“الانتخابات النيابية: فُرصة للتغيير أم لإعادة إنتاج المنظومة الحاكمة؟”

Views: 552

في ختام ورشة التفكير والنقاش التي نظّمها مركز تموز في بلدة إيلات (عكار) بتاريخ 28 و29 كانون الثاني/يناير 2022، صدر البيان الختامي من إعداد الدكتور مصطفى الحلوة. وهذا نصّه:

مع دخول لبنان زمن الانتخابات النيابية، وإذْ يتّسِم هذا الحدث براهنيةٍ قُصوى، فقد نظّم “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية”، على مدى يَومَي 28 و29 كانون الثاني 2022 (ايلات- عكار، فندق غراسياس)، ورشة تفكير ونقاش بالمشاركة مع مؤسسة (Hanns Seidel) الألمانية والتعاون مع جمعية “آفاق الخيرية والاجتماعية”. وقد جاءت الورشة بعنوان: “الانتخابات النيابية: فُرصة للتغيير أم لإعادة إنتاج المنظومة الحاكمة؟”

تكلّم في الجلسة الافتتاحية على التوالي: رئيس “مركز تموز” د. أدونيس العكره، مندوب “هانس زايدل” في لبنان الأستاذ طوني غريِّب، رئيسة جمعية “آفاق” السيدة رولى المراد، منسق أعمال الورشة د. جوزيف رزق الله.

ولقد تضمّنت الورشة ست جلسات، تعاقب على الكلام فيها عشرة باحثين في علم القانون والسياسة، ولتتخذ الجلسات العناوين الآتية: قانون الانتخاب بين حُسن التمثيل ونجاعة الصوت التفضيلي وعدالة الحاصل الانتخابي/ دور المرأة في الانتخابات النيابية وصناعة التغيير/ الانتخابات النيابية: دروس وعِبَر وتوقّعات المستقبل/ التنافس الانتخابي: قراءة في الخريطة السياسية الانتخابية وفي تحليل الخطاب الانتخابي/ المعايير الديمقراطية لقانون انتخابي فاعل في لبنان/ الفُرص المتاحة لتحقيق التغيير: بين الشعارات والبرنامج الإصلاحي والمجتمع المدني وائتلاف قوى المعارضة.

إشارة إلى أن الورشة تميّزت بحضورٍ، شمل معظم مناطق عكار، على رُغم الجو العاصف والقارس في برودته. وقد كان حوارٌ تفاعلي بين المداخلين والحضور، أفضى إلى جُملةٍ من الأسئلة/ الهواجس، كما إلى رؤى ومُقترحات، وجدت مُتَّسعًا لها في البيان الختامي:

أولاً- حول الانتخابات النيابية/ تساؤلات وهواجس

أ‌- هل حقًا ستجري الانتخابات النيابية في موعدها المقرّر (منتصف أيار 2022)، أم سيتم إرجاؤها إلى أجل غير مُسمَّى، مع تمديدٍ للمجلس النيابي، أو الذهابُ إلى تعطيلها من دون التمديد للمجلس، ولتدخل البلاد ساعتها في فراغ نيابي وفراغ في سُدَّة رئاسة الجمهورية، وَقْتَ نرى أفرقاء متضرّرين من إجرائها، قد يسعون إلى اختلاق ذرائع وتوفير ظروف لتعطيلها؟ علمًا أن سِجلّ المنظومة الحاكمة حافلٌ بسوابق، من هذا القبيل، آخرها التمديد خمس سنوات للمجلس النيابي، بين عامي 2013 و2018.

ب‌- هل سيُتيح قانون الانتخاب، المعمول به راهنًا (رقم 44 تاريخ 17/6/2017)، فُرصة للتغيير، وهو قانون هجينٌ، معطوبٌ بنيويًا، من شأنه أن يُعيدَ اللبنانيين إلى طوائفهم ومذاهبهم، ويدفعهم بذلك إلى خِيارات تقليدية؟

ج –  وماذا تفصيلاً عن الشوائب التي يحفل بها هذا القانون: عن الصوت التفضيلي الوحيد، الذي يُمثِّل خرقًا لمبدأ الحرية في اختيار الممثلين عن الشعب؟ وماذا عن حياد السلطة، وعن ضبط الإنفاق الانتخابي المتفلّت، وعن عدم تكافؤ الفرص بين المرشّحين، وعن “هيئة الإشراف على الانتخابات” الصُورية والمشلولة؟ وماذا عن “الكوتا” النسائية التي تُثير جدلاً واسعًا بين من يؤيدها ومن يرفضها ومن يرتضيها كضرورة مرحلية حتى قيام دولة المواطنة؟ وماذا عن مشاركة المنتشرين اللبنانيين في أصقاع العالم وتوفير الجهاز البشري الذي سيتولى مواكبة العملية الانتخابية بالشكل المطلوب؟

 

ثانيًا- في الثوابت والرؤى

1- تُشكِّلُ الانتخابات النيابية تجسيدًا عملانيًا للديمقراطية، بل هي إحدى الآليات السلمية لتداول السلطة والمشاركة الشعبية في الحكم. ناهيكَ عن دورها في مساءلة الطبقة الحاكمة ومحاسبتها على أعمالها.

2- المشاركة في الانتخابات النيابية، إلى كونها حقًّا دستوريًا، فهي واجبٌ وطنيٌّ بالدرجة الأولى، إذْ على خيارات المواطنين واختيارهم تتحدَّد طبيعة الحكم وشكل النظام السياسي.

3- الانتخابات النيابية، وإن كانت تُشكِّل محطةً أساسية ومفصلية في عملية التغيير، إلاّ أن التغيير لا يتحقّق إلاّ عبر مسار نضالي طويل، تخوضُهُ قوى المجتمع المدني الحيَّة، على جبهات مُتعدِّدة.

4- قانون الانتخاب، المعمول به راهنًا، هو قانون استنسابي لا نسبي، وبهذا لن تخرج مفاعيله عن سُكَّة النظام الأكثري السابق (قانون الستين)، بل هو قانون هجين، بمزجهِ بين النظام الأكثري والنظام النسبي، وفي تقاطع مع المشروع الأرثوذكسي ذي السِمة الطائفية والمذهبية. فهذا القانون المشوَّه سيُفضي إلى إعادة إنتاج النظام القائم، والتجديد للمنظومة الحاكمة راهنًا، التي أخذت البلاد إلى شرِّ مصير.

5- استكمالاً للنقطة السابقة، فإن هذا القانون مُشوِّهٌ للنسبية للأسباب الآتية: اعتماد القضاء للترشُّح والفوز/ غياب  وحدة المعايير لجهة تقسيم الدوائر، باعتماده القضاء في أماكن، ودمج أقضية في أماكن أخرى/ تفاوت الحاصل الانتخابي بين دائرة وأخرى، مما يُفضي إلى إقصاء بعض الأقليات السياسية/ تشجيع الخطاب المذهبي عبر الصوت التفضيلي الأحادي/ عدم رفع السرية المصرفية للمرشحين/ عدم إنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات/ رفع بدل الترشيح عدة أضعاف، بما يُوفِّر الترشُّح للميسورين فقط/ سيرُ القانون عكس المطلوب، بما يخصّ وضع قانون انتخابي خارج القيد الطائفي.

6- تشكيل الثقافة السياسية ووعي مفهوم المواطنية والتزاماتها ركيزتان أساسيتان في أية عملية انتخابية، تجري في ظل الأنظمة الديمقراطية. وهذا، من أسفٍ، مفقودٌ لدينا، إذْ يتخذ التنافس الانتخابي، في غالبية محطاتِهِ، طابعًا طائفيًا/ مذهبيًا، يُعزِّز مناخاتِهِ قانونُ الانتخاب المعمول به راهنًا.

7- جُملةٌ من المعوِّقات تقف حائلاً في وجه التغيير المنشود، في عِدادها: غلبةُ الطابع الاجتماعي الصِرف على سلوك وممارسات قوى المجتمع المدني، وتشرذُم قوى حراك 17 تشرين أول 2019، وعدم اتفاقها على برنامج الحد الأدنى للتغيير، وعدم إفراز قيادات كاريسمية ومجرّبة تقود عملية التغيير. ناهيك عن دور المنظومة الحاكمة في قمع الحراك وخرق صفوف بعض مكوِّناتِهِ، بوسائل متعدِّدة.

8- قيام خطاب غالبية القوى السياسية، المنضوية إلى المنظومة الحاكمة، على الشعبوية والتحريض ضد الآخر، وشدّ العصب الطائفي والمذهبي، واسترضاء الخارج، وتعميم نظرية المؤامرة، بما يُخرج الانتخابات النيابية عن المسار الديمقراطي السليم.

9- قيام خطاب بعض المعارضة النيابية على وهم، خُلاصته أن زيادة عدد نوابها، عبر الاستحقاق النيابي العتيد، سيُوفِّرُ العبور إلى التغيير، علمًا أن التجارب السابقة أثبتت أن المسألة خارج هذا الاعتبار، في ظلّ تحكُّم قوى الأمر الواقع، وفي ظل الديمقراطية التوافقية، التي تُفضي إلى التحاصص وإلغاء دور المعارضة.

10- إن التغيير ليس موقوفًا على الوعي وتغيير الذهنية الثقافية فحسب، بل يتطلّب آليات عمل، تواكب العصر الراهن في تقدّمه وإنجازاته. من هنا يبرز الدور الذي تؤدّيه الأحزاب السياسية، غير الطائفية وغير العائلية والمناطقية، في هذا المجال.

11- 50% من اللبنانيين لا يقترعون، لأسباب مُتعدّدة، أبرزها: كُفرهم بالدولة، ويأسهم من إمكانية التغيير، واعتبار الانتخابات النيابية مهزلة، أبطالُها جميع الأفرقاء المنخرطين في لُعبةِ السلطة، إلاّ ما ندر.

12- من الشوائب، التي تسِمُ العملية الانتخابية، أن الكتل النيابية والأفرقاء السياسيين هم الذين يختارون المرشحين، ويبقى أن المقترعين يختارون من تم ترشيحهم، فتغدو المسألة أقرب إلى الاستفتاء منها إلى الانتخاب.

13- لا تقدُّم لمجتمع لا تكونُ فيه المرأة جزءًا من عملية التغيير، وشرطُ ذلك أن تكون شريكًا مُتكامل الأدوار مع الرجل. ولعل الانتخابات النيابية واحدٌ من هذه الأدوار الأساسية.

14- اتسمت مشاركة النساء تاريخيًا في المجالس النيابية بضُعف التمثيل، مما وضع لبنان عالميًا في المرتبة 183/187، على صعيد مشاركة المرأة في الحياة السياسية.

15- اتسمت الأحزاب السياسية، من حيثُ هيكليتُها التنظيمة وتوجهاتها، ببُعد ذكوري، مع عدم اتخاذ تدابير، من شأنها تقدُّم المرأة الحزبية وترشُّحها إلى الانتخابات.

16- المرأة اللبنانية- وتحديدًا امرأة الأطراف، وعكار في عِدادها- ما زالت تعيشُ نوعًا من المواطنية المنقوصة، جرّاء بعض التشريعات، وعبر عوائق ثقافية، تسجنُها ضمن صورة نمطية، حدّدتها لها السلطة البطريركية.

ثالثًا- في التوصيات والمقترحات

1- لا بُدَّ لقوى الاعتراض والتغيير، التي يُشكِّل المجتمع المدني أحد أعمدتها كما لحراك 17 تشرين أول 2019، بتشكيلاته المتعدِّدة، من إعلاء الصوت وبذل أقصى الجهود لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرّر.

2- المشاركة في الانتخابات النيابية، كحقٍّ يكفله الدستور لجميع المواطنين، تُشكِّلُ أحد العوامل الأساسية في تحقيق دولة المواطنية، بأبعادها السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية. من هنا ينبغي توفير الشروط الملائمة والمناخات الصحية لإنجاز الاستحقاق النيابي، بجميع مراحله ومحطاته.

3- ينبغي أن يُوفِّر قانون الانتخابات الغاية المتوخاة منه، وتحديدًا: ضمان وفعالية التصويت، وإتاحة مجال الترشُّح والمنافسة المتساوية بين جميع المرشحين.

4- دعوة المواطنين إلى الانخراط في العملية الانتخابية: مواكبَةً وترشُّحًا واقتراعًا، كونها واجبًا وطنيًا بالدرجة الأولى، في حين أن الاستنكاف عن المشاركة يغدو أقرب ما يكون إلى الخيانة، تُجاه الوطن كما تُجاه الذات، لا سيما في ظل الأزمة الوجودية التي يعيشها لبنان راهنًا.

5- كون اللبنانيين المنتشرين في أصقاع العالم يُشكِّلون قوة اقتصادية إنقاذية للبنان، تبدّت إبّان الأزمات، ينبغي أن تكون لهم كلمتهم الوازنة، عبر المشاركة في الانتخابات النيابية، دعمًا لقوى الاعتراض والتغيير.

6- إقرار الـ Mega center، بما يُتيح للمواطن الاقتراع في مكان إقامته، فيتحرّر من الضغوطات المباشرة، وبما يُوفّر عليه مشاق الانتقال من منطقة إلى أخرى، والأعباء المادية لهذا الانتقال.

7- إشراك الشرائح الشبابية، المتحرِّرة من أية ضغوطات وقيود “مصلحية” وزبائنية، في العملية الانتخابية، بجعل سن الاقتراع 18 سنة بدلاً من 21.

8- تسهيل السلطة عمل منظمات المجتمع المدني المتخصِّصة في الرقابة على الانتخابات، بما يمنح الاستحقاقات الانتخابية، على خلافها، صُدقية، عبر توفير المعايير الديمقراطية، إذْ لطالما كانت هذه الصُدقية مُنتقصة على مدى تاريخ الانتخابات النيابية والبلدية السابقة.

9- تشديد الرقابة على الانتخابات النيابية، من خلال تفعيل دور “هيئة الإشراف على الانتخابات”، التي لم تستطع القيام بدورها في الانتخابات النيابية للعام 2018، وذلك لافتقارها إلى الإمكانيات البشرية واللوجستية، وصدًا لكل الخروقات التي شابت تلك الانتخابات.

10- تفعيل دور المجلس الدستوري، في الرقابة على قوانين الانتخابات ونتائجها، ورفد هذا المجلس بالآليات والوسائل اللازمة، حفظًا لحقوق المواطن في إجراء الانتخابات بصورة دوريّة، بما يؤمِّن تداول السلطة وحسن التمثيل وعدالته.

11- تعديل قانون الانتخابات النيابية الحالي، فيُصار إلى اعتماد قانون عادل وعصري، غير خاضع للتقلّبات السياسية ومزاج السلطة وموازين القوى السياسية، بدفعٍ من قوى الأمر الواقع.

12- إقرار قانون انتخاب، يعتمد النسبية، خارج القيد الطائفي، ويجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، أو أقلّه اعتماد النسبية مع دوائر وسطى، مما يؤول إلى جعل الانتخابات قائمة على برامج، ووجود أحزاب لبنانية عابرة للطوائف والمناطق.

13- لما كانت الأحزاب هي عصب العمل السياسي وإحدى رافعاته الفاعلة، ينبغي عليها- لا سيما غير الطائفية والمناطقية- أن تقوم بمراجعة نقدية، أبرز عناوينها تأدية الحساب أمام ناخبيها، ذلك أن ثقة المواطنين بالعمل الحزبي باتت في تراجع مطّرِد.

14- إن دور الإعلام الحرّ، غير المرتهن، مطلوبٌ، بمختلف وسائطه ومنصّاتِهِ، لتبصير المواطن بأهمية الانتخابات النيابية، وتزويده بثقافة انتخابية، لتذليل بعض الآليات المعقّدة العائدة لعملية الاقتراع.

15- يجب عدم مقاربة إشكالية حضور المرأة في الحياة السياسية من منظور الصراع بين الجنسين: بل من منظور المواطنية الحقّة، التي لا تفرّق بين الرجل والمرأة، فكلاهما سواءٌ في الحقوق والواجبات.

16- إقرار مبدأ “الكوتا” النسائية في قانون الانتخاب، كضرورة مرحلية، ريثما تقوم الدولة المدنية الحديثة، دولة المواطنية والحقوق والمؤسسات، التي تُكرِّس، فيما تُكرِّس، العدالة وتكافؤ الفُرص بين جميع المواطنين، بمعزلٍ عن الجنس (الجندر).

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *