رفيق نجم… “تريلا” السينما اللبنانية

Views: 669

المحامي معوض رياض الحجل

 

تعددت القابه خلال مسيرته الفنية الابداعية: ”تريلا”، ”الكابيتن”، ”نجيب” ولكن الأمر الأكيد أن الفنان الراحل رفيق يوسف نجم كسبَ محبة وأعجاب وتقدير جميع المشاهدين والمستمعين من خلال تواضعه ومحبته ونضاله الفني الراقي والهادف إلى جانب الكبير زياد الرحباني من خلال عدة أعمال مسرحية وأفلام سينمائية تنوعت فيها أدواره لكنها لم تبتعد يوماً عن إيمانه بالقضايا الانسانية ومؤازرته للفئات الشعبية المظلومة والمقهورة والمهمشة.

ولد رفيق نجم في العام 1952 في بلدة الرملية قضاء عاليه. ترعرع بحضن عائلة لبنانية كريمة وأنطلق في مسيرة الحياة شاباً مندفعاً مثقفاً ومناضلاً شرساً، ملتزمًا بقضايا الوطن والشعب.

بالنسبة إليه، كان الفن “رسالة هادفة” قبل كل شيء. لم يستسلم يوماً لنيران المدافع والقذائف بل عملَ في أصعب ظروف الفوضى المشؤومة في البلد مهاجماً العنصرية، الطائفية وشتى أنواع التمييز والتعصب الاعمى.

ألّف مسرحية ”اكس وفَرَّط” وعرضها في مختلف المناطق اللبنانية. كما قدّم برنامجاً إذاعياً ناقداً عبر أثير إذاعة ”صوت الشعب”، تناول فيه الوضع السياسي تحت عنوان “الحكي مش مثل الشوفة”.

أحب نجم العمل على خشبة المسرح منذ نشأته، وكان يتردد عليه خلال فترة عمله كمستخدم في مكتب أحد المحامين في بيروت. فكان الحظ في أنتظاره في العام 1976من خلال أشتراكه بعرض مسرحي على خشبة ”وست هول” في الجامعة الأميركية في بيروت، حيث شاء القدر أن يلتقي زياد الرحباني ويبدأ معه مشواره الفني.

 

“تريلا” يجتاح السينما اللبنانية

في العام 1981، أي في عز سنوات الحرب في لبنان، شاركَ نجم بفيلم ”المزوّر” للمخرج فولكر شلوندورف، حيث لعب دور سائق سيارة أجرة ينقل المراسل الصحافي وزميله المصور إلى شاطئ البحر ليريهما جثث الضحايا المتراكمة بين الصخور.

تشاء الصدفة أن يلعب في العام نفسه دور سائق سيارة الأجرة مجدداً بفيلم آخر هو ”بيروت اللقاء” للمخرج برهان علوية، لكنه ابتعد في مضمونه عن دوره بالفيلم السابق، ليجسد بمشاهده محطات يومية من حياة سائق ”التاكسي” اللبناني بشخصيته الشعبية المحببة التي ترهقها زحمة السير وصعوبات تأمين لقمة العيش.

ولم يبتعد رفيق نجم عن عالم السيارات في فيلم ”المغامرون” للمخرج الراحل سمير الغصيني، الذي قدمه في العام نفسه بدور ميكانيكي سيارات يورِّط نفسه بمواقف صعبة ومحرجة.

العفوية مفتاح النجاح

عند السؤال عن شخصية رفيق نجم، يجمع كل محبيه من دون تردد على أنه ”صاحب القلب الطيّب والصديق الوفي والفنان الشعبي القدير”، أي أن رفيق لم يستخدم المسرح والسينما للهروب من الواقع، بل على العكس، نقل للمشاهدين الواقع المرير في مختلف أدواره أكان على المسرح أو في السينما. لم يركض يوماً وراء الكاميرا أو المهرجانات أو غلافات المجلات الفنية، بل كان يعتبر أن سر نجاحه، أي كما يسمى في عالم الطبخ ”الخلطة السرية”، هو بقاءه عفوياً كما هو في حياته الخاصة وحياة أي مواطن يعيش ويلات الفوضى المحليّة.

أدواره التمثيلية تضمنت أطلاق السباب، الصراخ، الشتم، السخرية… لم يبحث عن الادوار المركبة والخارجة عن الواقع بل كان يقول الاشياء كما هي ولهذا أحبه الجمهور.

التألق في دور”نجيب”

رغم تأديته للعديد من الادوار المسرحية، أحدها في مسرحية ”فيلم أميركي طويل”(1980) ، إلّا أن شخصية الطباخ ”نجيب” طغت، ونبرة صوته العالي ما زالت حاضرة، وغضبه فاعل لغاية الآن. ومع ان الاستاذ عبد الأمير، الباحث عن المؤامرة (فيلم أميركي طويل)، يوغل في لاوعي لبناني، فردي وجماعي، إزاء فوضى أهلية يتَعامل معها كنتيجة لمؤامرات جمّة تحاك ضد ”البلد البريء” و”الشعب الطيّب”، إلا أن حساسية نجيب المفرطة، وحبّه العفوي، وعصبيّته وغيرته، وموقعه داخل الـ”بار” الأشهر “ساندي سناك”، تحتلّ المشهد برمّته.

 

الى الافلام التجارية در…

قبل الاعتكاف شبه النهائي، شاركَ نجم في العديد من الاعمال السينمائية، كان حضوره فيها أقلّ شعبية من شخصيتي نجيب وعبد الأمير.

 تعاون نجم مع المخرج برهان علوية في”بيروت اللقاء”(1981)، وفولكر شلوندورف في”المزوّر”(1981)، قبل أنتقاله إلى تجربة سينمائية لبنانية، تتّسم بمنطق تجاري وترفيهي بحت، خصوصاً مع المخرج سمير الغصيني، في “حسناء وعمالقة” و”نساء في خطر” و”المغامرون”، المنجزة كلّها عام 1981، و”لعبة النساء” (1982). تعاون بعدها مع المخرج الراحل مارون بغدادي في فيلم “لبنان بلد العسل والبخور” (1988).

شكّلت مشاركته في أفلام لبنانية تجارية أختبارًا قاسيًا وجلدًا للذات في ظل يوميات الفوضى الأهلية الدموية.

لعل الحاجة إلى مدخول شهري كان الدافع الأبرز لقبوله أدواراً تبقى دائماً في المرتبة الثانية أو الثالثة في لائحة الممثلين. مع هذا، ينتمي رفيق نجم إلى مدرسة فنية، تجعل ممثلي الأدوار الثانية أو الثالثة “أبطالاً” بفضل حضور أو حركة أو موقف أو قول، وهذا كلّه يرافق هؤلاء الممثلين في مساراتهم اللاحقة.

والمثل الأبرز دوره في فيلم ”لبنان بلد العسل والبخور”، حيث أدى دور المليشيوي غير المكترث وغير الخائف من الموت أو من أصوات القذائف. بالنسبة إليه الحرب لعبة قذرة فيها ربح وخسارة ولهو وطيش وغناء على شاطىء البحر مع الرفاق في منتصف الليل.

اشارة إلى أن أدواره في الافلام التجارية كانت كوميدية هدفها الاول والاخير، في ظل الفوضى الدائرة، أدخال الضحكة إلى قلوب المشاهدين وأفراحهم بطريقة عفوية مهذّبة ابتعدت عن الابتذال والتهريج.

 

من يجمعهم زياد لا يفرقهم النسيان

هل هي صدفة، قدر، لعنة أم نقمة أن يرحل أبطال مسرحيات الفنان زياد الرحباني على غفلة وبهدوء تاركين المسرح في حالة يتم وحسرة. جوزف صقر رحل في العام 1997 تاركاً ارثاً فنياً عظيماً لن يتكرر. لم تنته فصول الرحيل هنا بل اكملت طريقها مع الفنان زياد بو عبسي في العام 2018. ثم كان رفيق نجم في العام 2019 الذي بدوره تركَ هذا العالم الفاني إلى الفضاء الاوسع حيث يمكنه أن يصرخ كما يشاء ومتى يشاء وعلى من يشاء من دون الخوف من ترك العمل أو الخوف من المستقبل.

المشترك بين هذه الاسماء والوجوه هو تواضعها إلى أقصى الحدود شكلاً ومضموناً. لم نرى يوماً رفيق أو زياد أو جوزف بمظهر البطل القاهر قلوب النساء بثيابه أو لهجته، بل كانت العفوية هي السلاح الوحيد الذي أوصلهم إلى قلوب الجماهير. والأهم من كل هذا أنهم لم يبحثوا يوماً عن الشهرة أو المال كهدف من التمثيل أو الاخراج أو الكتابة. ذهبوا من هذه الدنيا الفانية والغصة في قلوبهم على وطن أحبوه حتى الثمالة ضاع بلحظة من الزمن وتركهم مثل بقية اللبنانيين في حالة هستيريا دائمة لم تنته فصولا. كل أدوارهم حملت في طياتها نوعًا من السخرية من كل شيء من حولنا: الحرب، الفقر،الفوضى، الجشع، التعصب، والطائفية…

يبقى القول أن رفيق نجم، مثله مثل الكثيرين من الفنانين الكبار الراحلين، بقي ضحية للنسيان والنكران من قبل الاعلام اللبناني الذي يهتم بعرض المسلسات التركية والاجنبية التجارية بدل الاهتمام بعرض الافلام والمسرحيات اللبنانية القديمة كما الحديثة منها لتوعية الأجيال الصاعدة على تاريخ الفن والفنانين في لبنان، خاصة أولئك الذين عملوا في أصعب ظروف الفوضى الأهلية المشؤومة وتعرضوا للخطف والخوف.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *