتيار. والأكثر غرابةً وأشد قُبحاً، أن يكون قياديون من الطرفَين يُشاركون في هذه الحرب الشنيعة التي تخرج عن القِيم كلّها، وتسقط تحت سُلّم الأخلاق، وتُسهم في ترسيخ ما يبدو لنا أن القيادات المعنية تُريده في نفوس الأجيال الشابة والصاعدة التي يحشونها بالشعارات الفارغة، والتي نعرف بالممارسة والمعاينة، أن أصحابها بعيدون عنها بعداً كبيراً، ولكنّهم يبيعونها من جيل الشباب المُضلل.

لهؤلاء، نودّ أن نُذكّر بأقوال رسول الأُمم بولس عن المحبة، ليس فقط تُجاه من يُحبّنا، إنما خصوصاً تُجاه الخصم. على سبيل المثال، ما نقتبسه أدناه من رسالته إلى أهل روميه (الإصحاح 12):

«المحبة فلتكن بلا رياء. كونوا كارهين الشر، ملتصقين بالخير. وادّين بعضكم بعضاً بالمحبة الأخوية، مقدّمين بعضكم بعضاً في الكرامة (…) افرحوا مع الفرحين وابكوا مع الباكين. مهتمين بعضكم لبعض اهتماماً واحداً، غير مهتمين بالأمور العالية بل منقادين إلى المتضعين. لا تكونوا حكماء عند أنفسكم. لا تُجازوا أحداً عن شر بشر. معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس. إن كان ممكناً فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس. لا تنتقموا لأنفسكم، بل اعطوا مكاناً للغضب، لأنه مكتوب: «لي النقمة أنا أجازي يقول الرب. فإن جاع عدوك فاطعمه. وإن عطش فاسقه. لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه». لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير».

 ونختم مُذكّرين بقول رسول الأُمم في رسالة إلى أهل كورنتس «لو كُنتُ أنطقُ بألسنة الناس والملائكة، إن لم تكن فيّ المحبة، فأنا نُحاسٌ يرنّ وصنجٌ يطنّ (…) المحبة تتأنّى وتَرفُق».