ربع قرن على غياب جوزف صقر… ظاهرة استثنائية غنائية ومسرحية في زمن الكبار

Views: 623

سليمان بختي

مضى ربع قرن على رحيل الفنان جوزف صقر (1942-1997).

تميز صقر بموهبة فطرية في الغناء وشفافية في التواصل مع الجمهور غناءً وتمثيلًا وحضورًا.

كان يملك ألفة الذي يجلس بقربك ويغني ويشد انتباه الجميع ثم يذهب إلى ساحة اخرى.

وهكذا كان صوته يخرج من القلب لينفذ إلى القلب.

كان جوزف صقر شغوفا بالفن. هو الذي نشأ في فرقة الرحباني وكواليسها وأجوائها وكان استمرارا أساسيا أيضا في كل أعمال زياد الرحباني ومسرحياته.

لم يتكلف جوزف صقر عبء النجم ولا نمطيته ولا ادعائه بل نزل من قرطبا إلى أنطلياس إلى رأس بيروت، الحمرا (أورلي وبيكاديللي) مثل الهابط من قريته ليقول “كلمتين حلوين ويرجع”.

لذلك لم تغشه الأضواء وبقي على عفويته وطيبته وبساطته على المسرح وفي الكواليس وفي المعاناة مع شجون الحياة.يقوم بدوره وهو يغني بدقة المحترف وشغف الهاوي.

 

لم يكن المطرب أو الممثل بل كان جوزف صقر. وهو لم يتأخر عندما سئل عن دبلومه الأكاديمي إذ قال:” إنه ناله منهم، من المدرسة الرحبانية” وبالصعود المتين من الكورس إلى الأغنية ومن الكومبارس إلى الدور.

استطاع جوزف صقر أن يكسب ثقة الأخوين رحباني بموهبته وإيجابيته واستعداده وحرصه وتفانيه. ما دفع منصور رحباني إلى القول:” جوزف هو إبننا تربى معنا وبدأنا معا درب الفن الطويل… جمعنا العيش المشترك ومهرجانات بعلبك ورحلاتنا الفنية كلها. جوزف صقر فنان يميزه التماع خاص في صوته ونبرته الحنونة. صوته لم يعرف الشيب فكأنه شلال عذب من أعلى قمم لبنان، صادق في كل ما يعمل، ساخر أجاد فرح الحياة العادية بكل ظروفها بضحكة ساخرة وبعبثية متمردة وبلهجة شعبية قريبة للقلب ومن قلب الواقع”. 

ولد جوزف صقر في قرطبة 1942 ولكنه نشأ في بيروت وتعلم في مدارسها.

عمل مدرسا للغة الفرنسية قبل أن يلتحق بالفرقة الشعبية اللبنانية لتبدأ مسيرته مع الأخوين رحباني.

ذات مرة كان يدندن وراء الكواليس عندما سمعه زياد الرحباني فأتى بالبزق ليعزف له ويشاركه الغناء وارتجالياته الطربية ولتبدأ رحلة مختلفة في مسيرته الغنائية والمسرحية عنوانها “زياد الرحباني” . ودخل معه في ثنائية تمثلت في المسرحيات والتسجيلات واستمرت لأكثر من عقدين.

شراكة فنية من كلمات زياد الطالعة من مفردات الناس وحياتهم وألحانه الشعبية المميزة والتي غدت في حنجرة جوزف صقر أكثر عذوبة وألقا وإنتشارًا.

تعددت الشخصيات والأدوار التي لعبها مع الأخوين رحباني وتنوعت فهو صالح أفندي في “يعيش يعيش “1970 ومراد السمير في “ناطورة المفاتيح ” 1972 وفارس بك في “لولو” 1974 والنسناس في “ميس الريم” 1975 ( وكان له تلك الجملة التي قالها لفيروز:” السكرية قناديل الراحة في ليل هذا العالم. أنا بنام بالساحة أنت إلك من هون لهون وأنا إلي من هون لهون”. 

وكان له ظهور في “بياع الخواتم” و”سفر برلك” مع الفرقة.

 

وكان في مسرحيات زياد رحباني التي شارك فيها تمثيلا وغناءً: نخلة  في” سهرية” 1973 وبركات في “نزل السرور” 1974 ورامز في “بالنسبة لبكرا شو” 1978 و أبو ليلى في ” فيلم أميركي  طويل” 1980 والمختار في ” شي فاشل” 1983 والصراف البيروتي في “بخصوص الكرامة والشعب العنيد” 1993 وكذلك تاجر العملة( الذي عمل بالسر ماروني لأنه يحب غناء العتابا)  في “لولا فسحة الأمل” 1994.

عرفت أغانيه الذيوع والشهرة والرسوخ في الذاكرة وخصوصا التي كتبها ولحنها أو شارك فيها زياد الرحباني ونذكر منها:” حاله تعبانة يا ليلى” و”انا اللي عليك مشتاق” و” يا زمان الطائفية” و”يا بنت المعاون” و”إسمع يا رضا” و”مربى الدلال” و”بما إنو” و”عايشة وحدا بلاك” و”تلفن عياش” .

وثمة أغان فيها شيء من الإعجاز إذ يضبط فيها جوزف صقر عذوبة الطرب مع نبرة السخرية مع الحضور المسرحي مع العفوية الصادقة.

كان جوزف صقر وفيا ولم يتكلم يوما عن نفسه دون أن يذكر دور زياد وفضله وإبداعه في اللحن والكلمة.

وهناك أغنيتان غنتهما فيروز بعد غنائه لهما لأول مرة وهما ” ع هدير البوسطة” ( ويروي زياد أن والده عاصي اشترى منه الأغنية مقابل 500 ليرة لبنانية لتغنيها فيروز. وزينها زياد بموال ولكن عاصي سرع إيقاعها). والأغنية الثانية هي “تلفن عياش” وقد أعاد زياد توزيعها. وفي إحدى المقابلات يقول جوزف صقر ان الأغنية الأحب الى قلبه لفيروز هي “أنا عندي حنين”.

أما آخر تعاون له مع زياد فكان في شريط “بما إنو” 1996 وكان الغناء مشتركا.

ورغم عمله مع زياد فهو لم يترك العمل مع الأخوين الرحباني وكان يشارك في مسرحياتهم ويذهب في رحلاتهم ليغني من ألحان زياد “أنا اللي عليك مشتاق” وغيرها. 

في آخر ليلة من العام 1996 أصيب جوزف صقر بنزيف معوي حاد ليتوفى في 1/ 1/ 1997 وكانت وفاته صدمة قاسية لعائلته وأصدقائه والفنانين وخسارة للغناء والطرب في لبنان.

 

ترك غيابه تأثيرا كبيرا على زياد الرحباني وأعماله. وقد سمعت في مقابلة سأل فيها الممثل السوري بسام كوسا زياد الرحباني “قديش آذاك غيابو لجوزف صقر؟ ” فأجاب “عطبنا العادي. حتى لهلق ما بحب فكر بهالشي”. وسبق لزياد أن صرح :” ما حدا يفكر إنو رح يحل محل جوزف صقر لا هلق ولا بعدين.

نتذكر جوزف صقر ونردد معه “ضلي ضحكيلو يا صبية وضوي بقلبو غنية”. هو الذي كان يردد في آخر أيامه ” وإن كان لا بد وغنى رح ترحلوا/ محوا الطريق”. 

كتب عنه الشاعر طلال حيدرفي رحيله هذه القصيدة: ” متل الدني إنت/ غزالة سارحة ونومها خفيف/ منديل الغطيطة/ ع ريف العين/ عالي وعم يلوح لتاني ريف/ عيونك فيهن ريحة شتي/ وبمراية الدمع شفت الطقس كيف”. 

لم تؤرشف أو توثق أعمال جوزف صقر بما يليق بفنان من وزنه، ولكن المخرج مروان القسيس أنجز شريطا وثائقيا عنه (75 دقيقة).

جوزف صقر ظاهرة فنية حفرت طريقها الأصيل في زمن الكبار.

تجربة جديرة بالدرس والتكريم والاعتبار. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *