كلمة د. مصطفى الحلوة في حفل إطلاق كتابه “مُطارحات في أروقة المعرفة / مراجعات نقدية وبحوث في الفكر العربي المعاصر “

Views: 266

برعاية وزير الثقافة اللبنانية القاضي محمد وسام المرتضى وحضوره وبالتعاون مع جامعة البلمند كرّم منتدى شاعر الكورة الخضراء الباحث الدكتور مصطفى الحلوة احتفاء بإطلاق كتابه “مطارحات في أروقة المعرفة مراجعات نقدية وبحوث في الفكر العربي المعاصر” في “أوديتوريوم الزاخم” حرم جامعة البلمند- الكورة. قدمت الحفل الدكتورة دورين نصر.

تخلل الحفل كلمات لكل من :  وزير الثقافة اللبنانية القاضي محمد وسام المرتضى،  رئيسة منتدى شاعر الكورة الخضراء المهندسة ميراي شحاده، الدكتور جان توما، الدكتور عفيف عثمان، الدكتورة غادة السمروط، الدكتور أدونيس العكرة، فضلا عن شهادات في المُكرم وعزف على البيانو لغسَّان عبدالرحمَن الحُسَامي. 

في الختام ألقى د. مصطفى الحلوة كلمة شكر جاء فيها: 

 

لا خيلَ عندكَ تُهديها ولا مالُ      فليُسْعِدِ النُطقُ إنْ لم تُسْعِدِ الحالُ!

بوحي من هذا البيت الشعري للمتنبي ، أهديتُ كتابي إلى عبد الله شحادة، وقد آثرتُ أن تقام هذه التظاهرةُ الفكريةُ في مسقِطِهِ ، في ربوع الكورة الخضراء – وهو شاعرُها – كردٍّ للتحيّة ، التي خصّني بها ” مُنتدى شاعر الكورة الخضراء الثقافي ” ، بإصدارِهِ هذا المؤلّف الموسوعي .

لعلّي ، في هذا الموقف ، ألتزمُ  منطوق الآية القرآنية الكريمة : “وإذا حُيّيتم بتحيةٍ فحيّوا بأحسنَ منها أو ردّوها ” (سورة النساء/86 ) .

وإذ أردنا الارتقاء بهذه التظاهرة ، فقد كان لجامعة البلمند الزاهرة أن تتكرّم باحتضانها ، مُشرِّعةً لنا قلبها قبل الأبواب !

أجل! أهديتُ عبد الله شحادة هذا السِفر ، بل رفعتُه صلاةً تتنزّل على روحه الطاهرة برْدًا وسلامًا ! رفعته صلاةً “فاتحتها” و “ألله محبّتها” ، تشقّان عنان السماء ، وتعلنان أن عبد الله ، الشاعر المتمرّد ، ما دان إلاّ لله ، وارتحل عن هذه الفانية ، كيوم ولدته أمُّهُ .

بيدَ أن هذه الصلاة لن تبلغ أبواب السماء ، ما لم أتوجّه بعظيم الامتنان إلى الصديقة المهندسة والأديبة الشاعرة ميراي شحادة حداد ، التي واكبت الكتاب ، بمحبّةٍ غامرة ، حتى خروجِهِ ، بحلّةٍ رائعةٍ ، إلى عالم الضوء .

 

أيّها الأحبّاء ،

لن أحدّثكم عن كتابي ، وما يحوي ، وعن الرسائل التي يبْعثُ بها ، إذ لا أتكلّم إلاّ قضيةً ، ولا ألْهَجُ  إلاّ بقضية ! لن أحدّثكم عنه ، وقد غدا ، من هذه الساعة ، مُلكًا مشاعًا . حسبي أنني أودعته ذوْب فكري ، ولم يَعُدْ في الجعبة قولٌ ، بعد أن جال في أرجائه المترامية أساتذةٌ كبار أكفياء ، قاربوهُ ولم يتركوا زيادةً لمستزيد : من الباحثة المجدّة د. غادة السمروط ، إلى الباحث الأديب    د. جان توما ، إلى زميلَيَّ في “الاتحاد الفلسفي العربي” د. أدونيس العكره      و د. عفيف عثمان ، إلى الأديبة المتألّقة ميراي شحادة ، وإلى كلّ من اعتلى هذه المنصّة ، أو أدلى بشهادةٍ . فشكرًا لهم جميعًا ، وعسى أن أبادلهم حبًّا بحب ووفاءً بوفاء ، إذ لا خيْلَ عنديَ أُهديهم ولا مالُ !

وإذْ أتوقّف لمامًا عند المناخات ، التي واكبت عمليّتيْ التأليف والإعداد ، فقد كان هذا الكتاب ، إلى كتابين آخرين ، من عطاءات الزمن الكوفيدي ، خلال عامَيْ 2020 و 2021 ، زمن الجائحة التي اكتسحت أربع جهات المعمورة ، حاملةً الموت الزؤام لملايين البشر ، ولم يسلم لبنان ، حتى اليوم ، من تداعياتها الخطرة ، في مجالات متعدّدة .

هذا الكتاب ، أبصر النور في حُمّى  الجائحة ، وتحت وطأة سلسلة من الأزمات ، ضربت لبنان تباعًا ، أبرزُها الأزمة الاقتصادية والمعيشية والمالية ، وما واكبها من حراك شعبي ،  بدءًا  من 17 تشرين أول 2019 ، وهي أزمةٌ ترقى إلى مصاف الأزمات الوجودية ، إلى إنفجار مرفأ بيروت (4 آب 2020)، مما خلّف منعكسات مدمّرة ، على جميع الصُعد .

رئيسة منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي ميراي شحاده تسلم د. مصطفى الحلوة دلرع المنتدى

 

بإزاء هذا الواقع شديد التردّي ، طرحتُ على نفسي السؤال الآتي : كيف للقلم أن يسيلَ مِدادُهُ ، وَقْتَ جفّت دماءُ اللبنانيين في عروقِهِم والشرايين ، والناس في مكانٍ آخر ، كما يُقال !

لم يكن لي ، أيها الأحبّاء ، إلاّ أن أفيءَ إلى الفلسفة الرواقية الطاعنة في زمن الإغريق . فالرواقية ، وفق الفيلسوف الفرنسي المعاصر “ميشال فوسيل”، بقدرِ ما تتمثّل في التذكير بقلّةِ حيلتنا تُجاه الواقعة التي تنزِلُ بنا ، فهي تتمثّلُ ، في الوقت عيْنِهِ ، بقدرتنا على التأثير في تمثّلاتنا حول هذه الواقعة . فنحن لا نستطيع أن نقْهَرَ الموت ، ولكننا نستطيع أن نبدِّل تصوُّرنا الذاتي للموت . ومع أن الرواقيين يَنشدون الزُهد الوجودي ، فهم لا يستنكفون من أجل العمل المفيد في المدينة الإنسانية .

هكذا ، لم يعرف الإحباط إلينا سبيلاً ، ولم نرفع الرايات البيض أمام عوادي الزمن ، ولم نتسمّر في صقيع الزوايا المعتّمة ، مخافةَ أن تجتاحنا الجائحة . بل رحنا إلى كدٍّ فكريّ ندفع شبح الموت بسلطان الكلمة ، وفي ذلك فعل مقاومة !

إن الدرس الذي ينبغي تعلُّمُهُ من هذه الجائحة ، وسائر الجائحات التي تحلُّ بنا ، حاضرِها وآتيها ، وفي أيّ لبوسٍ تزيّت ، أن الإنسان ، بانحيازِهِ إلى ثقافة الحياة ، يستطيعُ أن يستنْبِتَ من الضعف قوةً ، ومن اليأس رجاءً ، ومن المساحات السود بقع ضوء … هي لعبةُ الزمن في جدلٍ لا ينتهي بين الوجود والعدم ، بين أن نكون أو لا نكون !

لقد آن لنا ، نحن اللبنانيين المكتوين بشتّى أنواع القهر والعذاب ، أن نبرأ من موتِنا السريري ، أن نعبُرَ إلى فجرٍ ، يؤْذِنُ بقيامة لبنان جديد . ولعلّ هذه التظاهرة الفكرية ومثيلاتِها تُخرجُنا من المعاقل التي احتُبسنا فيها ، تُخرجنا إلى فضاءات الحرية ، التي لا تعدلها فضاءات أخرى .

وفي هذا المجال نستحضر الشاعرة والفنانة اللبنانية / العالمية إيتيل عدنان ، التي غادرتنا منذ أسابيع معدودة ، إذ عقّبت إثر إنفجار مرفأ بيروت ، قائلةً : ” إن الردّ الوحيد على الهمجية يكون بمزيدٍ من التصميم على الثقافة ” ! وهذا ما نحن ملتزموه وفاعلوه ، منتصرين لقيم الحق والخير والجمال .

 

أيّها الأحباء لا يسعنا إلا أن نتوجّه مجدّدًا إلى معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى ، شاكرين رعايته هذا الحدث المشهود ، والشكر موصولٌ للقيّمين على هذا الصرح الجامعي المكين . والشكر ، بعدد كلمات هذا الكتاب  ، لـ “منتدى شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحادة الثقافي ” ، ولراعيته المهندسة الأديبة ميراي شحادة حداد . كما أشكر كل المداخلين ، ومن أدلوا بشهاداتهم التي تنمّ عن عظيم محبة . علمًا أن معظم من ذكرتُ هم جزءٌ من مشروعنا الفكري ، إذ لهم حضورٌ وازن في هذا المؤلّف ، وفي سائر مؤلّفاتنا . والشكر لكم ، حضورَنا الكريم ، وقد أتيتم الكورةَ الخضراء من كل مناطق لبنان . ولا يفوتني أن أشكر الأديبة الشاعرة دورين نصر سعد ، إبنة هذا الصرح ، منوّهًا بكفاءتها العالية في إدارة الندوة .

وإذ نختم ، فبمثل ما درجنا عليه ، في جميع مؤلّفاتنا ، فنذهب إلى القول: ” في المأثور الديني الإسلامي للمجتهد أجرٌ إذا أخطأ وأجران إذا أصاب. عسى أن نكون قد أصبنا في ما رمنا فعله ، ونحظى بشرف الأجرين ، فنكون بذلك من الفائزين الغانمين ” . 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *