بين الواجب المسؤول والأنا

Views: 76

لميا أ. و. الدويهي

حين يقومُ البعض بخياراتهم في الحياة، يظنُّون بأنَّ السَّعادة تنتظرهم على قارعة الطريق بل وعلى كُلِّ مُفترق طرق، فيسيروا الدَّرب بأملٍ واهٍ مُعتقدين بأنَّ حياتهم ستكون مختلفة عن حياة الآخرين، ففي ذهنهم الخاص، يظنون بأنَّهم يعلمُون كيف يَحيوها أو كيف يتَّخذون القرارات المناسبة لتكتمل «هذه السعادة» وتدوم إلى الأبد، بحسبِ مفهومهم المحدود للسعادة والفرح، إلَّا أنَّهم ينسون بأنَّ الأمر لا يتعلَّقُ فقط بهم وحدهم، بل بآخرين يُشاطرونهم حياتهم وقد يتخاذلونَ في أيِّ لحظةٍ ويتراجعون خوفًا من أي نوعٍ من المواجهات، لأنَّهم لم يتمرَّسوا في التصدِّي لمطبَّات الحياة ومخاطرها، أو لأنَّهم لم يعودوا قادرين على تلبية نزواتهم، فتنقلبُ الأحلام الورديَّة إلى واقعٍ مرير لا يمُتُّ إلى «رغباتِهم» و«طموحاتِهم» بصلة… فيغضبون وقد يرفضون مواجهة الواقع وتحمُّل نتائج يكونون هم وحدهم المسؤولين عنها، لأنَّها نابعة منهم، من عنجهيَّتهم، من فكرهم ونهجهم، من رؤيتهم وتطلعاتهم، من آمالهم المنعقدة في ذهنهم الغير الناضج والغير المكتمل إن فكريًّا أو ثقافيًّا أو حتَّى إنسانيًّا… 

البعضُ يظنُّ بأنَّهُ قادرٌ على الرجوعِ بعقارب الزَّمن إلى الوراء ومعاودة الانطلاق من جديد ومحو سنين من العمر وكأنَّها لم تكن، بمجرَّد عدم الإلتفات إلى الخلف، وكأنَّ الحياة قد بدأتِ الآن وما سبق إنتهى وانقضى، فات ومات… هذا المبدأ مُفيد لمَن كان يُعاني نتيجة ظلمٍ وقرَّر نفضَ غُبارَ الماضي واستجماع قواه ولملمة فُتات حياته والمُضيّ قُدمًا، محاولًا النُّهوض بذاته ومواصلة وصل خيوطها حيث تقطَّعت فتغدو اللحظة الآنيَّة هي الأهم لأنَّها تُمثِّل إنطلاقة وولادة جديدة له؛ بَيدَ أنَّي أقصد الفئة التي لا تُبالي بأقرب المُقرَّبين وقد تدوسهم لأجل الأنا المُشبعة والمُفعمة أنانيَّة والقادرة على التخلّي بسهولة عن واجباتها لأنَّها لم تتعوَّد يومًا التَّفكير بالآخرين وإنَّما بذاتها السَّلبيَّة…

لا أنفكُّ أُشدِّدُ على فكرة اللقاء مع الذات والإبحار في العُمقِ لفهمها بهدفِ الاكتمال فالمصالحة مع كل ما يُعيقُ تقدُّم أي فردٍ منا، فنستطيع بالتالي فَهم الآخرين وتقبُّلهم وتقبُّل أيّ ردِّ فعلٍ قد لا يكون منطقيًّا أو إيجابيًّا في بعض الحالات…

المشكلة حين يغفلُ البعض عن درس خطواتهم ولا يَعتبرون من أخطاء غيرهم، كما لا يحاولون فهم المواقف وذواتهم وبالتالي الآخرين، فينجرفون لأفكارٍ طوعيَّة، تناسبُ مقاسهم وأنانيَّتهم فتجدهم يتجاهلون المسؤوليَّات الناتجة عن تلك القرارات…

وغالبًا ما تكون الضحيَّة طرفًا ثالثًا لا ذنبَ له بهذه القرارات التعسفيَّة التي يتحمَّلها نتيجةَ طيشٍ أو استخفاف أو سؤ فهم وعدم إدراك وحتَّى تهوُّر ناتج عن حاجةٍ لتلبيةِ رغباتٍ مُعيَّنة أو صورة مُعيَّنة لا تُشبه واقع الحياة ولا قيمتها الحقيقيَّة بشيء…

أمَّا مَن كان موضوعيًّا ومُدركًا لمَسؤوليَّاتِه، فلا يتراجع عن الالتزام بما نتجَ عن قراراته ويتحمَّلها كاملةً ولو كانت على حسابه الخاص… قد يُغيِّر الاتِّجاه ويتراجع عن خيارات اتَّضحَ في النّهاية بأنَّها خاطئة ومؤلمة وربَّما في بعض الأماكن مُدمِّرة، إلاَّ أنَّه لا يسمح لطرفٍ ثالث بأن يتحمَّل النتائج عوضًا عنه…

أظنُّ بأنَّ النَّقص في الحبّ، الذي يُغذِّي الإنسان منذ لحظة ولادته، يُحوِّل بعضًا من الأشخاص إلى جماعاتٍ فاقدةً للحس بالآخرين، تتمحور حياتها حول الأنا المَرَضيَّة… هذا الصنف من الناس لا يعرف أن ينفتحَ على أعماقه، فكيف إذًا سينفتح على الآخرين؟…

هم أشخاص غير قادرين على الشعور سوى بحاجاتهم ورغباتهم ولا يستطيعون أن يبلغوا عمق الشعور الذي يمنحه فرح العطاء للنَّفس، لأنَّ ذواتهم غير ناضجة وغير مُكتملة ومملؤة بترَّهات العالم الماديَّة البحتة التي تنطلق منهم وتصبُّ لديهم… وحياتهم مهما امتلأت بأمور، تبقى فارغة من جوهرها ومعناها وصلب كينونتها، فيَضحون مُجرَّد عابري سبيل، لا بصمة لهم ولا أثر، ومع الوقت، مُجرَّد غُبار يتطاير في مَهبِّ الوجود…       

(https://valorhealthcare.com)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *