أبو الياس.. الرجالُ قليلُ

Views: 192

خليل الخوري 

قُدِّرَ لي أن أتعرّف إلى الرئيس ميشال المر في مرحلة بالغة الدقّة والأهمية من تاريخ لبنان، وشاءت موجبات المهمة التي أُسندت إليّ أن أكون مقرّباً جداً إليه، بمثابة « كاتم الأسرار»، كما كان يُطلق عليّ من تسمية، وقد قالها مرة للعماد اميل لحود، قائد الجيش، وقد نجحتُ في إزالة سؤ التفاهم بينهما، وكانت بداية صداقة مع رئيس الجمهورية الآتي… وتلك قصة أخرى.

الرئيس ميشال المر، لم يكن سياسياً عادياً… كان استثنائياً في مفاصل حياته كلها: فرض وجوده ودوره غير المسبوق وحضوره الطاغي في المعترك السياسي ليس فقط بسبب علاقته  المتينة مع القيادة السورية وأركان النظام، إنما أيضاً وخصوصاً بفضل قدرته على الدخول إلى عقول وقلوب الآخرين، ووفائه النادر، والخدمات التي لم يتوقف عن تقديمها لكل طالب ومحتاج، وبعضها ممّا يدخل في كتاب المستحيل بالنسبة إلى سواه.

صحيح أن أبا الياس لم يكن رئيساً لـ»كاريتاس»، أو فاتحاً جمعية خيرية ولكنه كان يقوم بأعمال الخير بلا حدود، وطبعاً كان يأمل ممن يمد إليهم يد المساعدة أن يكونوا أوفياء.

كتبت، هنا، إثر رحيله إلى دنيا الحق، وأكرّر اليوم، أنه كان صاحب قرار. يدرس موضوعاً أو قضية أو ملفّاً، ثم يتوصل إلى القرار، وعندئذٍ يدافع عن قراره بقوة… وأذكر مرات عدّة كان يتخذ قرارات تترتب عليها مسؤولياتٍ جليلةً في إطار مهمته الوزارية، ولقد يضع عليها المسؤول المعني في الوزارة ملاحظة قانونية، فكان الرئيس ميشال المر يؤكد على قراره، حتى إذا تكررت الملاحظة يعود ليؤكد مرة ثانية، فيدوّن الملاحظة الآتية: «على مسؤوليتي» ويعقبها بتوقيعه. (…).

لقد حضرتُ، إلى جانبه، الكثير من الاجتماعات المفصلية، وبعضها يتعلق بالانتخابات النيابية، ودوره في تشكيل اللوائح، ليس في المتن وحده (المتن الذي أحبه ميشال المر من شغاف قلبه، وبادله المتنيون الحب بالوفاء) إنما أيضاً في دوائر انتخابية عديدة… وكذلك الاجتماعات ذات الصلة بتشكيل الحكومات… ولأن المجالس بالأمانات اكتفي بالقول المختصر: كان المحور وصاحب الكلمة الحاسمة.

وقبل تلك الحقبة كانت بداية الصداقة في مرحلة تأسيس جريدة «الجمهورية» لنجله الشيخ الياس المر، التي انطلقت كالصاروخ نجاحاً وتأثيراً وأعتُبرت واحدة من أكثر مراحل الصحافة اللبنانية إشراقاً، وأطاحها انقلاب الدكتور سمير جعجع على قيادة المرحوم ايلي حبيقه في القوات اللبنانية، وذلك في السادس عشر من كانون الثاني 1986.

لا يتسع هذا المجال للكلام على تلك الشخصية الفذة، وما تقدم إن هي إلّا إضاءة سريعة…

وأختم طالباً الرحمة لنفسه، وطول العمر ومزيد الألق لدولة  نجله الرئيس الياس، والتوفيق للشاب الشيخ ميشال الابن والحفيد، سليل الجدين الكريمين.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *