الحلقة العاشرة من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول

Views: 629

*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)

 

يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنت له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة  في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…

                                                                      كابي

 (١٠)

 

باع حنا “مبرومة” زوجته في سوق الصاغة وتوجّه الى المطبعة لكي يباشر فترة التمرين. أمسك حسيب بِيَد حنا وأدخله الى المطبعة وراح يشرح له وظيفة كلّ آلة فيها ويعلّمه قواعد وأصول العمل المطبعي. ومع تقدّم الأيام لاحظ حسيب أن حنا يتعلّم المهنة بسرعة وأنّه شديد الانتباه وينفّذ تعليماته بدقّة.

وفي أحد الأيام وخلال استراحة الغذاء سأل حسيب حنا عن عائلته فأخبره بأنّ ولادة بحر هي التي دفعته الى تغيير عمله من عامل على مركب صيد الى عامل مطبعة. وراح يشرح له عن أحلامه الكبيرة في ما يتعلق بمستقبل بحر، وأخبره بأنه مستعدّ للذهاب الى آخر الدنيا حتى يؤمّن له المستقبل المنشود.

كان حسيب ذا خبرة كبيرة في شؤون الدنيا ومطبّاتها وصعابها. فهو وُلد في المدينة وربيَ فيها وتعلّم مهنته في عمر المراهقة بعد أن اكتشف أنّه لا يستطيع أن يُكمل دراسته لعدّة أسباب، إلا أنه تعلّم القراءَةَ في المدرسة، وحاول والده كثيرًا حثّه على عدم تركها. ولمّا أدرك والده أن حسيبًا لا يرغب في إكمال دراسته جاء به الى صديقه مالك المطبعة.

 أخبر حسيب حنا بأنه قرأ جميع الكتب التي أشرف على طباعتها وأن ما يستهويه منها كتب التاريخ والسياسة. 

– يا حنا باتت هذه المطبعة مدرستي ولشدّة تعلّقي بقراءة الكتب تحسنّت لغتي وأصبحت غنيّا بالمعلومات التي وفّرتها لي تلك الكتب. حتى أنني استطعتُ أن أجمع مكتبتي الخاصة في المنزل وهي مكتبة غنيّة ومتنوّعة. كتب التاريخ وكتب السياسة تأسرني الى حد كبير.

– لم أعتد المطالعة منذ أن أنهيت تعليمي المدرسي وأجد نفسي الآن محاطًا بالكتب.

– الكتاب يا حنا صديق ورفيق يخبرك بما لم تعلم به من قبل. الكتاب وسيلة سفر الى شتى بقاع الدنيا. حاول أن تقرأ من جديد.

                                                (يتبع غدًا)

***

 

*ملاحظة: إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *