مسألة الإعاقة في كتابات ميرنا الشويري..

Views: 765

الكاتبة الروائية حنان رحيمي

لا يوجد أدب يُدعى أدب الإعاقة، ولكن بعض الروائيين تناولوا هذا الموضوع، لأنّهم من ذوي الإحتياجات الخاصة أو إحدى عائلاتهم، وأهمّهم  الكاتبة العالمية هيلين كيلر التي كانت عمياء وصمّاء، ولكنّها غيّرت نظرة العالم إلى الإعاقة الجسدية فهي من خلالها استطاعت أن تعرف مهمّتها في الحياة..

هذه الكاتبة كان لها تأثير كبير في الكتاب، ولكن في الشرق نادراً ما يسلّط الضوء على هذه المسألة.

الروائية اللبنانية ميرنا الشويري عالجت هذا الموضوع في مسرحياتها ورواياتها حتى في قصصها للصغار.

في روايتها (حياة وهم) تناولت قضية المقعدين ومزجتها بالقضايا النسوية. وفي روايتها (الحبّ يرى) تروي قصة رجل لا يبصر بعينيه ولا في قلبه، لكنه في نهاية الرواية تعلم أن يُبصر بقلبه، وفي نفس الرواية تتناول أيضاً قضية كبار السنّ والنسوية في الشرق.

أمّا في روايتها الجديدة(مطر خلف القضبان) فتتناول قضية الصمّ، وتمزجها بقضية السجينات، وكأنها تتقصد أن تمزج بين قضايا ذوي الإحتياجات الخاصة والجماعات المهمّشة الأخرى، وتؤكّد في ذلك أنّ كلّ هذه الفئات ليست “الآخر”، ولكن المجتمع يحولهم إلى آخر، وهي تحاول تفكيك هذه الفئات وخاصّة ذوي الإحتياجات الخاصّة عندما تعكس حياتهم العادية، فيلاحظ القارئ أنّهم كالآخرين يحبّون، ويطمحون، ويفرحون، وهذه صورة مختلفة عمّا يصوره المجتمع.

بطلة روايتها الرابعة ماري أنجيلا تسمع العالم وخاصة أوجاع السجينات مع أنّ العالم الخارجي لا يسمعهنّ أو يسمعها.

كما أنّها وبعكس الصورة المشوّهة للإنسان من ذوي الإحتياجات الخاصة لا ترى نفسها ضحية بل بالعكس تنادي بحقوق المرأة، فتنتمي إلى جمعية نسوية عالمية تحترم النساء من ثقافات أخرى.

ميرنا الشويري

 

ما يميّز هذه المرأة ماري أنجيلا أنّها تعيش بين حياة الصمّ وعالم الصخب، لأنّها لم تلد صمّاء، وهذا ما يجعلها تفهم الصمّ والآخرين، فهي تفكّر بالكلمات، ولكن تستعمل الإشارات، ولعلّ هذا يدلّ على أنّ حياتها على الحدود تجعلها تنظر بمنظورين إلى كلّ المسائل، فتدخل القارئ إلى عالم الصمّ، وتدخل الصمّ إلى عالم الصخب، فترسم عالمين بريشة تغمسها بأوجاع العالمين. كما أنّ الروائية تركّز على قدرات ذوي الإحتياجات الخاصّة بعكس المجتمع الذي لا يرى إلّا إعاقاته، فتقول:

” أسمعك من دون أذنيّ/ وأسمعها ( أيْ زخّات المطر) على وجهي…”.

 كما أنّها تركّز على قدرات السجينات، فميشا السجينة تجعل من السجن رحماً يخلق نساء جديدات بأرواح خلعت أثوابها القديمة. علاقة ماري الصمّاء وميشا السجينة ترمز إلى أنّ المغمس بالوجع يقرأ أوجاع الآخرين، وأنّ المهمّشات في المجتمع هنّ المخولات لخلق عالم أكثر إنسانية، فميشا تقول إنّها لا تشعر بأنّها قوية إلّا مع الضعفاء. وعلى الرغم من ذلك فإنّ كلتا الشخصيتين تعانيان من المجتمع، فعندما تترك ميشا السجن تضطهد من المجتمع، وماري أنجيلا أيضاً تعاني، فتقول:

خُلق العالمُ من رحمِ الصمتِ

والصمتُ لؤلؤةُ العشقِ

أمّا البحرُ فلا يبوحُ بأسرارِه لأحدٍ

بل يهمسُ بحزنهِ إلى غيومِ السماءِ

كلّ هذا،

وخفتَ -يا هذا- من صمتي!

” خفت يا هذا من صمتي” تدلّ على أنّ الخوف من هذه الفئات يؤدّي إلى تهميشهنّ.

لعلّ الروائية تلمح من خلال مزجها الفئات المهمّشة في المجتمع إلى أنّها يجب أن تتكاتف حتى تحصل على حقوقها.

وأخيراً قلم الروائية ميرنا الشويري يحمل قضية أساسية وهي الإعاقة، فتكشف الظلم الذي تعانيه هذه الفئة، ولكن مزجها قضية ذوي الإحتياجات الخاصة بالقضايا الآخرى تحولها إلى قضية إنسانية لا تختلف عن أيّ قضية أخرى.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *