أَلفِداء!
مُورِيس وَدِيع النَجَّار
ولَمَّا بَلَغُوا المَكانَ الَّذِي يُدعَى جُمْجُمَة، صَلَبُوهُ هُناكَ مع المُجرِمَيْن:
واحِدًا عَن يَمِينِهِ والآخَرَ عن يَسارِه. فَقالَ يَسُوع:
إِغْفِرْ لَهُم، يا أَبَتاه، لِأَنَّهُم لا يَدرُونَ ماذا يَفعَلُون.
(إِنجِيل لُوقا، 23: 33، 34)
أَتَت بِالسِّرِّ، في شَوقٍ تَبُوحُ، مُلُوكُ الأَرضِ، والنَّجْمُ الفَصِيحُ
بِأَرضِكِ أُورْشَلِيمُ، بِجَوْفِ كَهْفٍ، بِمِزْوَدِ أَبْقُرٍ، طِفْلٌ طَرِيحُ
تُرَى قُلِبَ الزَّمانُ، وبادَ عَهْدٌ؟! تُرَى فاضَ الوُجُودُ، وعادَ نُوْحُ؟!
نَعَم… جاءَ المُخَلِّصُ في جَلالٍ، غِشاءَ الوَهْمِ عَن ظَنٍّ يُزِيحُ!
***
وِهادُكِ يا فَلسطِينٌ تَهادَت بِآلافٍ مُؤَلَّفَةٍ تَسِيحُ
تَدِبُّ بِإِثْرِ مَن كانَت خُطاهُ مَنائِرَ في مَتاهاتٍ تَلُوحُ
وكَم تَبِعَتهُ، مَأواها بَوادٍ، ومِفْرَشُها جِبالٌ أَو سُفُوحُ
تَهِيمُ بِكُلِّ شارِدَةٍ رَواها، بِها الأَمَلُ المُبَرعِمُ والوُضُوحُ
تَغُصُّ بِها الوِهادُ فَلَيسَ رَحْبٌ ــــــــــ بَدا، فَالأَرضُ والدُّنيا مُسُوحُ
تَشُدُّ بِثَوبِهِ في الجَمْعِ ثَكْلَى، ويَصرُخُ مِن تَلَوُّعِهِ كَسِيحُ
وكَم نَفِدَ الغِذاءُ، وجاعَ صَحْبٌ، فَأَطعَمَهُم ومِعجَنُهُ طَمُوحُ
لَقَد دَرَجُوا على عَهْدٍ وَوَعْدٍ، بِإِرْثٍ لَيسَ يَبلُغُهُ الطُّمُوحُ
وكَم نَظَرُوا، وفي التَّسآلِ هامُوا، وفي أَحداقِهِم تِيهٌ فَسِيحُ
تَبَصَّرَ في مَرارَتِهِم بِعُمْقٍ، وقالَ، وفي المَقُولَةِ ما يُرِيحُ
أَنا ما جِئْتُ أَنقُضُ يا رِفاقِي، ولا بِمُحَرَّمٍ فِيكُم أُطِيحُ
ولَستُ بِمَن يُقَوِّضُ ما أَتاهُ خِيارُ الأَنبِياءِ، ويَستَبِيحُ
لَقد كانَت شَرِيعَتُكُم جَمادًا، يُزَيِّنُ عاجَهُ الوَجْهُ الصَّبِيحُ
ولكِنْ في القِيامَةِ سَوفَ تُضْحِي قَوامًا أَملَدًا تُحيِيهُ رُوْحُ
ويَومًا قد أَتَوْهُ، بِكُلِّ هَرْجٍ، تَغُصُّ بِهِم على الضَّوضاءِ سُوْحُ
تَسِيرُ أَمامَهُم، والقَلبُ مُدْمًى، كَحِيلٌ زانَها الوَجهُ المَلِيحُ
زَنَت، قالُوا، فَهَل تَرضَى قِيامًا لِغانِيَةٍ زَنَت، وبِها جُنُوحُ؟!
تَرَوَّى، ثُمَّ في عَزْمٍ نَهاهُم، وقالَ، وقَولُهُ الرَّأْيُ النَّصِيحُ
إِذا كُنتُم بُراءً مِ الخَطايا، وجُلُّ فِعالِكُم حُرٌّ صَحِيحُ
تَعالَوْا فَارجُمُوها شَرَّ رَجْمٍ، لِغَسْلِ العارِ عَنها، واستَرِيحُوا
فَمالَت عَن ضَحِيَّتِها جُمُوعٌ، دَهاها الجَهْلُ، والبُغْضُ الجَمُوحُ
فَفِي رُوحِ المَحَبَّةِ مَوتُ حِقْدٍ، وبِالغُفرانِ يَنتَصِرُ الصَّفُوحُ!
***
هُنالِكَ، في مَكانٍ مِن وِهادٍ خَبَت أَنوارُها، وطَغَى الكُلُوحُ
حَيارَى تَنكُسُ الهاماتِ، تَبكِي، فَهذِي تَستَغِيثُ، وذا يَصِيحُ
وأَظلَمَتِ الدُّنَى، وانشَقَّ سِتْرٌ، وماضٍ في طَوِيَّتِهِ كُلُوحُ
وزُلزِلَتِ البَسِيطَةُ إِذ تَهاوَى، وشُقَّ بِكُلِّ مُنبَطَحٍ ضَرِيحُ
ونادَت نَجمَةٌ في الأُفْقِ أُخرَى، أَيا أُختاهُ ما الخَطْبُ القَبِيحُ
أَجابَت، والظَّلامُ يَلُفُّ أَرضًا، وَوَجهُ الجَوِّ تَملَؤُهُ القُرُوحُ
لَقَد صُلِبَ المَسِيحُ، فَوَيلُ شَعبٍ، أَمامَ ضَلالِهِ صُلِبَ المَسِيحُ!
***
فَلَسطِينٌ، لَقَد أُعطَيتِ نُورًا يَشِعُّ لَنا بِهِ الحَمَلُ الذَّبِيحُ
على خَشَبِ الصَّلِيبِ حُقُولُ عِطْرٍ، وفي قَطَراتِهِ طِيْبٌ يَفُوحُ
لَقَد جابَ المَسِيحُ ثَراكِ، هَلَّا وَفَى فِيكِ الثَّناءُ أَوِ المَدِيحُ؟!
