سهاد شمس الدين في قصيدة  “وها أنا امشي لوحدي”…  صباحات مشرقة في دفاتر الحب والعشق والقضية

Views: 717

أنطوان يزبك

أجمل الشعر وأمضاه، هو ذاك الذي يجري على قلم امرأة شجاعة ، لا تغويها سوى الشجاعة والبطولة فلا تنعطف إلى تهويمات مبتذلة وهذيانات تتعمدها الشاعرات قصد الإغواء والاسترسال في ضلالات الحواس، إلى حيث تضيع المفاهيم وتمور المقاصد كما الجبال في دوامة اللامعرفة واللامعقول…

لقد دأبت سهاد على ترويض قلمها، والتحكم في انفعالاتها، ولو انها تريد أن تبوح بالكثير غير أنها ارتضت أن تكثف ما يعتلج في صدرها في قصيدة مكينة توصل مرادها من دون كثير كلام.

أحل شجاعة سهاد شمس الدين في أفكارها  ، تجمع بين البطولة والأنوثة والحب فيطلع لنا إكسير مقطر من رحيق العواطف وروعة الحواس يشكل دواء يشي بقرب  الشفاء ويبلسم الخواطر المنكسرة !

بارعة سهاد أيضا في توقيت المشهد الأساسي وهي تقول في مطلع القصيدة:

وها أنا امشي لوحدي

ولا أحمل هويتي

ولا حقيبتي

ولا مظلة تقيني حروف المطر

ولكنك يا حبيبي خارطة الطريق

في هذا الليل الطويل

إلى اجمل وطن ..

وهي بذلك تذكرنا بـ ارثور رامبو حين قرر ذات يوم الرحيل في يفاعه من البيت الابوي فمشى على الطريق لا حمل هوية أو اوراقا ثبوتية أو حقيبة ثياب مشى في طريقه  وحسب!

كذلك غيّوم ابوللينير عندما كتب إلى حبيبته “لو” رسالة وجهها  إليها تحت القصف من جحيم الخنادق معتبرا أن وجهها هو الوطن الوحيد الذي يقاتل من أجله..

تنضم سهاد في هذه القصيدة إلى كل الشعراء الذين حاولوا ملك الاوطان ولم يعذروا في محاولة لكي يبثوا  اشواقهم إلى الحبيب، لحظة من صفاء وتجلّي ، لحظة سرمدية حيث البوح ينجبل مع عبير الاوطان المعذبة، الاوطان المنتظرة ربيعا ينبت فيه الاقحوان ، بيد أنه لا ينبت ولا يحل الربيع.وللاقحوان في هذه القصيدة معان عديدة إذ هو يمثل ازدواجية الحياة والموت ينبت في حدائق الانزياح كما ينبت فوق القبور ، ولكن قبور الشهداء هي في الواقع أعتاب مقدسة نحو العبور ، ونحو الانعتاق والتحرر والقيامة

أجل تنتظر  سهاد ربيعا من الفداء، كي  لا ينبت الاقحوان جزافا وتذهب دماء الشهداء مجانا، ولا يشطر عرف الزهر الدقيق ،  مفاصل الصخور، خارجا إلى الحرية والانعتاق لا بل يخرج إلى عدم عقيم من نسيان ، تنزاح معه الطبيعة إلى هاوية سحيقة، يأتي منها صراخ وعويل !.

في هذه القصيدة تنضم سهاد إلى نشدان الشرف،المروءة، البطولة ، الشهادة ، الوطن ، العزّة إلى جانب الحب والحبيب، تنضم إلى محمد الفيتوري في قصيدته : الحب بعد الشعب باطل، إلى محمود درويش وسميح القاسم إلى تميم البرغوثي في قصيدة القدس حين قال:

مررنا على دار الحبيب فردّنا

عن الدار قانون الاعادي..

قصيدة سهاد تحمل نضالا بهيّا واشراقا علويّا وزمنا تحرريّا طال انتظاره مذكرا بما قاله نزار قباني في قصيدة ؛ أصبح عندي اليوم بندقية:

تقدموا

تقدموا

فقصة السلام مسرحيه

والعدل مسرحيه

إلى فلسطين طريق واحد

يمرّ من فوهة بندقيه…

أجل في هذه القصيدة ، سهاد لا تجامل ولا تحابي بل تحمل زاد اليقين إلى كل نفس تتوق إلى وطن، إلى وطن فيه زغاريد النساء من الماجدات العراقيات إلى بطلات فلسطين تزّف الأبطال:

وكحال العاشقات في فلسطين

اللواتي يتزوجّن كل يوم

من شهيد ملك!

تنجح سهاد في قصائدها المقتضبة ، البعيدة عن الاسترسال المفزع في الكلام الفارغ من المعنى ، بتحديد إتّزان لرؤية واضحة ، وذهن وقّاد في خضمّ عالم عربي يحكمه الضباب وتأكله  عواصف من غبار وسط متاهات من ضياع، عالم يحتاج إلى صوت  أنثى لا تطلب من الحبيب أن يجلب لها الحلي والمصاغ ، لا بل تكفيها حبات تراب من أرض سليب واهازيج انتصارات، كما تطلب في كل حين براهين بطولة مذكرة بما قاله ذات يوم أنطون سعادة:

مارسوا البطولة ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل!..

***

 

وها أنا أمشي لوحدي

لا أحمل هُويتي

ولا حقيبتي

ولا مظلّة تقيني حروف المطر

لكنّك يا حبيبي خارطة الطريق

في هذا الليل الطويل

إلى أجمل وطن…

لا أحمل هُويتي ولا حقيبتي

لكنّي أحمل بين ذراعيّ

خميلة أقحوانٍ برّي

كانت قد نبُتَت على حائطٍ منّسيٍّ

بين رصيفٍ معبّدٍ

وآخر ترابيّ

 يزوره الحمامُ الزاجل كلّ يوم

ويدعوني لأكون كالريح

فلا أخشى الرحيل ولا أخشى السفر

فأنت يا حبيبي..

تُشبه كثيراً زخّات المطر

وتشبه أبي وأمي

وتشبه تاريخ العرب

فانت تحملُ فوق دفاترك

الكثير من جثث الأحياء

والكثير من جماجم الشهداء

ولم تأتِ إليّ إلّا بأصابعَ من تَعَب

تماماً كحال العرب

وكحال الماجدات في العراق

اللواتي يزغردّن ليلاً

 لنجمٍ في الفلَك

وكحال العاشقات في فلسطين

اللواتي يتزوجّن كلّ يومٍ

من شهيدٍ مَلَك…

فها انا امشي لوحدي

لا أحمل هُويتي

ولا حقيبتي

ولا مظلة تقيني حروف المطر

لكنّني أحمل معي وجهكَ الجائع

إلى وطن…

فلا تأتي إليّ بصيدِ الآيائل

ولا ببيوت الحرير والقصب

بل كُن لي كهذا الوطن

منسيٌّ جائع…

 لكنّه من سلالة الحسبٍ والنَسَب….

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *