في سيميائيّة الشعر العربيّ الحديث من النسخ والمسخ إلى التناصّ والتّتطريس

Views: 124

محمّد خريّف*

 

في ما يشبه المدخل المؤقّت

النسخ نقل والنقل في اللغة شهادة تعرف بالرواية في نقل حديث فلان عن فلان أو في نقل رسالة من باث إلى متقبل وللناقل صفات السلامة في النقل وأساسها الحياد فيتم النقل أو النسخ بلا زيادة ولا نقصان كما كان يتوهم اللغويون القدامى المؤمنون بمصداقية الكلمة وصار النقل بمعنى النسخ  مهنة يعرف أصحابها بالنسّاخين زمن التدوين ،وللنسخ كما للمسخ مفاهيم فقهيّة.

وظل أمر النّسخ والمسخ  على ماهو عليه من تبعيّة أخلاقية إيمانيّة إلى إن دعت حاجة التحوّل من حكم الخلافة إلى حكم الملك إلى تعمّد التورية و تبني قناع الازدواجية في التعبير على ألسنة الحيوان زمن النثر مع نشأة الدولة مع العباسيين حيث التحوّل من مراسم النسخ إلى مراسم المسخ والمسخ بمعنى تدخل الناقل وتصرفه في ماينقل ليضمن الكلام أو يحمله محملا آخر فيشوّه خلقة شخوصه أو يضيف إليها ماليس فيها كأن يصير الإنسان حيوانامثقفا بثقافة الحكمة والسلطان في كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع على سبيل المثال فالمسخ إذن إجراء فني ذرائعيّ حديث تطوّر بتطوّر المدوّنة اللسانيّة وغدا تحدّيا للنقل ومصطلحه الحديث ” التناص” ولعل زوج  “النسخ والمسخ”يقابل أو يتماهى مع زوج”المحاكاة والمحاكاة الساخرة” في النقد الحديث مع اختلاف مفاهيم التناول وتداولاتها.

هذا ولعل التحوّل من منظومة النسخ إلى المسخ يتسع ليشمل التحوّل الماسخ لمواصفات القصيدة العربيّة وقد ظلت سجينة الخنوع لمواصفات الغرض الشّعريّ “المقنّن”بصرامة النقد و اكراهاته ، إلى أن حصلت في أزمنة مختلفة حركات تجاوز لسنن تقليدية في نقد الشعر تجعل الغرض يتحكم في الشعريّة لاالشعرية تتحكم في الغرض ومن شعرية الغرض الأوحد ذي المعاني المحدّدة إلى شعرية تداخل الإغراض المؤدّية إلى خلخلة صرامة تحديد اللفظ والمعنى، و سبيله تشظّي بنية الغرضومعانيها، بها يصير الشاعر ماسخا لا ناسخا، والمسخ عند الشاعر الحديثتدبير فني ابداعيّ غير مسخ الخرافة التي تقول بان القرد مُسخ مسخا بإرادة غيبية عقابا له ليكون عبرة لمن لايتعظ.  

لكن هل تخلص الشعر العربي الحديث بالتمام من فعل النسخ أم لا تزال توابع النسخ مترسّبة في أمشاج اللغة الشعرية باعتبارها علامة فارغة غير أساسيّة وغير وفيّة للقيام بوظيفة النسخ الذي لا يسلم بفعل حيوانه المجازيّ من توابع “المسخ والمسخ” المضادّ وزوابعه، وهل في شعر هادي دانيال ولاسيمّا في مجموعته ” مقتل الحصان البرّي في صباح بلا ديكة” ما يحفز على المباشرة اللغوية السيميائية للنص الشعري الحديث ومن ذرائعها :

في غرض الرّثاء وتحوّلاته من النسخ إلى المسخ

-من الفضاء إلى الفضائيّة

لفضائيّة ومظاهرها في النصّ الشّعريّ لهادي دانيال

في تناسخ الإغراض الشعريّة وتكاثرها

غرض الرّثاء

من المحاكاة إلى المحاكاة الساخرة

الرثاء وتحولاته في” مقتل الحصان البرّي في صباح بلاَ ديكة نموذجا”

الحصان البريّ

من نسخ النعت والمنعوت

إلى مسخ المجاز بالضمائر

المجاز وتلوّناته

مجاز الازدواجية

جدليّة النسخ والمسخ

من رثاء الحصان البري المقتول إلى رثاء الإنسانية الطبيعيّة

في التّناصّ وتَمَظْهُرَاته

من المُحكّك إلى المُطرّس

مسخ القيم

مسخ الرمز

العدد  6

المسخ السيميائي(طيور الطين)

مصطفى المدايني

 

في ما يشبه المخرج المؤقّت

 وبما أن التطريس أو التناص يقتضي نصا مركزيا في الشعر ألا هو “القصيدة” باعتبارها النمط السّيد فهل كان هادي دانيال في شعره متماهيا  مع أغراض الشعر و اكراهات مواصفاتها كما كانت في القصيدة الجاهلية أم أنه سلك مسلك  التناصّ أو التطريس بمعنى المحو بما تقتضيه سنة تعمّد النسيان في الشعر المحكّك لإعادة نظم مختلف قد تذوب فيه القوالب الجاهزة ونتوءاتها البارزة لتنصهر في بوتقة المحكّك ولا يبقى منها إلا تضاريس العتمة متصارعة مع ما قد تبين أو لا تبين عنه ملامح النصوص الشعرية الأخرى الغائبة الحاضرة متمرّدا بعضها على بعض؟ وهل لمجموعة “مقتل الحصان البرّي” أن تكون حافزا لتحوّل تيمة للحصان أو الجواد  أو عدولها عن مواصفات الجواد العربيّ في الشعر القديم باعتباره ذريعة فخر ومفاخرة ومن صفاته الاقدام الشجاعة والكرم والصبر على المكاره في ساحة الوغى يظلّ حضوره في القصيدة العربية القديمة علامة سيميائيّة مطرّسة والمهم ليس قولها بل إعادة قولها حسب موريس بلانشو ؟

هادي دانيال

 

هي أسئلة لافتة تحتاج إلى لذة عناء بذل الجهد من اجل إعادة قراءة تحولات القصيدة العربية منذ الجاهلية إلى العصور الحديثة ولاسيما تلك التي كان غرضها الرثاء وعناوينها متواترة في  ما يعرف بشعر النضال أو شعر المقاومة الفلسطينية لاسيما مع  ؟محمود درويشوغيره من شعراء المقاومة الفلسطينية ؟

***

* من مداخلة” في نقد الشّعر العربيّ الحديث والمعاصر في” نادي توفيق بكار بدار الثقافة ابن خلدون –تونس بعنوان:

المسخ والنسخ” في الشعر العربي الحديث ” مقتل الحصان البري” لهادي دانيال

تقديم محمّد خريّف تنسيق مصطفى المدايني* الخميس 2 جوان 2022

على الساعة 14:30

(canadianpharmacy365.net)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *