خميس مجلة شعر
د. قصي الحسين
(أستاذ في الجامعة اللبنانية)
لولا جاك أماتاييس، لربما تأخر كثيرا، هذا الكتاب/ السفر، عن مجلة شعر وندوة الخميس التي كانت تعقد إسبوعيا. كان الشاعر يوسف الخال، هو الذي يدير الندوة. وهو الذي يصدر مجلة شعر. وهو الذي يحرر محاضر الجلسات وينظمها ويضبرها، طيلة الأعوام الواقعة ما بين(1957-1964)، بحيث شكلت ظاهرة إنسانية- حضارية ثقافية- أدبية، مازال صداها يتررد في الأوساط الفكرية العربية المعاصرة. تماما كما يقول أماتيس نفسه، في مقدمته لهذا العمل الإستثنائي العظيم القيمة،( ص7). ذلك ان هذا الكتاب، يؤرخ ويوثق ويستكمل البحث، في صورة مجلة شعر وندوة الخميس، التي كانت تحرر لها الملفات والنقاشات والمحاضر، حتى يعكس إصدارها، الحدث الثقافي الأسبوعي التي تشهد عليه مدينة بيروت.
الكتاب من إصدار دار نلسن، بالتعاون مع “مؤسسة أنور سلمان الثقافية”. وقد جاء في إطار دعم المبادرات الثقافية التي تعيد إلى بيروت، الوهج والنضارة والرونق، في ظل الدمار شبه الشامل الذي لحق بها، بعد إنهيار القطاع المصرفي وتدهور سعر الصرف، وإحتجاز أموال المودعين. وبعد إنهيار القطاع الإقتصادي برمته. وبعد تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب2020، وهو موعد ذكرى تأسيس الكيان اللبناني والمئوية التي عرفها، صعودا وهبوطا، على كل الصعد، وخصوصا منها القطاع الثقافي.
يشير الأستاذ سليمان بختي، ناشر الكتاب/ صاحب دار نلسن، إلى أن هذا السفر العظيم الذي ضبره وحرره جاك أماتاييس، إنما “يكشف النقاب عن القضايا والوقائع والنقاشات والإنهماكات والتحديات الحضارية، التي جعلت من مجلة شعر أهم ظاهرة أدبية وثقافية وإنسانية وحضارية في النصف الثاني، من القرن العشرين”. وهو يعتبر إن مجلة شعر، إستطاعت تغيير وجه الشعر العربي الحديث. واصفا كتاب أماتاييس هذا، بأنه يجسر الضفاف ويميط اللثام عما غمض، وينقل أسطورة “خميس مجلة شعر”، من حيز الرؤيا، بل الرؤى الشفافة، إلى حيز التدوين والتوثيق.
يتألف البحث من مقدمة وخمسة فصول،( 1- 125 ص) وعدد جم من الملاحق العامة.(126- 33 5 ص). بحيث يقع في جملته في 533 ص). نوجز هاهنا الحديث عنه:
1-خصص الفصل الأول للوقوف على المراحل التاريخية التي مر بها يوسف الخال حتى مرحلة تأسيس” حركة مجلة شعر” و”ندوة الخميس”، مولقيا الضوء على الخلفية الفكرية وعلى المؤثرات التي ميزت مشروع يوسف الخال الثقافي، وقتذاك.
2-أما في الفصل الثاني، فقد نظر مؤلف الكتاب في عموميات ندوة ” خميس مجلة شعر”، مثل الجوانب التنظيمية، ومراحل الندوة والوقوف على تلك النشاطات المختلفة التي عرفتها.
3- وفي الفصل الثالث، تناول المؤلف، موضوع التراث عامة، وموقف يوسف الخال وأدونيس من التراث العربي بشكل خاص.. وكذلك وقف على ظاهرة الرفض، وعلى مفهوم الحداثة. دون أن ينسى ظاهرة القصيدة الحديثة بكل خصائصها، وصولا إلى قصيدة النثر، والرسائل الفنية الحديثة وموقف الشاعر يوسف الخال منها جميعا.
4-في الفصل الرابع، يصف الباحث دور يوسف الخال القيادي، في مشروع الحداثة. منوها بدور الشاعر أدونيس، الذي كان كما رأى أماتاييس نفسه: ” الركن الآخر ل ” حركة مجلة شعر”، وخميسها. مضوئا على دوره الهام، كشاعر وباحث وصاحب نظرية متقدمة في الدراسات الأدبية.
5- في الفصل الخامس والأخير، تحدث الباحث عن بعض الأحداث وعن بعض الوقائع التي كانت جارية، في زمن خميس مجلة شعر، وغابت عن محاضر الجلسات. فكان إثاباتها، إمانة للتاريخ، كما قال الباحث نفس( ص15).
6-وفي خاتمة البحث، تحدث أماتاييس عن نشاط يوسف الخال، في مجلة شعر وفي ندوة الخميس المتصلة بها. وجد في فكره تشابها فذا وفكر شارل مالك وأنطون سعادة. وأن ندوة الخميس، كانت تشكل ملتقى شعراء جاؤوا لإلقاء قصاىدهم والإصغاء إلى نقدها (ص١٢٢). ويقول أيضا: إنه إبتداء من3 نيسان1958، إقتصرت ندوة الشعر على المشتغلين به. ورحبت بضيوفها وزوارها. ووجد الباحث أن تجمع شعر، ما كان ليخلو من خلافات داخلية، كانت تنشأ على خلفية فنية. كذلك وجد أن ندوة الخميس، كانت قد وضعتنا أمام الإشكاليات والأسئلة الشعرية والثقافة الوافدة. وهذا ما أسس برأيه لظهور تيارات ثقافية متعددة الجوانب والإجتهادات. 7-ويختم الباحث قائلا: ” إنتهت جلسات “خميس مجلة شعر” منذ أكثر من نصف قرن. ولكن القضايا التي طرحتها، لا تزال موضع إهتمام المثقفين والباحثين، لأنها تضرب بجذورها، إلى عمق معاني الحضارة”. (ص١٢٣). وهو في الختام يتساءل: عما إذا كان بعد مرور 65 عاما، على ولادة مجلة شعر، وخميسها أيضا، لا زلنا نرى في تلك التجربة حاجة راهنة؟. وعما إذا أصبحت تلك التجربة من الماضي أم تنها لا تزال مستمرة في وعي الشعراء وتجاربهم المعاصرة؟.
وفي الملاحق، نقع أولا على محاضر إجتماعات “خميس مجلة شعر”. كم نقع على تقارير عنها. ذكر المرحلة الأولى(١٧ كانون الثاني ١٩٥٧- ٢٧ آذار ١٩٥٨). (Xanax) ص ١٢٥- ١٣٢). وذكر أيضا ندوة مجلة شعر(ص ١٣٣- ١٨٦). أما المرحلة الثانية فجعلها ( نيسان١٩٥٨- تشرين الثاني١٩٦٤). وهي تقع بين ص(١٣٤-١٨٩ ). ثم هناك التعليقات والدراسات التي جمعها،وهي تقع بين ص(١٩٠-٣٨٢). بالإضافة إلى الفهرس التحليلي، وهو من صنعة جاك أماتاييس نفسه(ص٣٨٤- ٤١٨).
وأفرد للملاحق زهاء مئة صفحة(٤١٩-٥٤٠):
١- دراسات لشعراء من أسرةمجلة شعر. ” ولرواعد “خميس “مجلة شعر” ص(٤٢٤-٥٢١).
٢- رسالة من خالدة سعيد. ص(٥٢٢-٥٢).
٣- ملحق للصور. ص(٥٢٩-٥٣٣).
ربما لا يجود الزمن برجل بقامة الشاعر والمنظر يوسف الخال. وربما لا يجود أيضا علينا بتلك الكوكبة من الشعراء والأدباء والباحثين، الذين ألفوا مجلة شعر أو ندوة الخميس المتصلة بها، غير أن الزمن نفسه، عوض علينا، بمثل جاك أماتاييس، الذي تتبع خطى المجلة وأهلها، وخطى ندوة الخميس ومؤسسيها وأهلها وروادها. عوض علينا الباحث، ما كاد يضيع في تضاعيف الزمن. ما كاد يغرق في أحداثه الجسام التي نزلت ببيروت ولبنان وبأهل ومحبي لبنان. وكذلك بدوره الثقافي، الذي كان رائدا فيه في يوم من الأيام.
هذا العمل الذي بين يدينا، يجدد الأمل، بعودة المفقود: نصا ومنبرا ودورا. ولا بد من توجيه كلمة شكر، لكل من تكبد مشاقات إنجاز هذا السفر العظيم، الذي يستأهل، أن يكون محط أنظار الباحثين والدارسين الأكادميين، من الجيل الجديد، حتى يعرفوا ما ترك السابقون للاحقين، من أدب وشعر ونقد وفكر، ذخيرة حية لأهل الألفية الثالثة.