القيامة اليوم:

Views: 425

د. جان توما

المسيح قام:

في يقظةِ عين كلّ مصاب في العالم،

وفي بسمةِ كلّ متعافٍ،

وفي دمعةِ فرحٍ لكلّ أهلٍ.

تقوم الكنيسة الحيّة في معمودية الدمع المائية هذه، ليبصر المؤمن المسيح الكوني في جلد كلّ بشرة، وفي اختلاف كلّ دين، وفي تنوّع البشر، لأنّ المسيح يقوم مع القائمين في جرح العالم المتقرّح، غير المضمّد، فهو آتٍ إلى المرضى لا إلى الأصحاء.

لقد خرج المؤمنون من تحت أسقف الباطون، أو الخشب، إلى سقف العراء، كما في موقف طاغور الذي طرده الحاكم من المعبد، فخرج إلى الطبيعة ليصلي، وتبعه الناس فسألوه إلى أين يذهب الناس؟ قال: ذهبوا إلى حيث إلههم.

خرجنا معا، في زمن الوباء، إلى ذاك الذي قال فيه الإمام علي: “كان يتوسّد الحجر ويلبس الخشن، ويأكل الجشب، وكان أدامه الجوع، وسراجه القمر، وظلاله في الشتاء مشارق الارض ومغاربها، وفاكهته وريحانه ما تنبت الارض للبهائم، ولم تكن له زوجة تفتنه، ولا ولد يحزنه ،ولا مال يلفته، ولا طمع يذلّه، دابته رجلاه، وخادمه يداه”.

المسيح قام في الرّكب المخلّعة، وأبناء الوجع والظهور المنحنية، والقلوب الواجفة والأفواه الجائعة. إلى هؤلاء جاء القائم من الموت، في كلّ لحظة، إذ “لم يجىء يسوع ليعلّم النّاس بناء الكنائس الشّاهقة، والمعابد الضخمة في جوار الأكواخ الحقيرة، والمنازل الباردة المظلمة، بل جاء ليجعل قلب الإنسان هيكلًا، ونفسه مذبحًا، وعقله كاهنًا”، كما جاء في عواصف جبران.

لم  يغيّر الوباء في إيمان المؤمنين ولن. لكن، بدون شك، ستكون له تداعيات تجعل الرؤية أوضح:.. فاستدارة رغيف الخيز للمحتاجين، صارت كإكليل شوك للمؤمنين ومحكّ لالتزامهم.

هذا هو سرّ الأخ الذي يعرفه المؤمن منذ أن صار العالم واحدًا، منذ أن تقاسم الجنود رداء السيّد وعلى ثيابه اقترعوا. لذا يأتي الألم سبيلا لقيامة نورانيّة في موسم العبور، موسم الفصح، موسم حبّ الآخر حيث بذل السيّد ذاته فداء عن كثيرين.

المسيح قام في رغيف الخبز الذي كان يوزّعه البطريرك الأرثوذكسي غريغوريوس الرابع (حدّاد) زمن الحرب الأولى حين سأل موزّع الخبز في الدار البطريركية يوم اشتكى من كثرة عدد الذين يحضرون لأخذ الخبز من مختلف الطوائف، وأنّ عددهم صار كبيرًا : هل كتب على رغيف الخبز ” للمسيحيين فقط”؟ فأجابه لا. كما قام المسيح في موقف البطريرك نفسه يوم حضر فقير يطلب حسنة .فسأله واحد من الإكليريكيين المرافقين للبطريرك عن ديانته . فثارت حفيظة البطريرك وقال: هل تمنع عنه الصدقة إذا كان من ديانة غير ديانتك ؟! .. ألا يكفيه ذُلاً أنه مدّ يده اليك لتُذِلَّه بسؤالك عن عقيدته؟!

اللهمّ ارفع عنا الذّلّ والبلاء، بدّد الداء والوباء، التفت إلى أعزّتك: قد تعبوا وشقّ صراخهم الأرض والسماء، ولم يفقدوا الرجاء. هم فقراء إليك ومساكين،  وأنتَ انتَ أرحم الراحمين.

 

***

(*) الصورة لدير سيدة البلمند  بعدسة الفنان جاك أرتو

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *