الحلقة الثامنة من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول

Views: 20

*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)

 

يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنت له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة  في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…

                                                                      كابي

 (٨)

لم يذهب حنا الى منزل حليم كما قالت له زوجته أن يفعل. بل توجّه الى منزل أخيه ليزفّ إليه الخبر، وقد جاد عليه عقله بفكرة وصفها حنا في قرارة نفسه بأنها ستكون حلاّلة المشاكل.

وصل أبو بحر فوجد أخاه مستلقيًا على “الدَشَك” (كنبة طويلة مصنوعة من الخشب توضع عليها مساند محشوة بالقش).

-أخبروني بأنّك ذهبت الى المدينة مع حليم لتبحث عن عمل. “شو صار معك”؟

وجدتُ عملاً في مطبعة يا أخي.

– هكذا وبهذه السرعة؟ 

– وفّقني الله بذلك منذ اليوم الأول من البحث.

– وكم هو الراتب الشهري، هل اتفقت معهم عليه؟

– في الحقيقة لم أبحث في أمر الراتب بعد فهناك فترة تدريب على العمل ومن بعدها يتمّ تحديد الراتب.

وقف شقيق حنا ضاحكًا بأعلى صوته قائلاً: أَأتيت لتبشّرني بما وفقك الله به؟ هل هذا توفيق من الله أم أنه حلم من أحلامك البائسة؟ استيقظ يا حنا وعُد الى صوابك والى العمل معي على المركب. هل تعتقد أن عملك في المطبعة سينقلك الى عالم أفضل؟ لن تستطيع تغيير أحوالك من خلال حلم يتيم. (bolivarescapes.com)

– يا أخي قبل أن ألجأ الى أحد سواك جئتك طامعًا في كرمك. كلّ ما أحتاجه منك هو سلفة تؤمن لي المأكل مع عائلتي الصغيرة خلال فترة التدريب.

– استيقظ يا حنا…

ترك حنّا منزل أخيه وتردد في الذهاب الى حليم. أحسّ بأنه طائر مكسور الجناح لا يقوى على التحليق في سماء هذا الكون الظالم. وعاد يفكّر مجدّدًا في قسوة أخيه ابن أبيه وأمه. لكنه سمع في داخله صوت امرأته يقول له “اذهب الى حليم وبلّغه بقبولك فترة التدريب”.

ما إن غادر حنا منزل حليم بعد أن فَعلَ ما أشارت به عليه زوجته، حَتّى رأى بحّارة القرية والصيادين يتوجّهون مسرعين باتجاه مرسى مراكب الصيد. وسمع أهل القرية يقولون إن البحّارة استشرفوا حالة الطقس وهم يتوقعون هبوب عاصفة بحرية تستوجب رفع المراكب من البحر ووضعها على البر حتى تسلم من العاصفة.

توجّه حنا على وجه السرعة الى المرسى البحري فوجد أخاه يحاول رفع المركب مع بعض الشبان المتطوعين. فشمّر عن ساعديه ورجليه ونزل الى الماء يساعد أخاه في رفع المركب.

                                                               (يتبع السبت المقبل)

***

*ملاحظة: إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *