الحلقة الثالثة والعشرون من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول

Views: 129

*“للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)

 

يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنتا له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة  في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…

كابي

 

(٢٣)

بعيدًا عن الدار وساكنيها، شعر حنا بالغربة تتسلل الى روحه. وجد نفسه مفتقدًا الى دفء فراشه الذي لم يفارقه طيلة عمره. شعر بالإنسلاخ عن شريكة حياته وسنده الوحيد في هذه الدنيا. وجد نفسه من دون الأمل الذي زيّن حياته وأضاء له نور الطريق. فلذة كبده الذي بات واحدًا من أنفاسه التي يعيش بها ودقات قلبه النابض ليحيا، لم يكن بقربه لأول مرة منذ سبع سنوات. أوّل ليلة له  من دون بحره الذي ملأ عليه الدنيا.

لم يستطع حنا أن يخلد الى النوم. وراح يفكّر في  ليالي غربته المقبلة، في المساحة الكبيرة التي سينتقل إليها، بعيدًا عن أمكنة القرية وصخرته على شاطئ بحره الواسع. لمن سيشكو همومه وصديقه الكبير سيمسي بعيدًا عن نظره؟ وماذا عن الأفق ومغيب الشمس الذي يرسم على الغيم لوحات تشرينية موقّعة بذوق خالق السماء والأرض؟

نهض حنا من الفراش الغريب يسأل نفسه: ماذا أفعل هنا؟ وأحسَّ بنبضات قلبه تتسارع وتتسارع حتى أصيب بضيق في التنفس فخرج الى الشرفة.

راح حنا يتأمل ليل العاصمة مع نفس عميق أعاده الى الهدوء. وكان يردد في داخله: اصمد يا حنا فهذا كلّه من أجل بحر… من أجل بحر.

في الصباح الباكر استيقظ حنا بعد ساعات قليلة من النوم غير العميق. وراح يتلو صلاته الصباحية طالبًا من الله أن يشدّده ليستجمع قواه الذهنية من أجل أن يحسن العمل في الاختبار الذي ينتظره.

يتبع السبت المقبل

***

 *ملاحظة: إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *