وإن تواصَلنا؟…
لميا أ. و. الدويهي
غريبٌ كيفَ أنَّ الكلمات التي تنسابُ بسهولة، أحيانًا كثيرة ما تصمُتُ في العُمق، وكأنَّ عدوى الفصول قد أصابتها فدخلت بدورِها في قيلولتها الدَّوريَّة… وأمَّا الفرق كلُّ الفرق، فيكمنُ في أنَّ فصولَها قد تمتدُّ على فتراتٍ مُتقطِّعة وقليلة، أو قد تُشابهُ صحراءَ قاحلة لا ماء فيها ولا واحة…
هو صمتُ الكلمات التي غالبًا ما تخوننا حين نُحاولُ الاستعانةَ بها لتفسيرِ مَوقفٍ ما أو شعور ما أو إحساسٍ مُعيَّن… نلتفتُ إلى العُمقِ فلا نجدُ ما نستعينَ بهِ لنجدتِنا في أزمةِ الكلمات تلك… والسَّبب؟ إنَّنا لا نعرفُ كيف نقرأُ أعماقنا ولا نفهمُ تلك الإشارات التي تنبعثُ من الدَّاخل، فنجدُ أنفسنا وببساطة، عاجزين… عاجزين عن النُّطقِ، عن التَّفسير، عن التَّوضيح وعن أمورٍ أُخرى كثيرة إلخ… البعض يلجأ إلى الصّراخ لإخفاءِ لحظةَ ضعفِهِ هذه وآخرون يلجأونَ إلى الصَّمت وغيرهم إلى اللامبالاة فيحوِّلون مواقفَ حسَّاسة إلى أُخرى هزليَّة، بدونِ أن يَعوا بأنَّهم يُشاركون في اكتمال مشهدِ أذيَّة النَّفس… كما أنَّ البعضَ الآخر يُقنعُ نفسهُ بأنَّ الآخرين، يعرفون ويفهمون قصدنا… ولكن ليس دائمًا هو واقعُ الحال، فهؤلاء «الآخرون» أحيانًا كثيرة يُشابهوننا بالمواقف، فإذا، كيف سيفهمون ما نعجزُ نحن أنفسنا عن تحليلهِ فينا وفهمهِ بوعيٍ وإدراكٍ منَّا؟…
الحبُّ قادرٌ على ردمِ هواتٍ سحيقة في أنفسِنا ولكنَّهُ لا يحلُّ المعضلة، إنَّه يمنحُ القوَّة للاستمرار حين يعجزُ الكلام، إنَّهُ يُسامح بسهولة، ينسى بسرعة ويعود بنا دائمًا إلى انطلاقاتٍ جديدة ومختلفة… وهذا أمرٌ عظيمٌ وجبَّارٌ يمنحنا إيَّاهُ الحب، ولكن هذا لا ينفي أهميَّة رحلة استكشاف الذَّات في العمق وبلوغ المقدرة على تسميةِ الأشياء بأسمائها ومحاولة إدراك أعماقِنا والاتحاد بها ومعها وفيها لنكونَ بسلام أقلُّه مع انفسِنا إلى أن نبلغَ المصالحة مع الآخرين حين تدعو الحاجة…
نحنُ لسنا دومًا بمخطئين والآخرون أيضًا ليسوا كذلك… نحنُ لسنا سبب المُشكلة ولا الآخرون، وإنّما المُعضلة تكمُن في عدمِ قُدرتِنا على إيجادِ وسيلة تواصُلٍ مع الآخرين تمنحُ كُلًّا منَّا مساحتهُ الخاصَّة، تحترمُ هذه المساحة، وتُقدِّر الحاجة للوقت للنموِّ بطريقةٍ سليمة وإن بطيئة…
نخشى على مَن نُحبّ، وهذا حقٌّ مَشروع ولكنَّنا لا نملِكُ الحقَّ باعتراضِ الطريقة والسُّبل التي يحتاجونها لبلوغِ ذواتهم والتَّواصُلِ معها بطرقٍ صحيحة وقويمة… ليست دائمًا خبرتُنا هي التي تُنمِّي الآخر وليست خبرته وحدها أيضًا بكافية، وإنَّما هذا العناق الخفيّ والقويّ مع الذات الذي هو مِفتاح التطوُّر الدَّاخليّ، ومتى بلغناهُ، استطعنا بناء جسور تواصُلٍ متينةٍ مع أنفسِنا ومع الآخرين…
إنَّها رحلةٌ يجبُ أن يخوضَها كُلٌّ منَّا، كدَينٍ علينا لأنفسِنا… ولا أحد يستطيعُ أن يُوجِّه الآخر بحسبِ تجربتِهِ الخاصَّة، فلكلِّ منَّا طريقٌ وطريقة تختلف من شخصٍ لآخر…
يبقى أن نفهمَ بأنَّ هذا الاختلاف ليس بالضَّرورة سببًا للخلاف ومحاولة إقناع الآخر بوجهةِ نظرِنا ورأينا… فما يختبرهُ الآخر وحدهُ يشعرُ بهِ ويتحسَّسهُ، وعندما لا نفهم الأمور، أقلُّه فلنحترم مرحلة «التَّخابط النَّفسيّ» عنده، إن جازَ تسميتُها هكذا، بانتِظارِ الولوج إلى فجرٍ في النُّفوس، يُشبهُ في بعضٍ من مراحله، الولادة الجديدة، لذا يكفي أن نُشكِّلَ في هذه المواقف الدَّعم الذي ينتظرهُ منَّا الآخر، ونصبرَ معه ونُقويَّه حين تَخورُ قواه وتتزعزعُ عزيمتُه، أقلُّه باسمِ الحبّ الذي نحملهُ في عُمقِنا له أو لها؛ فحين نُبادرُ بإيجابيَّة ترتدُّ علينا الأمور بالإيجابيَّةِ عينها لنواصلَ تقدَّمنا إلى حيثُ وجبَ، منذُ بدءِ زمننا على الأرض، أن تكتملَ كينونتُنا في داخلنا…
١١ /١١ /٢٠٢١
(Ultram)