فكّوا أسر لبنان

Views: 225

خليل الخوري 

 

لم يسبق أن عانى لبنان هكذا أوضاعاً وصعوبات وأزمات طويلة ومعقّدة وعصيّة على الحلول… بقدْر ما يعاني اليوم.

صحيح أن هذا الوطن الصغير المعذّب هو أليف المشاكل، وربيب الأزمات ورفيق المصاعب والمصائب (…) في آنٍ معاً، ولكن تلك كانت تأتي فُرادى، وليس دفعةً واحدة تنهال عليه كما هي الحال في هذه المرحلة شديدة القساوة.

إن ما يتحمّله هذا الوطن، المنكوب بقيادييه في المسؤولية الوطنية وخارجها، ليس فقط يفوق قدراته المحدودة على الصمود، بل إنه يفوق كذلك، قدرات بلدان كثيرة. وإذا كان لا يزال يمتلك الحد الأدنى من الصمود فبفضل شعبه الذي طُبِعَ على حب الحياة، وعلى أن يخلق من الضعف قوّةً بشهادة خبراء في علوم الحياة الإنسانية، الذين طالما أعربوا عن إعجابهم بحيوية اللبناني وركوبه العواصف وقدرته على التخلّص من تداعياتها.

ولكن المناعة أخذت تتراجع على صعيدَي الأفراد والجماعات اللبنانية أيضاً، ذلك أن الأزمات تفاقمت إلى درجة أنها باتت تجر البلاد والعباد إلى عمق أعماق الأزمات في المجالات كافة، وفي مناحي الحياة كلّها، حتى أن ضرباتها الشديدة لا تعطي فرصة واحدة للتنفّس والتقاط الأنفاس.

وليس معقولاً، في هذه المرحلة الاستثنائية في صعوبتها، أن يبقى البلد من دون حكومة، امتداداً لفراغ استمر نحو سنة من دون سلطة تنفيذية ذات وضع طبيعي.

إن لبنان لا يحتمل هكذا غياباً لمجلس الوزراء المحظّر عليه أن ينعقد، فيما الحكومة وُلدت بعد مخاض عسير جداً، ومع ذلك مفروض عليها ألّا تجتمع.

ربّما نتقبّل، ونتفهم، أن يعبّر هذا الفريق أو ذاك عن تبرمه وانزعاجه، وحتى معارضته موقفاً أو قراراً أو قاضياً (…) وأن يترجم مشاعره بالأسلوب الذي لا يعرقل استئناف مسيرة السلطة التنفيذية. ولكن أن يؤدّي الاعتراض إلى شل ّ البلد وكربجته، كما هو حاصل اليوم، فهذا ما لا يمكن قبوله تحت أي حجة أو ذريعة…

ويحدث هذا في وقت تشهد المنطقة تطورات استثنائية بسرعتها ونوعيتها، وخصوصاً بدلالاتها!

ومع وضع مماثل تلجأ البلدان والشعوب إلى تناسي الخلافات (أقلّه إلى وضعها على الرف موقتاً) والتضامن للوقوف صفّاً واحداً متراصّاً في وجه العاصفة.

ومن أسفٍ شديد فنحن لسنا في هذا الوارد، بل على العكس فنحن حالنا حال الي يمسك بالسكين و»يحزّه» في الجرح ليعمّقه أكثر، وليولّد منه ألماً أشدّ.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *