د. مصطفى الحلوة: رجل بمزايّا كثيرة

Views: 441

د. عفيف عثمان

هي صدفة تحولت الى لقاءات: ففي أحد الأيام الرتيبة من العام 1983، كنت في جامعة ليون الثالثة الفرنسية (جان مولان) في طريقي الى المكتبة على جاري عادتي في الصباحات المشرقة، فصادفت الطبيب عاصم البكري، ابن طرابلس، وكان من الناشطين بين صفوف الطلاب اللبنانيين دعماً للقضايا الوطنية والمطلبية، وبيده كاميرا التصوير، لتخليد لحظة مميّزة. ودعاني بلهجة شمالية محببة لأشهد معه حدثاً في الجامعة، ولم أمانع. فغدونا سوياً الى قاعة تتصدرها لجنة من أساتذة الفلسفة يرأسهم البروفسورفرنسوا تريكو، وقبالتهم طالب يجلس على طاولة منفردة يتحضر للدفاع عن أطروحته المعنونة “المجتمعات الإسلامية أمام العدالة القرآنية: آفاق وخيارات”. وبعد الإعلان عن نيله شهاداة الدكتوراه، قدمني عاصم له: مصطفى الحلوة، ابن مدينته الفيحاء، وقدرت أنه لقاء عابر لن يتكرر. لكن أستاذنا الكبير، الدكتور أدونيس العكرة، جمعنا مجدداً آن توليه رئاسة المركز الدولي لعلوم الإنسان في جبيل في العام 2013 ، وآن تأسيسه “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية” في العام  2019، واستمرت اللقاءات وتعاونا معاً في “الإتحاد الفلسفي العربي”  بمعية نخبة من المشتغلين بالفلسفة (د. وليد خوري، د. أدونيس العكره، د. ريمون غوش، المرحوم د. أحمد الأمين، د. عاهدة  طالب الأمين، د. علي حمية…وآخرون) حيث كان أمينه العام ومن ثم رئيساً حالياً له.

 

لن أنظم الشعر في فضائل الدكتور مصطفى، ولن أتحدث عن مناقبيته واخلاصه وصدقه في العمل، وهي خصّال يعززّها رأي فيلسوفنا الكبير د. ناصيف نصّار  فيه، هو مفكر وأديب من طراز رفيع. بل سأدلل على بعض مزاياه الكثيرة التي تشي بها كتبه:  فهو  قارىء ومتابع جيد لحركة الفكر العربي ونتاجاته: وثمرة ذلك ” 80 كتاباً في كتاب: مراجعات في الحراك الفكري العربي المعاصر” (2018) (جزءان، في 1115 صفحة). وهو محقق وكاتب سيّر، وبحماسة متناهية صاغ حياة المناضل عبد المجيد الرافعي، (2019)مدفوعاً بـ”طرابلسية متماهية مع نزوع عروبي”، وقد كتب عن ابن مدينته، انه : ” باق ذلك النموذج – القدوة، بل هو حالة دينامية تجاوزية، ينبغي أن تترسم خطاها أجيال تنهدُ الى وحدة الأمة، قضيتها الإنسان، رسالتها العروبة ووجهتها فلسطين”.  وهو في طور انجاز “سنديانات عتيقة، وجوه من زمن طرابلس الجميل”.

ونجد د. مصطفى ناقداً من الطراز الرفيع في”مطارحات في أروقة المعرفة: مراجعات نقدية وبحوث في الفكر العربي المعاصر” (منتدى شاعر الكورة الخضراء، عبدالله شحادة الثقافي، 2021). اذ تناول  في الباب الأول كل فنون الكتابة تقريباً: الشعر، والخواطر والكتابة الإبداعية، والقصة والرواية، والسيّرة الذاتية، وعلم الإجتماع والتربية، وعلم التاريخ. وفي الباب الثاني بحوث ودراسات في شؤون وشجون الفكر العربي. ونجده  عالم لغة وألسنياً في مؤلفه قيد الإنجاز ” القالب غالب”: وهي دراسة لغوية ونفسية واجتماعية للقوالب اللفظية المنوالية المتداولة في طرابلس اليوم. مجيداً لضروب الأنتروبولوجيا في عمله قيد الطبع حول الذاكرة الشعبية “من كشكول الذاكرة الشعبية“، وهي موسوعة تضم ثلاثة آلاف مثل شعبي طرابلسي (وشامي) في قراءة تحليلية ديناميكية، من منظور علم الإجتماع وعلم النفس والفلسفة. وروائياً في عمله الإبداعي قيد الإنجاز،”نزيل قصر بنت البرنس“، حيث يتداخل الروائي مع الفلسفي. وآخر انجازاته اعداده لـ”أوراق تموز” (مركز تموز، 2021). وهي ليست مجرد بيانات ختامية للقاءات تفكير ونقاش، بل نصوص أدبية راقية، بعبارات مولدّة، تضيف جديداً الى لغتنا العربية.

 

سأل أبو حيان التوحيدي (من القرن الرابع الهجري)، في رسالة “الصّداقة والصّديق” صاحبه الأندلسي، أحد علماء اللغة والنحو، مِم أُخذ لفظ الصديق؟ قال أخذ من الصّدق، وهو خلاف الكذب. ومرة قال من الصَّدق، لأنه يُقال : رُمحُ صدق أي صُلب، وعلى الوجهين، الصديق يصدًق اذا قال، ويكون صَدقاً إذا عمل. والحال، د. مصطفى  الحلوة صديق على الوجهين، قولاً وفعلاً.

***

(*) ألقيت في حفل تكريم منتدى شاعر الكورة الخضراء الباحث الدكتور مصطفى الحلوة احتفاء بإطلاق كتابه “مطارحات في أروقة المعرفة مراجعات نقدية وبحوث في الفكر العربي المعاصر” في “أوديتوريوم الزاخم” حرم جامعة البلمند- الكورة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *