النسيج من اليوميّات الأنثوية الى اللّوحة التشكيلية 

Views: 64

د. هاني رعد

 

تحت عنوان”نسيج من حياتي”ندخل معرض الفنانة التشكيلية وفاء نصرفي غاليري اكزود (Exode) (ثم انتقل الى المكتبة الوطنية في بعقلين) بكل تحفّظ ووجل لما اعتدنا عليه من صدمات في معظم المعارض الفنّية. تستقبلنا اعمال الفنانة باسلوبها الهادئ المحبب، وسرعان ما تحملنا على التحليق في فضاء بين الواقع والخيال، الحداثة والتراث. بسرعة نجد فنانة متمكّنة من تقنيّاتها فتخضعها بسلاسة لخدمة رؤية واضحة، غير ملتبسة، في الفن والحرية والالتزام.

نتنقّل بهدوء من لوحة الى أخرى، تتعهّدنا خيوط وأنسجة تشغل أمكنة هامة في كل لوحة فجعلت معظم الاعمال المعروضة تبدو متآخية دون تماثل، بل كأنّها ولدت جميعها في يوم واحد، أو كأنها جميعها لوحة واحدة، أو هي سيرة ذاتية للخيط الذي يلوّح لنا بين لوحة وأخرى ليقول: أنا هنا لم أعد كما رأيتمونا هناك.

 

نتابع جولتنا وكأننا نقرأ في كتاب يناقش قضايا الفن والانسان بلغة الحداثة المتشبّعة والمتشبّثة بالموروث الثقافي في الفنون التشكيليّة. فنستحضر نضارة اللّون في المنمنمات والزجاجيات والإيقونات المشرقيّة وبساطة الأشكال والتآليف الرشيقة والقلقة أحيانا. تآليف تغتني بالمفاهيم الغربية الحديثة فتستحضر ماتيس وغوغان، وتلتزم بالمفاهيم المشرقية فلا يغيب عنها رفيق شرف وأمين الباشا ومنير نجم. لا أذكر هؤلاء الأعلام لأضع وفاء نصر في مصافهم بل لأقول أنها التلميذة الوفية للخط الذي رسمه هؤلاء.

اكثر من لوحة تستوقفنا طويلا، واحدة منها”نسيج على الارجوحة”إمراة تحبك ما تنسجه في محيط يبدو كأنه بين السماء والأرض، ربما أرجوحة لا نراها، متعلقة بخيوط دقيقة لا تشبه حبال الأرجوحة توقظ فينا الشعور بالخوف من السقوط في المجهول. المرأة غارقة، باطمئنان وعفوية بالغة وابتسامة رقيقة، في التأمل بالخيط الذي بين أناملها، تنظر اليه وتبادله الابتسامة. كأنه طفل رضيع، لكنها تبدو، في استقامة ظهرها، كإنما تجلس على كرسي وليس على أرجوحة! في مناخ يوحي لنا كأننا نستفيق من حلم. (https://www.speedclean.com/)

 

تقول الفنانة وفاء نصر: “النسيج عندي عبارة تحمل صورة المرأة التي تنسج العمر بيئة متينة متماسكة. الصورة والقماش والخيط في شكله ورمزيته المقترنة بالترابط وبالعلاقة مع الاخر في العمل الأنثوي الهادف، في الحزن والفرح والحياة، في الماضي والحاضر والمستقبل.”

بساطة الاسلوب ونظافة العمل وسلاسة التعبير تجعل الفكرة تتسلل سريعة لتترسخ في وعينا. فالوجوه على بساطتها، تبدو كأننا نعرفها جيدا، نعرف الظاهر منها والباطن ونكاد نؤكّد معرفة أخلاقها وسلوكها وماذا تعمل وأين تسكن في جيرتنا حيثما كنا في هذا المشرق. بل حتى اني سمعت من بعض الحضور من يقول: هذا فلان. واخر يقول: وهذه فلانة..

انها محاولة جادّة وجريئة ومختلفة تؤسس لأسلوب خاص لفنانة تشكيلية واعدة.

    المنصورية، في 7/ 5/ 2022

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *