د. مصطفى الحلوة… زارع النور في أروقة المعرفة

Views: 298

قدمت د. دورين سعد المنتدين في حفل تكريم منتدى شاعر الكورة الخضراء الباحث الدكتور مصطفى الحلوة، برعاية وزير الثقافة اللبنانية القاضي محمد وسام المرتضى وحضوره وبالتعاون مع جامعة البلمند، احتفاء بإطلاق كتابه “مطارحات في أروقة المعرفة مراجعات نقدية وبحوث في الفكر العربي المعاصر” في “أوديتوريوم الزاخم” حرم جامعة البلمند- الكورة.

في ما يلي كلمة التقديم وكلمة تقديم د. مصطفى الحلوة.

 

د. دورين سعد ود. مصطفى الحلوة

 

د. دورين سعد

 

سبحانَ من جعل جديدَ اللّحظةِ قديمًا بعد لحظة، وجعلَ الحاضرَ نقطةً ضوئيّةً تنهل أبدًا من المستقبل وترميه في ذاكرة الماضي. سبحانه اتّصف بالكليّةِ والمُطلق والوحدانيّة، وسما فوق الزّمانِ والمكان والحالات، بينما استمرّ الإنسان رهنَ فرصة العمر. سبحانَه كيف جمعنا في هذه الّلحظة.

إنّه لمن دواعي سرور منتدى شاعر الكورة الخضراء “عبداللهشحاده”، برعاية وحضور معالي وزارة الثقافة، وفي صرح جامعة البلمند أن يجمعَنا اليومَ حول مائدةٍ فكريّة، نكهتها: “الثقافة والنقد”، شعارُها: “النور في الظلمة يضيء”، نجمُها قامةٌ من قامات بلادي غنيٌّ عن التعريف.

الحياةُ أيّها السَّادة تتجدَّدُ بفكرٍ رؤيويّ مُتخَطٍّ، والفكرُ الطامحُ ينطلق من جذورٍ ضاربة في الأعماق، وإلاّ تعتريه الخفّةُ كاليباس، ونضوبِ الحياة.

والثقافة، كلُّ الثقافةِ تنبثق من الشعب، وخلاصةُ نشاطِه هي الجوهر. فثمارُ النشاطات الإنسانيّةِ، في أيّ عصرٍ أو أيّ بيئة، لا يمكنُ أن تكون جميعُها عسليّةَ المذاق أو حَنظليّة، فكلّ شيءٍ في الوجود نسبيّ، الله وحده عزّ وجلّ، هو مطلق المعرفة والخير والجمال.

وليس هذا الّلقاءُ اليومَ سوى إشارةٍ إلى أنّ الحياة ما تزال تنبُض في عروق الأمّةِ، ورغبةٍ في السّعي إلى تخطّي هذا الواقع المرير. آن الأوانُ لنوقِظَ بعضنا بعضًا من التاريخ ِ الهاجعِ ونمسكَ به ليس كمن يُمسك ماءً في قبضته، بل كما يرنو أرزُ لبنانَ وهو على صَهوةِ القممِ، إلى الصّفحة الزرقاء.

في هذا اليوم، نحن لا نحتاجُ إلى قطفِ زهرة الدفء لنشمَّ الشمسَ تبزغُ من قلوبنا المنسيّةِ، لا نحتاج إلى لمسِ خريرِ الضوءِ لنُبصرَ النهارَ الذي ينتشر على حافّة الروح.

أحبّائي

حينَ غنّى الفكرُ على ضفافِ الثّقافةِ               غرّدَتِ الأرواحُ وارتعشتِ الكلماتُ

أجدني هذه الليلةَ أسكبُ أدمعي                    بين عروقِ الوطنِ، فانتشتِ الّلحظاتُ 

      

د. مصطفى الحلوة

إنّ الدخول إلى حدائق دكتور مصطفى الأدبيّة، لن يكون من خلال كتابه الموسوعي “مطارحات في أروقة المعرفة” والذي نجتمع اليوم للاحتفاء به، ولا من خلال إنجازاته الأدبيّة والفلسفيّة الجمّة، بل هو عبر سبْر أعماق هذا الإنسان. هو المصطفى في موقع “المصطفى” على منابر الجامعات يبذل من فكرِه وعالي أدبه. يُعلي من شأن الأدب، ليبقى صوتُ العقل صادحًا رنّانًا في زمنٍ رديء سقطت فيه قيمة الكلمة.

وإذا كان الإنسان يرى بعينين، فإنّ الكاميرا ترى بعين واحدة يسمّيها رولان بارت “عينًا ثالثة”، إذ بإمكانها أن تنفذ إلى داخل الأشياء. بهذه العين، علينا الولوج إلى “مُنجزات” د. مصطفى الحلوة:

من نور العقل اهتدى ليصل إلى المعرفة، أدرك جيّدًا في كتاباته أنّ النقد لا ينمو في الفراغ، بل ينمو ويتطوّر ويصبح فاعلاً في حاضنة ثقافيّة تتيح له أن يؤثّر في القرّاء. كما عَرَف بأنّ النقد ممارسة اجتماعيّة، وبالتالي فإنّه بحاجة إلى إيجاد قنوات تواصل مع المجتمع حتّى لو اضطُرَّ إلى كتابة تخفّف من طابعها الاصطلاحي المعقّد ليصل إلى شرائح واسعة من القرّاء.

 

د. مصطفى حين لوّحت الشمسُ فكرَك انتشى الوعي، وصار الإدراك مختلفًا. ولأنّك عرفت بأنّ التواصل مع هذا العالم صار بحاجةٍ إلى كيمياءٍ جديدةٍ مختلفة، أَعَدْتَ صياغته في مختبر الاستبطان الذي يستدعي التأمّل الرصين في الذات والعالم. ووسَط هذا الالتباس الوجودي، تحوّلت “الأنا” عندك إلى “أنا” جمعيّة مثقلة بالعالم ومستغرقة في استيعاب الآخر.

لقد زَرَعْتَ نورًا بين أروقة المعرفة وقدّمت لنا ترياقًا فعّالاً ضدّ التعصّب السياسي والتطرّف الإيديولوجي. وأنتجتَ لنا نظامًا كاملاً من الفكر جسّدته في كتاباتك المتنوّعة، فأدركنا، بأنّه من المتعذّر فصل النقد أو الأدب عن التاريخ لأنّ التاريخَ، على غرارِ الأدبِ والنقد، خطاب.

شعرنا بأنّنا نعبُر مفترقات، وكأنّنا في قاعة ٍمتعدّدة المرايا، نسافر من المعقول إلى الّلامعقول، من السياسة إلى الفلسفة، من الثابت إلى المتحوّل. ولم يَفُتك الانتباه إلى الثقافة الشعبيّة لأنّها ضميرُ الأمم، وحَصاد على بيادر مواسمها، فيها الحَبُّ، وفيها الزّؤان. ولا يكون التجديد إلاّ بإسقاط الشّائب، وتخليص الجواهر من القشور، إذ لا يُختزن التمر المريض مع السليم لأنّ الزّمان يذهب بها جميعًا.

وما أنا، في منتهى الكلام، بغاضّة ٍالطّرف عن رذاذ كلماتك وخمائل ريشتك وأزاهير حقول لغتك العربيّة الحسناء.

لقد أضفت إلى سجّلات الجمال فيها أسطرًا وأسطرَ.

د.مصطفى:الزرقة التي تسبق يديك إلى الصفحة البيضاء، تحمل إليها سماء وغيومًا.الصفحة البيضاء أمامك لا تذكر أنّ سماء توهّجت على أطرافها.لا تذكر أنّ غيمة عبرتها بخفّة.

الزرقة التي تسبق يديك دومّا إلى صفحة أمامك،تظلّ نقيّة كروحك.

 

 

 

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *