مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” مشروع الأديب د. جميل الدويهي أفكار اغترابية للأدب الراقي، منتدى لقاء – لبنان، وبستان الإبداع/ الورقة 9: د. فوزي عساكر – لبنان:  “الثورة الدويهية الأدبية المهجرية – “أفكار اغترابية” قلب لبنان في جسد الإنسانية”

Views: 655

انطلق  مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” الذي ينظمه  مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي-سيدني ، منتدى لقاء – لبنان، بستان الإبداع – سيدني. يصدر عن المؤتمر كتاب من جزءين او ثلاثة، يضم جميع الأوراق المشاركة، وترسل نسخ منه إلى المشاركين والمكتبات والكبرى. يعقد المؤتمر حضوريا في جلسة واحدة، فور انتهاء الأزمة الصحية، وتقرأ مختصرات الأوراق بالنيابة عن المشاركين المقيمين خارج أستراليا.

في ما يلي  الورقة التاسعة: د. فوزي عساكر – لبنان:  “الثورة الدويهية الأدبية المهجرية – “أفكار اغترابية” قلب لبنان في جسد الإنسانية”.

 

في حين أنّ كثيرين يهجرون الوطن الصغير هرباً من ضائقة العيش، فيستثمرون في كل ما يكسِبهم المال، وهذا ليس خطأ – هناك آخرون يهجرون لبنان ليصيروا قلب لبنان في جسد الإنسانية، مع أنها ليست تجارة مربحة مالية، ولا تغني صاحبها، إنما في ثقافة لبنان، وتخلّد صاحبها، بعد أن ينسى العالم أباطرته وأغنياءه وحتّى حكامه المتسلطين.

أمام هذا الواقع، وفي معرض هذا الخيار الصعب، يبرز الكبار المميزون الذين يعيشون بعد موتهم، على أوراق كُتب النهضة والتاريخ. والأديب اللبناني العريق الدكتور جميل الدويهي، اختار بجرأته وكفاءته ووزناته السماوية، أن يعيش خالداً في كتب التاريخ المهجري، عنواناً ورمزاً لموسوعة لبنان الفكر.

الأديب الدويهي من سلالة رجالات لبنان، وكما كان البطريرك الدويهي علامة فارقة في حياة لبنان، هكذا جميل الدويهي علامة فارقة في حياة الاغتراب اللبناني.

هاجر من لبنان، ولم ينس أنه أرض الكرامة والإبداع والحرف والقديسين. وفيما كان يكتب ملحمة إبداعه المهجري، توقف قلمه عند الحرف الضائع، الذي هو الأساس في تركيب جملة الإبداع… فراح يفتش عن هذا الحرف الضائع ليكمل ملحمته، فلم يجده في أستراليا كلها. قفل ورجع إلى لبنان، إلى بلاد انطلاقة الحرف، فوجد ذلك الحرف الضائع بمريمته التي كانت بذاتها الحرف الضائع، ومعها أكمل ملحمة الإبداع!

إنطلق الدويهي ومريمه، الزوجة الفاضلة، وكونا عائلة فكرية من مبدعي لبنان في المهجر الأسترالي. وكلما احتاجا إلى الأحرف الضائعة، كانا يتوجهان إلى لبنان ليجمعا أصداف مورکس الفكر والإبداع، حتى غدت عائلتهما الفكرية مرجائاً وياقوتاً من لبنان والوطن العربي، على وسع مساحته الجغرافية والفكرية.

مع الدويهي نشأ مشروع الأدب المهجري الجديد (أفكار اغترابية للأديب الدكتور جميل الدويهي)، في العالم الجديد. ولا نبالغ إن اعتبرنا أن جميل الدويهي و جبران خليل جبران، أخوان من أب واحد هو لبنان، ومن أم واحدة هي الدولة اللبنانية التي تهجر أبناءها في كل الأزمنة، وتخرب أعشاشهم، متناسية أنهم طيور بأجنحة، تستطيع أن تحلق على مساحة الكون. فكما كان جبران خلیل جبران شعلة لبنان في أميركا، هكذا جميل الدويهي شعلة لبنان في أستراليا. هذا هو الأدب المهجري، أجنحة محلّقة تغمر القارات، وتنثر اسم لبنان ورودا فوق الجبال والسهول والبحار.

مع جميل الدويهي، حضارة جديدة في العالم الجديد. خلق النادي الفكري الذي لا ينتسب إليه إلا أصحاب الكفاءة والإبداع. إنه دولة الثقافة التي تضم مبدعين من لبنان والعالم العربي، لا وزراء ونواباً ومسؤولين ضعافاً، جاؤوا مطية لمشغّليهم، يتزينون بالألقاب مع فراغ الألباب. جميل الدويهي زرع حديقته بأجمل الورود التي لا تتشابه بأشكالها، ولا بألوانها ولا بعطرها، كي تكون سيمفونية متعددة الأبعاد، تذهل القارئ سطورها و بين سطورها.

الأدب المهجري العريق، هو جامعة لبنان الفكرية الثقافية، القادمة من أرض الموهبة والإبداع. ومبدعو لبنان كالنجوم، لا حاجة لأن تقدم فيهم سيرة ذاتية مع توصية سياسية، إنما أنوارهم وحدها تشهد لهم. وما فعله الدويهي هو الإبداع بذاته، جمع النجوم ورسم حولها خطًا ليحصد مجرة النور ويكتب بها اسم لبنان.

لا أستطيع أن أقول إنّي نجمة من مجرته، كي لا أدعي أن لي فضلا في الإشعاع والنور. ولكن أستطيع أن أقول إن الدويهي غمرني بتكريمه لي كأديب لبناني لي كتب منشورة ثمانية…  حتى الآن، والعديد الآخر بعد أن يتعافي لبنان من وباء سياسة الإفقار.

غمرني الدويهي بتكريمه، فأضفى عليّ من بهاء نور معرفته وثقافته وتواضعه، فوجدت نفسي في أحضان عائلته الفكرية المهجرية، مشروع الأديب جميل الدويهي الفكري المهجري، “أفكار اغترابية للأدب الراقي”.

ما أجمل أن تنمو في أرض لا تمت بشمسها ومائها وترابها، وتحتفظ بعطرك، فتجمعه في قوارير الوفاء، وتنثره، مع كل العطور التي تجمعها، لتعطر الفكر البشري، فيبدع أو يقدر الإبداع.

وهكذا أنا أشعر في حديقة الدويهي، أنني تلك الزهرة الصغيرة، إحدى أصغر الزهور، في حديقة العطر الذي يحيي ويجترح الأعاجيب.

جميل الدويهي اختار الطريق البعيد والصعب. وكما في كل العصور، قدر الكبار أن تضيق بهم بلدانهم الصغيرة، التي تتزعمها الأشواك فتخنق الورود. لهذا تهجر الورود لتذكر العالم بوطن القديسين والمبدعين، وتبقى زعامة الأشواك تعيث فساداً في جسد الوطن الضعيف، وتصلب أجساد من اختاروا البقاء في حديقة الأشواك، على نار العدالة ترحم الحديقة من الحريق بفضل وجودهم بين تلك الأشواك.

جميل الدويهي اليوم، أنت جبران الأمس، وبما تحمل من أحرف الجمال في اسمك، أكمل مسيرة كتابة ملحمة الجمال، مع مريمتك والنجوم الذين جمعتهم من لبنان والعالم العربي، لأنك تقوم بكتابة سيرة لبنان الحقيقي، الذي لا تحرقه نيران حكامه، فرماده مؤهل لولادة جديدة، في كل الأزمنة.

***

*غداً 19-1-2022 ورقة الأديبة رانية مرعي

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *