أرحام الصعاب وأجنّة الفرج

فيصل طالب

(المدير العام السابق لوزارة الثقافة)

ماذا حلّ بلغة الرجاء؟ هل تخثّر مدادها، وتحجرّت حروفها، وعيّت في لسانها، فباتت حطاماً على ورق الإنكفاء؟ هل احتبس مطرها وانقطع طلّها، وفقدت تربتها خصوبة العطاء، فاختنقت في البذور دورة الحياة؟ هل انفصمت العروة الوثقى بين الزرع والحصاد، فقتل قابيل العسر هابيل اليسر، وسقط الزمان في أحادية الأقنوم، فخسرت مرآته ثنائية الضدّين، ولم تتبلور صورة الطارف في رحم التليد على تخوم الأحلام والرؤى؟!

لا يتبدّد موج الصخب إلّا فوق هدأة الاحتواء، ولا يتلاشى نهر الضيق إلّا  في بحر الرحابة، ولا يستريح صائت الغضب إلّا في صامت الحلم، ولا يُولدُ النور إلّا من مخاض العتمة، ولا تفيء النفس إلّا من التعب، ولا يحلو اللقاء إلّا بعد الفراق، ولا يغتلي الحنين إلّا في هجير الغربة، ولا يشتدّ أُوار الحبّ إلّا في أتون الجوى.

هل تغيب الشمس إلّا على يقين إشراقها، وهل تصمت العصافير مساءً إلّا لتنشد تراتيل الصباح، وهل تتخلّى الأشجار عن أوراقها إلّا على وعد البراعم، وهل تهجر الطيور موائلها إلّا لتعود إليها؟!

لا شيء يظهر قيمة السكون مثل الضجيج، ولا الصمت مثل الصوت، ولا الضحك مثل البكاء، ولا الفرح مثل الحزن، ولا الراحة مثل الكدّ، ولا الاكتفاء مثل الحرمان، ولا النجاح مثل الفشل، ولا الصواب مثل الخطأ، ولا البساطة مثل التكلّف،… ولا الحياة مثل الموت!

كذا تتضافر الأضداد في نسج لوحة الحياة من طريق المقابلة والمقاربة والتجاور والتعاقب والتكامل. ومهما خُيّل لنا أنّ الصعاب قد انفردت واستطالت وتمدّدت طولاً وعرضاً، فهي تحمل في أرحامها أجنّة الفرج، وتختزن في غمامها المطر، وتستبطن في تربتها بذور الأمل.