في التّجريب الصّحفيّ(14)

Views: 307

محمّد خريّف

ولم تكن أوراقي الصحفيّة الطائشة شبيهة بالأوراق الصّفراء المهملة في رفوف الأرشيف ، وإنما هي أوراق من طيش الذاكرة تحضر وتغيب،أستحضر منها مالم يكن في الحسبان، وتحضرني حضور ما يشبه النّكهة يومَ أخالني صحفيّا”بالكرفي”، والصحفيّ مثلي لا أوراق تثبت هويّته، تراه يحمل على كتفه مسجلة لاتسجّل خطاب هذا المسؤول أوذاك، والمصدح في يديه وهما وتمويها ، ولعلّ المسؤول تغريه لحظة البهجة  فيصول ويجول بلسانه، والصّحفي رُقعة صحيحة فليس له أن يتبهذل أو يخجل حتى لو تفطّن في سره وتذكر قصة سراويل صحفي مقعور،وطلق الرّيح عند “البصّاصة” “رصاصة” …

محمّد خريّف عام 1973

 

 

هكذا كان البصّاص ولد بلادي ولا أقول من أندادي يحبّ أن تراه عين حبيبته مشهورا مقهورا، ولا حبيبة تهتم به غير حبيبة يصنعها له خياله،هو يتصوّر أنها تراه حين يخرج رأسه من نافذة سيّارة الإذاعة يركبها على وجه الفضل، ولا فضل لمن يغطي  كورتاج الرئيس ولايعرّيه وهو يخترق شوارع مدينة نابل ومنها- إن لم تخنه الذاكرة- شارع الشهيد الهادي شاكر فترمقه العيون وتشرئب له الأعناق وينسى الجميع لحظة اغتياله، وهل لا أحد في تلك اللحظة يفكّر في أن يحاكي ما يفعله الصّحفيّ. وجرّة نابل تذكرّه خُرافة التابل والكرويّة والصّحفي يمشي في غير ثنيّة؟ 

سي الحبيب في سيارته المكشوفة

 

 

دربوكة السّجع دودة تشبه دودة الولع بإيقاع مدح االرئيس الزّعيم الحبيب وأذكاره في كل صباح ها أنا أراه عن قرب يستقبل الوفود تأتيه من كل شِعْب وشُعبة، هم أولاد الدستورية يلقاهم الزعيم في مقرّالولاية، يتملكني وسواسأن أهمّ بتحيّته فيمنعني الوقار ولاتشجّعني هيبة المقام ولست دستورياعلى بزّه ومعناه ، سي الحبيب يحبّ الجميع ويحبه الجميع ولا يقرّق بين أبنائه وبناته إلا بحبّ الوطن هويخرج من سيارته المكشوفة ليردّ على تحيّات الجماهير، وكأني به لايحبّ أن يشهد عُبوسا باديا على وجوه الذكور ولا حجابا يخفي وجوه الإناث هو أبو الجميع يفدونه بالرّوح والدّم ،لكنهم ينسونه فيتحاشون ذكره عندما تدور الأيّام وتخونه الركبة صاحبها ،يقولها جدّي يموت قيل سقوط الزّعيم عن عرشه بقليل من السّنين.

جرة نابل

*

جدي كان يحبّه ويكره فرنساهو يفاخر بسياسة “ولد المستير” ساردا ماكان له من آلام العذاب في بوسط الجندرمة بمنزل تميم وقد علُّق تعليق دجاجة سميطة في السقف كاد أن يفارق الحياة لولا استنجاده بسيدي “حسين العويّب” ، ،يموت جدّي مفاخرا برفضه كعبة رمّان يقدمها له الجرياني اثر انفتاح المغالق ببركة الوليّ الصالحقائلا له : مارابو ..مارابو..هذا ولم أعد أسمع جدّي يبكي متأثرا بخطبة سي الحبيب صباح العيد، والرئيس بارعافي الخطابة :هو يَبكي ويُبكي في نفس الوقت ، ولعل الزعيم المخلوع يسخر وهو في إقامته الجبرية بهتافات الجماهير ولا فداء بالروح والدّم إلا للقائم والله ينصر من صبح،فلا عكاظيات عيد الميلاد ولا إيقاع فاقلة تسير ولارايس الرّياس فحتى المدائح والأذكار لم تعد تسبق صلاة الفجر وموعد الآذان ؟؟

***

* كاتب من تونس

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *