عن الشرّ وطبائِع الإنسان!

Views: 764

انطوان يزبك

يقول القديس توما الاكويني:

“إنّ الشيطان، سميّ سيّد العالم ليس لأنه خالقه، بل لأن الإنسان أعطاه هذا التشريف وأعزّه وقدمه على الله الخالق لكل شيء وخاصة الخير والمحبّة”.

وكان القديس أغسطينوس قد عزا الخطيئة، إلى فعل الإرادة الكامنة في النفس البشرية، لأن الله منح الإنسان كل شيء، الحرية والكون وما عليه بما في ذلك الإرادة، لذلك الشر الذي نفعله هو شر متأتٍ من إرادة الإنسان، ولكن نطرح السؤال :

الى اي مدى هذا الإنسان يقدر أن يتحكم بفعل الإرادة وهل هو فعلا يميّز بين الخير والشر؟ أعمال البشر فظيعة تخجل منها الشياطين، لا بل يقف الشيطان ذاته مذهولا أمام فظاعات البشر في كل مكان وزمان.

ومنذ بدأ الإنسان يفكر بذاته وأحواله وهو يطرح الأسئلة عن أسباب الشر ومفاعيله، لذلك أبقى مساحات البحث والتنقيب عن طبيعة الإنسان من دون حدود أو قيود. وحتى الآن عجزت البشرية عن فهم الكثير من سلوكيات الإنسان وميله الفطري إلى الشر والأذى؛ ومن يبحث عن درجة المنطق في رؤوس البشر، كمن يبحث عن إبرة في كومة قش!.

قال رينيه ديكارت جملته الشهيرة: “أنا أفكر إذا انا موجود!”

وربّ سائل ما قيمة هذا التفكير، لدى بعض الرؤوس الفارغة من كل تفكير وتحليل وتعليل ومنطق، ماذا ينفع التفكير مع أصحاب النزوات والحقد والشراهة والغيرة والحسد والخيانة والجريمة والطمع..

ثمة كائنات جبلت بالشر والإساءة وافتعال المشاكل، وتعمّد الإيذاء والتنمّر وإقصاء الآخر إلى درجة حرقه وتحويله إلى مهزلة وأضحوكة، بشر من نوع ترابي مادي ليس هناك من أثر للروح فيهم أو المشاعر الانسانية البسيطة، يخدمون الشر من خلال تشويه حضارات برمّتها ولا يرفّ لهم جفن ونحن نعيش كل يوم تجليّات الشر والظلم..

وأيضا نطرح السؤال عن الوجود، وما قيمته وفائدته ما إذا كان وجودًا عدميًا ضارًا، يسبب الحروب والمآسي والويلات والكثير الكثير من القهر والقمع والعذابات في صفوف البشر المغلوبين على امرهم!

يقول تيري ايغلتون في كتابه “عن الشرّ” ما يلي:

“يحتاج أولئك الذين يرغبون في معاقبة الآخرين على شرهم أن يعلنوا أنهم أناس أشرار بارادتهم الحرّة، ولربما يكونون قد اختاروا الشر عمدا كوسيلة لتسويغ غاياتهم”.

 كما أعلن ريتشارد الثالث في مسرحية شكسبير: “انا عازم على أن ابرهن أنني وغد”.

وكذلك الشيطان في (الفردوس المفقود) لميلتون عندما قال: “أيها الشرّ، لتكن خيري أنا”.

أو عن غوتز متفاخرا في مسرحية جان بول سارتر (اللورد والشيطان):  “أقوم بأعمال شريرة من أجل الشيطان نفسه”.

وبعد من بإمكانه أن يشرح الشر بحد ذاته من دون كثير تحليلات وأبحاث في عالم سئم كل شيء ولم يعد بقادر على إيجاد ولو ذرة ثقة في إي طرح أو أي فكرة، لقد كفر الناس بذواتهم حتى آخر نقطة في الكوب!

يقول فيودور دوستويفسكي: “أشنع ما في الأمر، هو أن الفظاعات أصبحت لا تهزّ نفوسنا، هذا التعّود على الشرّ، هو ما ينبغي أن نحزن له”..

ختاما أحب أن أورد خاطرة أرسلها الي صديقي الياس الريس مشكورا :

“قل لمن لا يزال يبحث في نصف الكوب الملآن والنصف الآخر الفارغ، من الأفضل أن يتذكر أن الأكواب قابلة لإعادة ملئها بالماء في كلّ حين…. وعليه على الإنسان أن لا يتوقف عن ملء كوب الحياة بماء العافية والحياة كما سيزيف الذي يعيد انتشال الصخرة من كعب الوادي ويرفعها  إلى رأس الجبل يوميًا ومن دون كلل، حتى نرى من سينتصر على من الذات البشرية ام القدر!”….

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *