قراءة في الديوان الشعري “أشجار غير آمنة” للشاعرة اللبنانية دارين حوماني

Views: 977

غاده رسلان الشعراني

 

 تفرد شاعرتنا ألمها المنجبل بحب بيروت مدينتها ومكتبتها وأشجارها، فمن يسمح بتدمير الوطن لم يدرك معنى الحب كما ينبغي بعد…

تبتدئ رحلتها معنا بالشعر و نحو الشعر وباندفاع الأنثى الواعية تحثّ كل أنثى على كتابة الشعر أولاً حتى قبل القيام بتعليم أولادها أو قياس ضغطها أو التفكير بالرؤوس الملفوفة بالسواد فقط…

كما تحثّ العالم للسماح للرجل ذاك الطفل المنغمس في العمل بأيدي خشنة أن يكتب الشعر أولاً قبل التفكير وقبل أخذ أولاده في نزهة يوم العطلة وقبل أن يصور أم أولاده تلك الخادمة السوداء والتي جلّ طموحها امتلاك هاتف نقال أو حساب الكتروني …

تناجي الشاعرة حبيبها فتعلن أن الطفل داخلها يحلم بأكثر من هذه الحياة، تريد الخروج من المستنقع الذي اسمه (حياة)، فهي لم تستطع تبديلها، لكن ثمة أشياء برأي شاعرتنا لا يمكن حذفها من مسار النحلة، لذا فهي تريد تنشّق من تحب بصمتٍ مطلق، هي تريده أكثر لتنسى الحقيقة و لتكتب الشعر أولاً …

تحثنا الشاعرة لنكتب الشعر حتى لا تتوقف الحضارة فهي تستشعر دخولنا عالماً إلكترونياً وهمياً لتقبع الحضارة بلا معنى فيه …

تكتشف شاعرتنا أن الكسور تتلاشى بقراءة الكتب و أن الموسيقى تنجز ما يصعب إنجازه لتصلح مرضاً صامتاً، لذا يتوجب علينا الشروع بالقطيعة لحياة نعيشها – ليست لنا – بدل التأسف المستمر …

 فأسباب الوجود التي نقرأها في الكتب السماوية هي المؤدية لوجود تافه، يحتم علينا طلب السماح مباشرة من الله حتى لا يشعر بالخيبة من البشرية، محاولةً منا لتلمس تلك الثغرة في عزلتنا، فالصداقة متممتنا ومنقذنا الوحيد من الغرق …

رأت شاعرتنا في حلمها أن يديها حقل قمح حر مفتوح على سماء لها إله واحد لكل الإتجاهات لا يخيف ولا يراقب بحقد كما يدّعون، و كل الأخطاء صغيرة لا تستحق…

فالحزن الذي يتجدد دوماً يمشي معها في مهمة إلهية مقيماً دائماً بين كتفيها، لذا تحثنا على قبول كل مدينة تمد يدها إلينا دون تأمل للماضي و تأملات آخر الليل، وأن نعيش بهدوء و نترك الأشياء التي ترافق أحلامنا لتطير في الفراغ فتكبر القصيدة كما ينبغي لها أن تكون…

تتساءل شاعرتنا عن فلسفة العالم و الوجود والزمن وتتفكر بالموت فالدموع تتساقط لديها لأجل الكون أما نحن فنتضرع من أجل بابه والمفتاح معنا…

السماء هي النافذة المواجهة للعالم والله قريب منا، صامت أمام توحش الإنسانية، منيع أمام الدموع …

 

تتماهى شاعرتنا مع الطبيعة في صور الحياة، مع عصفورين يتزاوجان ويقفزان فرحين، مع قطة تحارب لأجل أولادها، مع كل من يتجنب الإنسانية أمام كل امرأة، مع ولع الطيور بالحرية والذي يمنحها الفهم لعدم رغبتها في البقاء، نراها تناجي البياض في عزلتها وتبكي كثيراً أمام عصفور لم يأخذ حصته من ماء عكر وأمام نحلة لم تأخذ حصتها من زهرة مقفلة وأمام من يقع كل ثانية من قارب الحياة وأمام كل مقتول على طريق تحرير الأرض وأمام كل النساء اللواتي حيكت رؤوسهن بنقاب من الداخل والخارج أملاً بالعفو، ولا تسمع هي إلا صوت الحداد فتبكي شاعرتنا أمام تحرير الصورة، الصوت و الوجه لنعيد الوجود إلى أصله حتى يتسرب الضوء…

لدى شاعرتنا الأمر سيان أمام الموسيقى وأمام الموت فنحن نغادر ذواتنا… للموسيقى -هبة الحياة- القدرة على تغيير مسار حزننا العميق بحوارها الصامت مع الوجود وكأنها تسدد ديوننا مع الحياة لتكون متعة التصفيق صوتاً للحياة بعد كل عرض…

تناشد حبيبها لتعلن أن حبها له ومضة كالتقاطة آلة التصوير لصورة وهي الهاربة فوق خط العرض و الممرات المظلمة المطوقة بالذئاب و بساعة أبيها فوق الفراش، لكنها لن تدق حزنها بمسمار على جذع شجرة حتى لا يصمت الطائر لشعوره بالوجع…

تستذكر العواطف المحشوة في فستان دميتها ولحظات عناقها لكلب قد مر تحت نافذتها وتحنّ للصخرة التي قفزت عليها حين كانت صغيرة، للتراب الذي لعبت عليه حافية فكل هذه الصور ترفض الموت، وهي المحاطة بخراب الحياة المتجدد وبذاك الفراغ الذي يغفو في بطن الكون والذي لا يزعجه إلا ضجيج الحرب والجثث، فأي محادثة ولدت هذا العالم القذر؟

النبيذ غرفة مفتوحة للجميع أغلقوها تماماً والجميع يؤدي مراسم النفاق، فأمام قليل من النبيذ والموسيقى، هل هناك ماهو أشد خطورة على المدينة من النفوس التي لا تستقيم دون كراهية؟

ونحن آلهة الكتب والأحرف التي نريد معنى لها، نحب الشمس والمطر معاً لننام تحتهما بلا أفكار مسبقة عن الموت وعن العلاقات المرتبكة التي تحدث في العتمة…

والفلاسفة ينعزلون، يطرحون المعنى في كل شيء ليتحول إلى ضده كلما أراد أن يتصالح مع شهواته، فهل هناك حكاية أخرى أقل نبوة وأقل ظلمة يمكن أن تبتكرها السماء؟

تؤمن شاعرتنا بأن الصوت حياة أخرى لذا تنشر قصيدتها في الشمس ليجف ألمها، فهناك وقت للكتابة ووقت آخر للموت.

تكره مفترقات الطرق التي تأخذنا لدروب مغلقة وهزائم دائمة وكأننا ندفع ديناً مضاعفاً وكأننا نرتكب خطيئة لا تغتفر وكأننا قتلنا مكاناً في الله.

هي لا تستطيع تقرير الفرح ولا الطريق لكنها بكل ثقة تنتظر حباً غير مرئي سينتشل جسدها ويقول شيئاً آخر عن الله والوجود، علها تفرح.

لكن ثمة محادثة في الظل، و ظل الشجرة ليس كالشجرة، فماذا يمكن أن ينمو في مثل هذا الخراب غير رؤوس سوداء تأكل من ظل الشجرة؟

هذا الحب سيهز رماد الموقد وحتى لا نعود إلى نفس الظل.

 لكم هو رائع أن نستمع إلى أسطوانة موسيقية كوحيدين على هذي الأرض، فالإبحار غير مخيف بوجود الحب، الحب هو القبعة التي تقينا الصقيع، الحب يرمم البورتريه فيهيمن ضوء الشمعة على وجه شاعرتنا وسط الظلام ليتناول حبيبها إحساسه من اللوحة بيديه و يمنح صوته أعواماً إضافية إلى وجهها، بل حياةً أخرى.

إن حفرنا في الأرض فهناك وجوه تريد قول الحقيقة ففي باطنها عظام زائدة و على التراب ثمة حوادث سيئة السمعة حيث خذل الإله ومحبوه بيروت، وإن حفرنا في الرأس فالشاعر مرهق والموت لا يتوقف والاثنان صارا واحداً . الحقيقة لا تقال إلا مرة واحدة و قولها يحتاج إلى يوم غائم حزين وإلى الشعور بأن الموت قريب.

تجد شاعرتنا خياراً أخيراً للتنفس وتسأل عما ينقص هذه المدينة حتى تصير جميلة ؟ أمام إشارات التناقض بين وجود الأشجار والورود والعصافير وبين بشر مقيدين بالحقد لذا يغدو الصمت رغبة في لغة أخرى والعزلة ألم دفين..

لقد بدّل القدر ثياب شاعرتنا وأذاها بقدرة كبيرة، ظلها لا يشبه جسدها فهي لوحة فنان لم تكتمل كما خطط لها، حياة ليست لها، فهل سيكون الحب خيارها الأخير للتنفس وهذي الورود تئن في المدينة الكبيرة التي اسمها الأرض؟

الشاعرة دارين حوماني

 

هي تكره أخطاءها وحبيبها يطلب إليها ألا تجلد نفسها، تريد أن تسترخي على ظهر غيمة هادئة وتموت خارج الزمن…

في قانون شاعرتنا الجنس أحجية منطقية لكن في بلادها ظاهرة حزينة، فكثيرات لم تتزوجن متن كما جئن إلى هذا العالم بعفة تامة خوفاً من القذرين، وجودٌ مغفل يفصل المرأة عن تاريخ الطبيعة البشرية والمرأة تطلب الرحمة من الكائنات والأديان ثم تمضي دون اقتناع بهذا الحزن العميق…

أحبت شاعرتنا عدداً من المرات حباً غير دافئ فيه ثلج كثير وأيقنت أنه كان مجرد هواء في فراغ فطقوس الكلمات لا ترمم الخراب…

شاعرتنا لا تحب الكلام عن الله والوطن فكلاهما لا يحبها وأباها أيضاً لا يحبها فقد تعثرت كثيراً بعده، وجدها الزمن في ممرات مظلمة وتناوب على جسدها رجال خبثاء فكان لها شأناً عظيماً مع الخطيئة، تريد من يقشر ذاكرتها ويستبدلها ببلاد جميلة فيها كل الأخطاء لا ترمم وحسب، بل تسقط في طريق العدم، تريد لمن يجد عظامها أن يستبدلها بأغانٍ فهي مقيمة في بلاد كل ما فيها محرم، وحتى الصوت يرغب أن يدير ظهره للألم بشدة، عسانا نستطيع مواجهة أصنام هذه الأرض و فهم الحقيقة فالحديث بات مرتبكاً مع السماء و باتت منطقة العبور مع الأنبياء خالية من الاستجابة…

تريد شاعرتنا أن تضحك بلا أسباب مهمة فأيّ عبث نحن فيه؟

والله الذي يخصها يبكي بلا أسباب مهمة، فالوعي بالذات هو سخرية من الفكرة الأولى للحياة، فكرة الحنين لسعادةٍ ما لن تكون على هذه الأرض…

تشعر بالبرد داخلها، تريد أن تنتمي لتهدأ فهي لم تعد تؤمن بشيء ولا تحب أحداً، فامرأة ترفع الغطاء عن مؤخرتها هو ما يريده الرجال التعساء، وهذا ما يجعلها ترتجف ويجعل موتها بارداً وحياتها الوحيدة يقتسمها الأنذال..

علمهم أبوهم كيف يكونوا عائلة ملتزمة بتعاليم وضعها رجال دين بلا قلب، كان يظن أن الله هناك، والآن طريق مقبرته مكسو بالعشب، ترى الآلهة على براءتها تستند إلى مقاعد حجرية وُضِعت خصيصاً لأجل عناء الأرض…

الصمت هو الطريق إلى الجنة، والقبر ينظفه أبوها كلما شعر بالوحدة…

تركّب شاعرتنا حروفها كرسوم ثلاثية الأبعاد لتتماشى مع الحداثة بلا ألوان، والعولمة لم تنفعها إلا بتبديد الوقت فالعزلة والرسم الثلاثي الأبعاد تترقب بهما موت العالم، فقد ربطوا حول عنقنا حبلاً وهي الوحيدة التي تعرف الحقيقة دوماً…

هل كان الله سعيداً في عزلته قبل أن يقرر وجود الإنسان؟ فأيّ كائن هذا الذي فكر فيه قبل أن ينسج هذا الكوكب من أطراف غطائه؟

هل كان يحب الرسم والموسيقى والكلمات؟

هل كان يحب مشاهد التعذيب؟ هل يشعر باللذة حين يشاهد الآلام؟

السيد الذي ملأه الضجر فخلق العالم، يقرر أن يفنيه متى شاء عندما يضجر مرة أخرى فها هو كوفيد ١٩ يصفي حساباته مع الملوثين، وربما نجد جثامين أطفال ليس لهم ذنب غير أنهم جاؤوا إلى هذا العالم، ربما يعجز هذا الوباء عن قتل كل من يريد فقد امتلأ بالحقد وقرر مشاهده القاسية على الإنسان…

كلها تحولات تهزم الحب والحياة لكن ثمة حب سيأتي من نافذة الكوكب مثل طائر شفاف حزين…

تظن شاعرتنا أنها لن تجد مكاناً آمناً من الأرض لكن ثقتها كبيرة بأن الله ورغم احتمالات السقوط سيعثر على أطفالها ويعيدهم لها قبل الهروب الأخير…

هناك شبكة عنكبوت تبسط أطرافها وشبكة من الأديان والشرائع كصورة فوتوغرافية للحقيقة أوائل الضوء قابلة للكسر… فهي تريد خاتمة لكل هذا الإحساس الغريب باللاانتماء..

حرارة القلب لا تموت فالحب يضيء الداخل مثل انخفاض الشمس في يوم مثلج، تكتب عن الأشجار وعن تنهيدة الوردة في دار أمها عند الصباح مثل انخفاض روح الله في الأرض…

ترى قلبها سجيناً منذ قدومها إلى هذا العالم أو ربما قتلوه، لم يُسمع أنينه منذ زمن بعيد فهذي الرؤوس الملفوفة بشريط لاصق من الموت بائسة، لديها ازدواج رؤية، لا تفاهم مع نظريات الدين والوجود، أما هي  فتتذكر مراهقتها بالتأمل كيف كانت شجرة من اللاشيء و أرادت أن تصير شجرة من كل شيء، كأسطورة حب و أن تجد ظلها على الأرض…

كيف يكون الظلام قبل ملامسة القبلات الحميمة و تتمنى أن يكون للظهور أجنحة، أن تغتسل الأعضاء الطاهرة بصلاة الليل، لكنها استفاقت على زنزانات باسم الدين، وكان الرأس في التبن لا يريد أن يسمع، أن يرى، أن يتكلم، فالدين قاسٍ يؤنبنا لذنوب لم نقترفها لأننا نفكر في الغناء والرقص والحب…

التركيز على الجنة والنار و هي تريد الإله الممدد على الهلال كما تحسّه حيث لا عار لامرأة في المدن السفلى ولا أشرطة لاصقة حول الرأس فالضوء يتحرق لكسر القضبان…

هم لا يستطيعون قراءة ترنيمات بحيرتها التي تنشد الحرية، هي تريد الله فقط وحيداً من كل الأديان وتشوهاتها فينا فحب كل ما هو مُنزل هو خيبة كونية أمام أنفسنا …

تجد شاعرتنا أن ممارسة الدين مثل ارتداء سراويل رديئة، إن رفعنا الغطاء عن وجه الأرض نجد إلهاً حزيناً واضح التفاصيل وقتلة يؤلفون الروايات عنه، أساطير منفّرة، أفكار مرعبة وعقول ضيقة بينما – إلهها إلهكم إلههم – يزنر وجه الأرض ويعود بسلام فالإنسانية كرة أدمت قلبه…

تدعو شاعرتنا تلك التفاحة -أسطورة الخليقة- أن تخرج من غوايتها ليكون لها مزاج لعالم آخر فالخليقة بسببها تتكاثر من دون نفع باتجاه العنف…

وُلِدت شاعرتنا وأكملت طريقها وألقت البذور حيث لا يجب وحيث مكتوب لها أن تلقي البذور فتسقط في الشقاء، حياتها موضوع قصيدة قلقة تفضل الصمت ثم تحاول أن تحكي عن الشهوة المخنوقة بحبل تحت الشجرة، تئن موجاتها إحداها تريد أباً والثانية تريد رباً حقيقياً، فالبيت مكان يهدأ به ضجيجها وهي لا بيت لها إلا أطفالها وجسدها المتروك أرض بلا مطر…

يتوجب أن ننتمي إلى الحقيقة فلا نشعر بالانتماء لأحد، أخطبوط مخيف يحكم العالم والإله يتكلم وحيداً من بعيد…

لم تحب شاعرتنا الكلام يوماً لكنها حين كانت تتسكع في بلادها بلاد الإسلام شعرت أنها تريد قول الكثير عن هذا السجن الكبير…

صديقتها تشرب الكحول كثيراً وحين تهذي تدعوها لتريا العالم جميلاً على غير حقيقته…

قلب شاعرتنا أطفال يهزون أرجوحة وسط السماء الزرقاء و روحها تصلي أمام الجنود المهزومين الذين يريدون عالماً أفضل، مكتبتها العظيمة وحديقة ورودها والأرواح الطيبة التي تشعر بها بلا مشاهدة كل هذه تحيل إحساساتها الحزينة تجاه العالم إلى إيماءات ضوئية…

تتحدث شاعرتنا عن مناخ غير ودي متوفر طوال عشرين عاماً في زواج يحكمه عقد قران كمفتاح زنزانة مملوء بفنون الخطابة والنفاق، العنف والغدر ثم الخيانة، كل شيء كان مسموحاً، لم يتجمع بعد رحيله في حقيبتها سوى الكتب، والكتب تحدق بغضب تام فالذين كتبوا شريعة الله ليسوا إلا نفوساً غير مكتملة، صدئة، وضعوا ندوباً على ظهر نساء كثيرات وكان الأمر يتطلب رأفة أقل بالرجل فاحتمال تشويه الله مدون على كل ورقة…

لذلك تسدي شاعرتنا النصيحة لكل امرأة أن تبقي عينيها مفتوحتين وأن تنظر إلى البقع الخضراء وأن تدفن كتبهم ولحاهم تحت التراب …

سوء تفاهماتنا في الحياة تتحول إلى أرقام بلا معنى يدفنها الله في حفرة صنعها ذات يوم فهو يرى ويسمع ويحزن، يمضي الليل بجوار الأرض كي تنام باطمئنان…

نحس بشهوة الأشجار وجذوعها لكننا نغلق النوافذ ونموت وحيدين، أما الدبكة تلك الرقصة الجماعية باغتتها موجة مظلمة اسمها الدين والتدين وضعت الحواجز بين كل يد و يد و نبت السواد بين كل قلب وقلب…

يقين الجميع هو التقوى الزائدة، أما التقدم بالسن قبل الأوان فقد بات موهبة، وعلى المرأة احتقار جسدها لتبقى طاهرة، فالله يعبر الحدود سراً…

تحاول شاعرتنا إزاحة الرداءة التي وضعتها البشرية عن صدرها ولا تجد إلا الموسيقى تختارها مهنة لها، فالحرية لا تخطئ طريقها و هي ليست بحاجة إلى تربية حتى تتفاهم مع الحياة، التربية لا تناسبها…

المؤلف الموسيقي يقدم السكينة مع النبيذ بينما نرى بقع الحزن على ظهره أما التراتيل فتبحث عن الله في الاتجاهات الأربعة بينما يولد طير من الجهة الخامسة ومن خطيئة ما…

ترى شاعرتنا أن الإنسان كائن أحمق يصلي لله ليقتل أخر يصلي لله، المحرمات تتكاثر و بيروت تهتز في عيني القمر، رغم أنها لم تكن أبداً إلا وجهاً منحوتاً على صخرة حزينة، بورتريه شعراء مهووسين بالحب، بالجنس وبالوحدة…

الأرض تعبت من الشهداء، الجنة والجحيم إيقاعات في الرأس، أفكار من حديقة الوهم، وأخواتها من كتب التاريخ، أشياء كان بوسع الله أن يتفاداها حين خلق هذا العالم لنموت بأقل عدد من الجثث، بأقل عدد من الأحزان…

فالموتى يقبّلون بعضهم ويحزنون لأجلنا والمدن تبصق على قاطنيها بينما الجميع يستمر بالموت…

مع الحبيب كانت أمسيات شاعرتنا عذبة وإصابة القلب بالغة والشفاه تغرق في الحب مثل قديس يمارس الصلاة بإخلاص والجنة كلها كانت بين جسديهما، فالقبلات تشفي الرعب تماماً من هذا العالم المتصدع، فلن يُرغم شاعرتنا أي دين على إضافة حزن جديد إلى رأسها فهي تحتاج جداً إلى الله الآخر… البياض ولا بياض أكثر بعده…

مدينة تصلي حين التماس الله ممددة بحرية على ظهرها تحت الشمس تنقل الله لنا بسيطاً حيث لا يختبئ في داخلها أي شيء…

هو روح حزينة تحمل بطاقات حب ونحن نثرثر عليه، و الحرية قصيدة لأجله وهو الذي التزم الصمت مراراً…

تتحدث شاعرتنا عن الشاعر الكبير (عصام العبدالله) الذي باعوا قصائده بثمن بخس في كشك لبيع الكتب، حين اشترى كتابه قرأ إهداءه… إلى التي كتب لأجلها القصائد…

وهو الذي كان في القلب بستاناً أخضر، بحراً كاملاً لن يجف…

في حديقة صغيرة في بلاد بلا حدائق تستذكر شاعرتنا ظلاً على حائط قديم يتكلم المكان معه، يتصافحان، يتعانقان ويقبل أحدهما الآخر بشغف تام فيصير لوحدتها شكل آخر ولغضبها هدوء آخر وتمشي باتجاه الإله الأخير في مدينتها…

فهناك متسع كامل لله لكن دون جدوى…

مع هذا فالأمل لدى شاعرتنا أن المنعطف القادم في الحياة سنابل خضر وأطفال صغار يكلمونها باطمئنان من النافذة…

تعرف جيداً أن قلب الإله الآخر الصامت المولود في غرفة قلقة يعوي في الليل والمسافة بين الموت الذي في داخله والحياة التي لا يريدها بضعة سنتيمترات من وعي عميق بالأشياء والأديان والخنازير البرية…

تطلب إليه أن يحرر نفسه من الأذى فلون العشب في سكون الليل إله آخر لا يرعب المارة، يمسك بقهوته عند الصباح بنشوة لا واعية للحب والفرح تماماً كعذوبة الضوء…

المبدعة دارين حوماني وهذا التجلي العالي الذي نبض في روحي فأحيا جوارحي وأيقظ اللا مدرك في نعيم الشهقة الحقة وبهجة القلب الندي المفعم بالنقاء …

شكراً عالياً لروح عالية تروي ظمأ المعنى…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *