السقوط…

Views: 268

 أنطوان يزبك

 ما زلت أراقب تصرف الآدميين ، وهم في حياتهم الاجتماعية قد بلغوا عمق التفلّت من كل قواعد المنطق والحكم السليم الذي يفرضه التمدن على الإنسان في سلوكه.

وكلّما توالت أمام ناظري التصرفات التي تشبه إلى حدّ كبير ما نطلق عليه في التعبير الشعبي لقب: «سعدنة» يعود إلى ذاكرتي بشكل ملح ما قاله نيتشه في كتابه ؛هكذا تكلم  زردشت متوجها إلى أبناء حضارتنا الحديثة : “يا من طويتم العصور لكي تترفعوا عن جنس القرود ، لقد فقتم القرد في القردية”.

أجل هذه السعدنة متأصلة في جينات عدد كبير من أبناء البشر، وهم على أنواع ولكنهم يتشاركون في أخلاق القرد والسعدان في ما آلت إليه أحوال الزمان،  وفي جلب المهازل والدونية الحيوانية،  والتشبيه لا يشمل الحيوانات الأليفة النافعة ولا حتى الحيوانات المتوحشة في الأدغال، بل تلك الضارة بالإنسان ورزقه وديمومته على هذه الأرض.

الحيوانية التي في حدّ ذاتها لا تؤذي إلا ذاتها،كما تؤذي البشر حين يتصرفون بحسبها وإليكم اسطورة كرمة نوح كخير تعبير عما أقول:

يقال إن النبي نوح عليه السلام بعد الطوفان قام وغرس كرمة عنب، فابتهج الشيطان وقال :

هذه الغرسة ملك لي.والآن علي أن أجد لها السماد المناسب حتى تنمو كما أريدها.

اقترب الشيطان من النبي نوح وهو منشغل في أعمال بستانه وقال له:

-ماذا تفعل هنا؟

أجابه النبي نوح : ازرع الكرمة.

فقال له الشيطان : ولماذا؟

فأجابه: حتى يفرح بها قلب الإنسان.

فأجابه الشيطان : والحال كذلك ، دعنا نهتم به سوية ونجلب لها أفضل السماد من أجل تأمين نموها بالشكل المناسب!

فقام الشيطان وجلب نعجة واسدًا ونمرًا وخنزيرًا  وأخيرًا جلب السعدان ليضمه إلى بقية الحيوانات.

ذبح الشيطان هذه الحيوانات على التوالي وسقى دماءها أرض الكرمةعلي أساس أن هذه الدماء هي سماد الكرمة.  أجاد الشيطان في عمله هذا فحتى يومنا هذا ، ما  زالت تصرفات هذه الحيوانات متمثلة في الخمرة التي تعتصر من الكرمة:

عندما يشرب الإنسان قليلا من الخمر يصبح وديعا كالنعجة، وإذا زاد في الشراب يصبح أسدا لا يستهين المخاطر وبعد ذلك إذا شرب أيضا وأيضا يصبح متوحشا كالنمر ثم خنزيرا مقرفا لينتهي قردا من القرود مسخا ساخرا جلّآب سخرية وهزء بلا حدود ، وما اصعب من أن يجعل الإنسان من ذاته توأم السعدان يكشّر ويفعل من الحركات السمجة ما يندى له الجبين ويمجّه الطبع السليم.

كثرت في أيامنا السعادين والسعدنات مع كثرة ما نراه ونسمعه من أحاديث وكلمات حتى بتنا نشعر اننا داخل حديقة كبيرة للحيوانات!…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *