رواية “أماني ونور- قصة قدر”… جديد ريتا الخوند عن دار نلسن

Views: 853

 

صدرت عن دار نلسن رواية “أماني ونور- قصة قدر” للإعلامية والكاتبة ريتا الخوند. 

رواية تحمل أبعاد الحب إلى آفاق القدر. سردية مختلفة للحب تمزج الظن باليقين والواقع بالخيال والحقيقة بالوهم والعمر بالقدر والقمر بالقدر. وكل ذلك في سرد متدفق بألوان الكتابة والتعبير والمعرفة. رواية بلا نهاية ولكن ببدايات كثيرة مثل الحياة مثل الأمل مثل هبوب الأشرعة نحو  اكتمال المعنى والرغبة والآخر والطريق.

في ما يلي الفصل الأول من الرواية.

 

الإعلامية والكاتبة ريتا الخوند

 

إنَّه القَدَر…

يضرب كالإعصار، ولا يُبقي شيئًا علی حاله… فيجمعُ ويُفرِّق، ويُعطي الضّوء الأَخضر بإغداق لبِداية كانت من تاسع المستحيلات، ويُضيء الأحمر ليُعلنَ نِهايةَ ما كُنّا نظُنّ أنّه مقيم فينا إلی الأَبَد !!! 

ولم يكن القدَر يومًا عابر سبيل… إنّه ذلك السيّد الّذي لا يمكن عصيانُ أَوامره، وذلك المحتلّ الّذي لا يمكن الإفلات من سيطرته وسطوته سلطانه… لكن عبثاً نُحاول أَن نستعدّ لتحدّيه أو لمُنازلته، لأنّه مثل لصّ محترف بارِع في المُباغتة، يلِجُ أبوابًا غير الأبواب، فيوصد ويفتح ويتسلّل في اللّيالي المُظلمات، ويصل إلی حيثُ كان يُمَنّي نفسه بالوصول… وما همَّ إن وصل من آخر الأرض، أو هطل من السّماء… فالمهمّ أن يصل إلی محطّة وعنوان… وكم من مرّة ضرب القدر عنوانين بمحطّة واحدة !!!

باختصار، لقد كان القدَرُ علی أُهبة وصول، وهُما لم يكونا يعرفان أنّه سيهبط عليهما من كبسة زرٍّ واحدة، أو من تمرير إصبعٍ علی شّاشة!!! 

هكذا… وُلدت ثنائيّتُــ(هُما) “هُما”: هي((أماني)) وهو ((نُور))، ذات مساء من رحم قدرٍ سعيد أراد لذلك الرّجل وُلوج لُغةٍ نسائيّة، بُحورُها مفتوحة علی أبجديّاتٍ من حُبّ يصعُب إعرابُها، ومُغلقة علی أسرار من عشق ممنوع صرفها، ومُغدقة في شغفٍ من أحاسيس ومشاعر شاهقٌ سقفُها !!! فمِن بين عشرات الصّور هي صورتها وحدها أعلنت عن صاحبتها، المرأة الّتي لطالما سكنت أحلامه… المرأة الّتي لا تشبه إلّا حبيبته هو الأميرة الّتي توّجها عمره، وعاش على يقين أنّه سيعثر عليها !!! ها هو يراها حقيقة، وها هو شغفُه بها يستيقظ دُفعة واحدة، فسارَع يطلب صداقتها خوفًا من أن يسرقها الحلُم من جديد!!!

هي، صارت عاشقة فكره… قرأَت كلَّ ما كتب، وعبَرَت إلی ما لم يكتب… وأدركت أبعاده في صمته وفي صوته، فباح لها صمته بما عجز عن قوله الصَّوت… وكم أثری هذا فكرها وأبهج قلبها !!! ولمّا تصفّحت حياتها، طالعتها الصّفحة الأولی بموعدٍ واحد مع السّعادة في ثلاثة عناوين: كان يكفي أن يتكلّم ويكفيها أن تستمِع إليه… كان يكفي أن يكتُب ويكفيها أن تقرأَ له… وكان يكفيها أن تعشقه لتعشقه!!!…

هو، رآها…  الــ “إِمرأة “… وما زال… إمرأة فيها كلّ نسائه… مستفزّةٌ هي… استفزّت فيهِ كلاًّ من كُلّ… وأخذَتهُ منهُ… وهبَتهُ عقارب الزّمن… فأيقظ المراحل وعاش العواطف الأولی بصدقها وطيشها واندفاعها وبراءتها… وبصخْبها وجنونها …

أطربَهُ ولعُها بصوته، وأسعدَهُ سماعُها لصمتهِ وأحبّ انتماءَها للُغته… وما زال يتأمَّلها بدهشةِ وانبهار اللّقاء الأوّل، ويشتاقُها برغبةٍ وكأنّه في طريقه الی لقاء أوّل… ويحبّها ربّما أكثر من الأوّل… لأنّه أحبَ زيادة علی حبِّه لها صوتها… وحِبرها… وفكرها… وكلّ نفَس من أنفاسها… وكلّ نسمة عطر من عطرها… ثمّ حمل قلبه مثل حقيبةِ سفر، وأفرغ محتوياته كلمات من حياة، بعثَت الرّوح في ورق اشتاق منذ زمن لون الحبرِ وعطر الكلِمة !!!

* * * * * *

إستيقظَت ومع عينيها فتحَت كلّ وسائل التّواصُل الّتي لا تفارقها علی مدارِ اليوم، حتّی صارت أقرب إلى نفسها من نفسها، أو دون أن تدري صار فايسبوك، وواتس أَب، وإنستغرام، وتويتر، الحياةَ في حياتهــا!!! 

طبعًا، سوف تبدأ من الحبيب الأوّل – الفايسبوك – وتمُرّ كما في كلّ يوم علی كلّ المحتويات الجديدة بسرعةِ من يُلقي تحيّة صباحيّة خاطفة… وإذ بها تجد أنّ قائمة جديدة من طلبات الصّداقة تنتظر بصمت وبصبر موافقتها… صارت الأسماء كثيرة، تكاد تراهم  يقفون صفًّا طويلاً، وتكاد تسمع  أسماءهُم تنهرُها وتستعجلها فكَّ أَسرِهم… إنّها لا تری ملامحهُم، ولم تُشكّل يومًا هذه الملامح أيّة أهميّة بالنّسبة إليها، حتّى أنّها لم تُدقّق مرّة في سيرةِ أحد !!! 

هوائيّة هي، يعصفُ بها الإحساس فترسو بحسب وجهة رياحه لِتُشطئ على أشعّة الشّمس أو في حضن القمر… لا فرق !!! وكم حدث أن غيّر مزاجُ صديق جديد اتّجاه المركب في محاولة لتخطّي خطوط هي حمراء داكنة في قاموس ألوانها، فنال نصيبه في لحظة، حُكمًا بالنّفي مؤبّدًا، غير قابل للنّقض ولا للاستئناف !!!

كانت هذه المرّة الأولی الّتي يجذبها اسمٌ ما … 

((نُور)) … وكأنّ في الإسم شِحنة من نور… أو ربّما كانت شِحنة مغناطيسيّة، فالتَصقَ إصبعها بالشّاشة ولم تستطع بعدها أن تُحدّد من الّذي ضغط ولماذا ؟؟؟ أهي قوّة خرجت من هاتفها، أو من إصبعها، أو هو شبحُ ذلك الرّجل أتی لينتقم لكلّ الصّابرين المُنتظِرين ؟؟؟ 

وفي مكان آخر، وأمام شاشة أخرى، خفق قلبٌ حدّ الاحتفال بفرحة مفتوحة علی غدٍ لا يعترفُ بالمستحيل… غد بدأ من إصبع تلك الأميرة، لتبدأ بدايةُ عُمر من قدر… وقدَر من عُمر ونُور !!! 

وافقَت هي… فتربّع اسمُه ملكًا على عرش قائمةٍ افتراضيّة من الأصدقاء !!! أمّا هو، فأومضت عيناه بلمعة باذخة، فيها من الضّوء ما يكفي لإنارة ظلمات شاسعة… أحسّ فجأة أنّ حالة ضوئيّة اجتاحتهُ وأنّ مخزونًا لا ينضب من النُّور ملأَه، هو الّذي كان للحظة خلَت يعيش النّور خافتًا … يعيشهُ حالةَ تقنين مفتوحة علی ظلمَة طالت منهُ رحمَ الأعماق، ولفحته بنَسيمِ حُزن سخيّ ونوستالجيا حَجَزَت لَهُ إقامَةً دائمة عِند الغروب فتمَلّكه شغف بشَمس تَرتحِل… وبِنور يأفُل… وحنين يتجدّدُ مَع كُلّ مَطَر يَهطُل… وعِندَ كُلّ انْطفاءةِ نَهار!!! 

كان سعيدًا، وكأَنّ طوفانًا من سعادَة أغرقهُ… أو لعلّهُ يَكاد يَغرق… لأَنّه كَمن يتنفّس تحت الماء… أو هو في قارب نجاة يُقاوِم المَوج ويعيش الأَشواق في بَحر ((نِزار)) و((حَليم))، رفيقَي يومه… وعُمره… وأحلامه… ونجاحاته… وخيباته !!! 

نَظر… ثمّ نظر، ونظر إلی الشّاشَة، وتأكّد أنّ الموافقة الّتي تلقّاها ليست “رسالة من تحت الماء”… إنّها رسالة من ضوء… وهواء… وأمل… وغَد… وحبّ… و((أَماني)) !!!

أيقظته كَلمة حبّ من الغيبوبة التي أختَطفتهُ إليها تلك المرأة، فسألَ نفسهُ وهو يتأبّط عامه الأَربعين: 

ــــ أليس علی الرّجُل أن يصحوَ من الأوهام وقد ولَجَ سِنّ النُّضج؟؟ ما بي؟؟ كيف سأَعبُرُ إليها؟؟ ما سرّ شغفي المُتّقِد بهذه المرأة؟؟ هل يمكن أن أعيش حبًّا كبيرًا كهذا في صورة امرأة غريبة عابرة تكاد تصير القريبة الأقرب من صدري إلی قلبي ؟؟ هذه الغريبة صارت أميرتي، وملكتي، وتكاد تصبح نبضي، والعُمر في عُمري !! هل أنا أكبر بطريقة عكسيّة؟؟؟ هل أنا أراهق من جديد، أم هي الحياة ستُنصِفني بعد طول انتظار؟؟؟ 

عندَ((ها))، كان الهدوء سيّدًا !!! وافَقت علی طلب صداقته ثمّ أقفلت عليه جهازها واختارت لها زاوية صامتة كي تقرأَ بسلام، ولم تشعُر بأنفاسه تتسارع وتعصف، ولا بقلبه يقفز إليها من فَرطِ فرحته بها، ولا عرفَت أنّ رجُلًا وجَد فيها نصفه الآخر… ولا توقّعَت للحظة أنّ نَعَمًا منها سوف تُغدقُ عليها نِعَمًا من جنّةِ رجُل سيكون نُورها… ونارها !!!

قطعًا، باغتَته موافقَتُها جدًّا، وأَفرحَته جدًّا، لكنّهُ لم يكُن يملك إلَّا أَن يَصمُت… لم يكتُب لها شيئًا إطلاقًا، ولم يشكُرها حتّى على قَبولِهِ صَديقًا كما دَرجَت عليهِ أناقةُ التّواصُل الأوّل، في قاموس (إيتيكيت) العالم الإفتراضيّ !!! 

كادَ، أن يكتُبَ لها، لكنّهُ خافَ أَن يَشيَ بهِ انبهارُهُ بِها… فجلسَ مُقابل صورتها يستعيد ذلك الانبهار ألأوّل، وقد جرَفهُ الضَّوءُ في عينيها، إِلى المرّةِ الأولى التي التقطت عيناه شُعاعات شَمس خرقَت جدار قلبِه، وترَكت بطاقة دعوة صامتة قرأَها يومَها بصَوت مُرتفِع دونَ أن يَعيَ ماذا قرأ… لكنّه سمعَ نداءً في عينيها، ولبّى النّداء !!!

وتجمّدت عيناه فجأة… لقد أذهلهُ ما رأى… إنّهُ تاريخُ عيد ميلاده !!! هو رأى صورتَها للمرّةِ الأولى في يوم عيد ميلاده!!! غريبةٌ هيَ الصُّدَف، وغريب ما أحسّ بهِ وكأنّ غيثًا من مشاعر شاهقة حضنَهُ بقوّة… وكأنّ هذه المرأة له وحده… كما لو أنّها قدَرُه، وأنّه هو سيصنع قدرَها، وأحلامَها، ويومَها، وغدَها… نعم، هو وحدَه سيفرُش دَربَها بالورود، وسيوشّح أحلامَها بقطْر النَّدى، وبعِطر وشذا، وياسَمين وضوء… لأنّها هي حُلمُه الكبير… ولعلّها تكون هديَّةَ السّماء له في عيد ميلادِه، وربّما ستصبح هي العيد في عيدِه، والعُمر في عُمرِه، والحياة في حياتِهِ !!! 

إنّ الحياة وَحدها عندما تُقرِّر… تُعطينا منَ الحياةِ الحياة !!! 

كانت فرحته مفتوحة على نورٍ خَطفَ بَصرَه، أَو أصابَ عينيه بِخدَر جعلَه يتَمالَك نَفسَه، ويكبَح غَضبَه عندَما طالَعَته صُوَرها المنشورة على صَفحَتها !!! 

ــــ يا لَسوء حظّي !!! 

هل كانت السّعادة مُجَرّد عابرَة سَبيل أَخطأَت العُنوان؟؟؟ أَو ربَّما لم أَحتَفِ بها كَما تستحِق فغادرَتني فجأَة !!! لقد خَطَفَها منّي ذلك الرّجُل في الصُّوَر !!!  

يا لهَولِ المُفاجآت!!! يا لسُرعَتِها وقَسوَتِها !!! واحِدة كافَأته بامرأَة حَلَمَ بِها طيلَة عُمرِه، والثّانية أَيقَظَتهُ مِن حُلُمِه الوَرديّ مَقلوبًا رأسًا على عقب !!! 

هل كانت هذه مؤامرة، أَو لعلّهُ فخٌّ نَصبَهُ لهُ القدَر، فسبقَهُ ذلك الرّجُل وداسَ على أَحلامِهِ، ووصلَ قبلَهُ إِليها !!!

كانَ يتَحدّثُ إلى نَفسِهِ، ويصمُت ثمّ يستطرِد !!! لكن ثمّةَ فكرة أَصلَحت بَعضًا مِن مِزاجِه… تذكّر أنّهُ قَد يَجِد على صَفحتِها بَعضَ المَعلوماتِ الشخصيّة، فلا أَلَمَ أكثر مِن الإحساسِ بالارتباك والضّياع أَمامَ حبيبةٍ (مع وقفِ التّنفيذ) أو (مجهولة الهويّة العاطفيّة)!!! 

ــــ الحمدلله !!! هيَ غير متزوِّجة !!!!! 

إستَنتَجَ هذا من سيرَتِها الذاتيّة… هذا ما قرأَه!!! وكانَ يقرأُ كَمَن يختبئ مِنَ الكلِمات خوفًا مِن كلِمة تطعَنه في قلبِه، وتَغتال كلّ أَحلامِه… كانَ يُنازِلُ السّطور، ويتَصدّى للكلِمات… وإذ بكَلِمة واحِدة هيَ الكَلِمة المفقودة أنقذَت حُبّهُ وأَماني(هِ)… فصمّم على أَن يُحِبَّها أكثر، وأَن يجعَلَها تَنسى أنّها أَحبّت قَبلَهُ!! وأقسَمَ لها في سرِّهِ أنّها سوفَ تَعشَقه، وتتنفّسه، وتُدمِنه… وعاهَدَ نَفسَهُ بألّا يكون إِلّا لَها، وأَلّا تكون إلّا لَهُ !!!

ها هوَ البريق يعود إلى العينين الملوَّنتين… وعيناه ذوبُ نسيمٍ أَخضَر لفَحَهُ العَسليُّ بسَخاء، وأَوقَد فيهِما الحُبّ لهَبًا بريقُه لا يخبو !!! 

حاوَلَ أَلّا يُعلِّق على صفحتِها لكنَّ كتاباتها أَجَّجت مشاعِرَه واستفزَّت كَلماتِه !!! وفي البدءِ كانَت رِسالة… فكتبَ: 

 

عِندَ عينيكِ تَسجُدُ القلوبُ، 

فتَعبقُ العيونُ … بالأملِ، 

والأَحاسيسُ .. بِنَبضِ الحياة !!”

((نور حبيب))

 

وكيفَ لا يعلِّق !!؟؟؟ 

لقد كانَت سطورُها تعرِّف عنها… قَرأَها، وقرأها فإذ بها تبدو من خلال قلَمٍ شفيفٍ إمرأةً دائمًا… طفلة أَبدًا… مفكِّرة قطعًا… وَحالِمة أيضًا !!! رومانسيَّة حتمًا… وصلبة جِدًّا !!! 

شاعِرة مغدِقة رِقّة حينًا… وأشدّ قسوة من الصَّخر أحيانًا !!! 

بدَت لهُ متواضِعة ومغرورة في آن… كأنَّ عينيها حدودهما سماء لا حدودَ لها وَها هي هنا في أحد (البوستات) تقول إنّها مؤمنة … تؤمن بثالوث: أَلله والوَطن والحقيقة … 

ثمَّ تفسِّر أنَّ الحقيقةَ بالنِّسبة لها تعني الصّدق… والصّدق هوَ صديقها الأَزليّ الأَبدي … وَرادارُها وميزانها ومقياسها الذي لا يخطئ !!!  

وتؤكِّد في منشور وأكثر أنّها مُستقلّة وَمُتحرِّرة… ثمَّ تعلِن بشدَّةٍ أنَّها مُحافِظة… وأنّها أحيانًا متزمِّتة !!! وهي تردِّدُ أنّها مندفِعة تستميتُ من أجلِ صديق، ولا تتردَّد في الدِّفاع عن قضيّة !!!

لكن يبدو أنّها رفيقة مُمتِعة تتناغم معَ كلِّ الأَعمار !!! 

هذا ما رآه في صورِها… يا لَهذه الضّحكة الّتي تدخل القلوب من بابِ القلب… فيفتَح لها القلب كلّ الأبواب قبل ان تَدقّ!!!

ــــ لا بدَّ أنّها هوائيّة… تُرى ما هو (برجُها)؟؟ 

كلَّما ظننتُ أنّني صِرت أعرِفُها، كلّما تأكَّد لي أنَّني أتعرَّف عليها للمرَّةِ اﻷولى !!! لقد جعلَتهُ هذه المرأة يُكلِّم نفسَه… إنّها قادِرة على مفاجأَتِه حدَّ أنَّه يكتشف في كلِّ مرّة، جديدًا لم يتوقَّعه !! ما أروعها !! 

كان الاسم مدوّنًا على البروفايل: 

((الكاتِبة أَماني الهاني))… إذًا هي كاتبة !! وفي تعريفِها عن نفْسِها، قرأ:

“كتبتُ مرَّةً واحِدة عن ذاتي، فظنَّ بعضُهم أنَّني مغرورة أغازِل نفسي… وغابَ عنهُم أنَّني تسلَّلتُ إلى رَحمِ روحي، إلى أَعمق دهاليزِ قلبي أُنازِل ذاتي !!! فأدركتُ حقيقتي، وقلتُ في نفسي كلِمَتي:

أَنا وكأنَّني ينابيع متدفِّقة مِنَ الحبّ، والحَنان، والصّداقة…  وكأنَّني امرأة من قلب يخفق فيضًا من ينابيع تنبض، وﻻ تنضب… وكأنّني أزيد قدرةً على الحبِّ كلَّما أحببتُ… وعلى الحنان كلَّما حننتُ، وعلى الفرَح كلَّما خفقت، وعلى الوَفاء كلَّما صادَقتُ، فَصَدَقتُ !!! 

وليس الحبّ والعطاء سوى فضيلتين: 

العطاء أعيشه كفرَحٍ من نوعٍ نادِر… وأَعيشُ الحبَّ كعطاء مطلَق… واﻹثنان غير مشروطين… وبهذا ماضِية أنا إلى ما لا نِهاية !!!…

قرأ   وقرأ   ثمَّ   قرأ !!! 

وها هوَ الآن يضغط على كلِمة (send)… 

أرسَل لها، وسوف يرسِل، ويرسِل !!! وسوف يجلِس في حَضرةِ الانتظار… وفي مَهبِّ اللَّحظَةِ الآتية !!! ويا لَها من لَحظة تلكَ الّتي تلي الاعتِرافَ بالحبّ من حبيب افتِراضيّ. إنّها توازي زَمَنًا يسكُنه العَدَم،  

فيشعُر العاشِق مِنّا وكأنَّ شلَلًا أَصابَ عقارِب السّاعة، أَو كما لو أنَّ دورَة الحياة تكادُ تتوقَّف فيختلّ التَّوازُن والنبض، ثمّ العمر، ونحنُ على شُرفَة شاهِقة مُطلّة بسخاء على انتِظار مفتوح على المَدى !!! 

إنّه الآن يشعر تمامًا كمَن غادَر على عجَل نعيم أَحلامِه، كي يجتاحَ صُندوق رسائِلِها، كمَن فَتَح على ذاتِه أبواب الجحيم معلِنًا حربًا عشقيّة، قد تُشعلها رسالة أَلقاها مثل قنبلة نوويّة، وكأنّه أرادَ منها دمارًا شامِلًا، أو مَعرَكَة حياة أو موت، سوفَ يَمضي بها إلى ما لا نهاية، حتّى ولَو فجَّرَها حربًا كونيّة !!! 

كم سيكون موجِعًا حرمانه مِن تلكَ المرأَة، من أَميرَتِه ((أميرة الياسَمين))… كما يراها، وكما يطيب له أن يُناديها في أحلامِه… وأَحلامُهُ تستطرِد بإغداق وتغزو نومَه ويقظتَه، حتّى صارَ مواطِنًا مقيمًا في أرجاء حلُم متواصِل، مطوَّق بعَبَق الياسَمين، حلُم اسمهُ: ((أَماني الهاني))… أميرة النِّساء… أميرة قلبِهِ… أَميرَة الياسَمين !!!

أَمّا هي ((أميرة الياسَمين))، فأمسَكَت بهاتِفِها لتبحِرَ في صفحة أخرى هي صفحةُ آخَر اسمه ((وَسيم))، لتضغط (like)، إعجابًا بصورتِه الجديدة … 

أزعجتها نغمةُ الرَّسائل، إِنَّها لا شكَّ رسالة جديدة من متطفّل ما، وهي من مُدَّة كانت أخذَت قرارًا نِهائيًّا بأنَّها ستتوقَّف عن قراءةِ الرَّسائل… فمعظمُها تافِه يقتحِم خصوصيَّتَها، وغالِبًا ما يخرق الخطوطَ الحمراء ويتخطّى المقبول !!! وقد تعلَّمت أن ردًّا واحِدًا، يفتَح وابِلًا مِنَ الرُّدود الكفيلة بأَن توتِّرَها وتعكِّرَ صفو مِزاجِها، فسارَعَت تكتُم حِسَّ هاتِفِها، وأطفأت شاشتَه، ووضعته على الشّاحِن، ودخَلت إلى المطبخ …

إنَّ كوبَ (النّسكافيه) في الصّباح لهُ كلّ القدسيّة عِندَها… وإنَّ انتهاكَها هُوَ لَجريمة كُبرى!!!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *