الحلقة الثانية عشرة من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول

Views: 907

*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)

 

يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنت له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة  في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…

                                                                      كابي

 

(١٢)

 

أصرّ حنا على حسيب أن يساعده في اختيار إحدى المدراس الخاصة في المدينة لتسجيل بحر في العام الدراسي المقبل عليهم.

راح حسيب يستعرض أمام حنا أسماء المدارس الخاصة التي تديرها إرساليات أجنبية أو التي ترتبط إداراتها بإرساليات أجنبية مركّزًا على موضوع اللغات، وكأنه بذلك ضَرب على الوَتر الحساس، فاللغات معدومة عند حنا حتى الكتابة باللغة العربية الفصحى والتي كان قد تعلّمها جيّدا في مدرسة القرية على أساتذته المشهورين لم يعد يكتبها منذ أيام الدراسة.

اللغات يا حنا أمر عظيم. هل تعلم لو أنني أستطيع قراءة الكتب الأجنبية لكانت معلوماتي أشمل وأوسع من المعلومات التي أنهلها من الكتب التي أقرأها باللغة العربية. لو أدخلتَ ابنَك الى مدرسة تجيد تعليم اللغات الأجنبية ستؤمّن له حتمًا مستقبلاً مضمونًا. على كل حال أنا تكلّمت مع الاستاذ ناصر فهو يعلّم في إحدى هذه المدارس وسيرشدنا الى الخيار الصحيح.

ومتى سنتحدث الى الأستاذ ناصر؟

أعتقد أنه سيمرّ بنا قريبًا فو يعمل في مكتبة كبيرة بعد دوامه في المدرسة، لا تبعد عن المطبعة سوى عشرات الأمتار. أذكر الديب… لقد وصل الاستاذ ناصر. 

بعد التعارف انهال حنا على الاستاذ ناصر بوابل من الأسئلة حول التعليم واختيار المدارس المهمة لتلقّي العلم فيها.

نظر الاستاذ ناصر الى حنا نظرة تعجّب. تتحدث وكأنّك تعرفني قال ناصر.

نعم أعرفك فقد حدّثني حسيب عنك.

وماذا قال لك هذا الرَجعي.

رجعي! لم يهضم حنا العبارة التي لم يسمعها من قبل، وقبل أن يبادر بالاستفسار، عاجله حسيب بالرد قائلاً لم ينتظرك حنا طويلاً لكي نتبادل حوارًا سياسيًا أيها التقدّمي.

تقدّمي! عبارة أخرى لم يهضمها حنا أيضًا.

في الحقيقة اضطررت على الخروج باكرًا من المدرسة وأنا متوجه الى المكتبة لأحاول حَلّ معضلة ما، فرجال الأمن أبلغونا بأن كتابًا يُباع في المكتبة قد تمّ منعه من التداول. 

لم يستطع حنا الاستمرار في التزام  الصمت وسأل الاستاذ ناصر: كتابٌ يُمنعُ من التداول ما معنى هذا؟ 

معناه أن المكتبة لن تستطيع بيع هذا الكتاب للقرّاء بعد اليوم، وعلينا أن نسلّم النسخ الموجودة منه لدينا الى رجال الأمن. 

أسرع ناصر في الخروج من المطبعة، لكنه ترك في ذهن حنا انطباعًا غامضًا ومبهمًا. وتساءل  في سرّه عن سبب منع بيع كتاب للقرّاء. فهو وعملاً بنصائح حسيب كان قد بدأ مطالعة كتاب عن التاريخ في كل ليلة، قبل أن يخلد الى النوم.

(يتبع غدًا)

***

 

*ملاحظة: إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *