جعلتِ وجودًا!!
د. عماد يونس الفغالي
أمام عنوان كتابٍ تقفُ نفسَكَ سائلاً: ماذا “أبعد من حدود الوجود”؟ والوجود فعلٌ فالشٌ على الزمان كما على المكان، وكلاهما في المفهوم الكونيّ خاضعٌ للحدود، فأيّ “أبعد” هذا يفتّقُ الوجود ويفتحه فوق الحدود، فيطالُ أو لا، اللامحدودَ في امتداداته؟!
في تصفّحٍ أوّليّ، يعبُر إلى ما تعلنه الكاتبة، تجدُكَ أمام سفَر. لا غرابة. إلى الأبعد وعدتْكَ مارلين سعادة تأخذُكَ، الرحلةُ إن قبلتَ ركوبَ متنها، أنتَ طبعًا في سفر. وكلّ سفرٍ يتمّ عبر الزمان وفي تنقّلٍ مكانيّ، محدَّدَين. لكنْ لا تزالُ في بدء.
كتب الدكتور ربيعة أبي فاضل خاتمًا مقدّمةَ الكتاب: “الشعر… إمّا أن يكون ميتافيزيقيًّا، كونيًّا خلاصيًّا، فضاءً للغبطة والإلهامات… أو يبقى أسيرَ الحدود والوجود، ولا يرحل إلى أبعد”. قالَ هذا وجلسَ إلى جانب قائدةِ الرحلة، قائدًا مساندًا، يُطلقُ إلى جانبها ركّابَ الرحلةِ إلى حقيقتها اللا تنتهي. وهاكمُ المحطّات:
الزمنُ محطّاتُ أشخاصٍ أنزلونا في مكاناتهم، إلى متحفِ الذكريات، نستعيدُها بوعيٍ مشاعريٍّ دافق. مارلين سعاده أجادتْ بضبط إيقاعه على تكوّنات الذات الإنسانيّة. يلفتُكَ السياقُ بين موعدين: النصّ الأوّل “موعدٌ مع أبي” والأخير “موعدٌ مع جدّتي”، كلاهما عَودٌ إلى حدود الوجود، حيثُ زخارفُ عائليّة مجتمعيّة أسّستْ لقيمٍ إنسانيّة أبعدَ من كلّ حدود. رحلةٌ في الزمن من خارجه، إلى أماكنَ التقتْ فيها بشخصيّتيها الحبيبتين، فالتقطتْ منهما نسيجَ أصالتها الكينونيّة…
أصرّتْ مارلين سعادة أن تطبعَ تاريخَ كلّ مدوّنة فتهديها محطّةً في الزمن، كأن تقول انظروا ما فكّرتُ يومذاك. اقرأوا كم خرجتُ من حدودي عبرَ المداد السائلِ فكري نحو المدى! ولاّدةٌ أنتِ، من تزاوجِ القلم والورقة تلدينَ على سرير الحلم العاري، جسدًا ينبضُ نشيدًا يتراقصان على وجوده لحنَ الخلود.
على متن الرحلةِ تلك، الأسميتِها “أبعد من حدود الوجود”، شخصيّاتٌ نوعان: من داخل، حسبتهما المسافرين، ومن خارج كأنّما الطاقَم هم. إنّهم الهُداةُ إلى الرحلةِ دعوةً وخدمةً. قاماتٌ في مواقعَ قلميّة، أسّسوا لهذا الإخراج الذي أبحرَ في ما بعدَ الوجود، حيثُ كمالُه واكتمالُه.
مارلين سعادة، في مساحةٍ ورقيّة أقرب إلى حدود الوجود، وفيتِ كلّ اعتباراتكِ الأدبيّة، من فكرٍ وشعر، من امتنانٍ وحبّ، ومن إنسانٍ أنتِه في ملء.
“أبعدُ من حدود الوجود”، جعلتِ وجودًا بلا حدود!
