“الحوكمة الرشيدة في الإدارة العامة: كيف نطبِّقها في لبنان؟”

Views: 697

إعداد: د. مصطفى الحلوة

 

إذْ تُشكِّلُ الحوكمة سبيلاً إلى الحُكم الرشيد، وبما يُعزِّز من قيام دولة المواطنية، دولة القانون والمؤسسات، فقد كان لـِ” مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية”، بالتعاون مع مؤسّسة “هانس زايدل” الألمانية، أن يُنظِّم، على مدى يومَي 27 و28 أيار 2022، ورشة تفكير ونقاش، في جبيل (القاعة 1188 للمحاضرات)، عنوانُها:” الحوكمة الرشيدة في الإدارة العامة: كيف نطبِّقُها في لبنان؟”.

إلى الجلسة الافتتاحية، التي مهَّدَ لها د. مصطفى الحلوة، وتكلَّم فيها مندوب “هانس زايدل” في لبنان الأستاذ طوني غريِّب، ومنسق أعمال الورشة البروفسور نديم  منصوري، كانت ستّ جلسات عمل، اتّخذت العناوين الآتية: مفهوم الحوكمة الرشيدة/ تحدّيات تطبيق الحوكمة الرشيدة في لبنان/ الحوكمة الرشيدة في التربية والتعليم/ الحوكمة الرشيدة في الإدارة العامة/ دور المجتمع المدني في تكريس مفهوم الحوكمة الرشيدة/ المبادئ العشرة لمكافحة الفساد في الدفاع والأمن.

في إطار هذه العناوين كانت اثنتا عشرة مداخلة، قدّمها على التوالي: د.صلاح رستم، البروفسور نديم منصوري، د. جيهان فقيه، المحامية سُهى إسماعيل، الأستاذ جورج نهرا، د. يوسف البسّام، د. قاسم دنش، أ. عليا عبّاس، أ. جوليان كورسون، أ. عبد قطايا، العميد الركن حسن جوني، المقدّم الركن الطيّار محمد لوباني. وقد تولى رئاسة الجلسات كلٌّ من:أ.د. وديعة أميوني، د. خليل خير الله، أ. ربيع بعلبكي، د. حنّا الحاج، د. كلود مرجي، النقيبة أ. جينا شمّاس. ولقد طغى الحضور الطالبي، من مختلف كليات الجامعة اللبنانية، جاءوا من الجنوب، وبيروت، وعكار، وطرابلس، إلى ممثلين للمجتمع المدني المتخصِّص، وإلى مشتغلين في المجال الرقمي ومهتمين.

في نهاية أعمال الورشة، كرّمت “شبكة التحول والحوكمة الرقمية في لبنان” رئيس “المركز التربوي للبحوث والإنماء” السابق، الأستاذ جورج نهرا بدرع تكريمية، تثمينًا لعطاءاته في موقعه الإداري ولنزاهته، ولكونه وقَّع أوّل اتفاقية حوكمة رقمية، في القطاع العام. كما وُزّعت شهادات حضور على عددٍ من الطلاب الجامعيين المشاركين في الورشة.

“شبكة التحول والحوكمة الرقمية في لبنان” تكرّم رئيس “المركز التربوي للبحوث والإنماء” السابق الأستاذ جورج نهرا

 

أولاً- تحديد المفاهيم/ في الحوكمة ومُستتبعاتِها

حتى لا يكون خلطٌ بين المفاهيم، ولا انحرافٌ عن معاني بعض المصطلحات وتحميل بعضها ما لا تحتمل في ما يعودُ إلى مصطلح الحوكمة- وهي في عِداد المصطلحات الأكثر شيوعًا في عصرنا الراهن- فقد تحتّم تعريف هذا المصطلح/المفهوم، مع مستتبعاتِه، أي المصطلحات التي تدور في فلكه، والتي يتكامل معها فصولاً. وفي هذا المجال يُحذِّر بعض الباحثين من التعاريف، التي توسِّع من نطاق دراسة الحوكمة، لتشمل جميع القضايا المتعلقة بكيفية حكم مجموعات من الناس لأنفسهم، لأن ذلك سيُغطي جميع مجالات العلوم السياسية.

  • الحوكمة مصطلح لا يختلف، في مضمونه وأهدافه، عن مصطلح الحكومة الصالحة “La bonne gouvernance”، كونه الجامع لمختلف القنوات القانونية والشرعية، التي تُدار عبرها المؤسسات العامة والشؤون العامة والموارد العامة، وفق أدوات ومنهجيّات واستراتيجيات، تُعزِّز سيادة القانون وحقوق الإنسان.
  • هذا المفهوم (أي الحوكمة) بدأ يتكرّس حضورًا، منذ تسعينيات القرن الماضي، عقب ما خلّفته الصراعات والفتن والثورات والحروب من انهيارات في مختلف المجالات، فمسّت الحاجة لقيام الحكم الرشيد، الذي يُمثِّل حجر الزاوية في بناء الديمقراطيات الحديثة.
  • في دخولٍ على خط الحوكمة، كمصطلح، يذهب “مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي” (2008)، إلى توصيف الحوكمة بالسلوك الأخلاقي، وبدولة الحق، وبالفعالية والنجاعة والشفافية والإدارة المالية الجيّدة والمسؤولية.
  • وقد كان لصدوق النقد الدولي (1996) أن يرى في الحوكمة تعزيزًا للحكم الرشيد، لا سيما لجهة سيادة القانون وإعمال حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية، والحياديّة ومبدأ الشمول الأخلاقي، والتصدي للفساد والمساءلة في القطاع العام، بما يفضي إلى إزدهار الاقتصادات.
  • إن الحوكمة هي رديف مفهوم المأسسة، وصمام أمان لحماية المؤسسات مهما كانت طبيعتها، بهدف تحقيق الرفاه والإنماء، بحيث يرتبط المفهوم الأول ارتباطًا وثيقًا بالجوانب القانونية والمالية والمحاسبية والاقتصادية، وصولاً إلى منظومة القيم الاجتماعية والأعراف المستقرّة.
  • إن الحوكمة أداة تنفيذية، رقابية كما وثّقهُ “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، بحيث يُرى إليهما وجهين لعملة واحدة.
  • ثمة فارقٌ بين العدالة الرقمية والعدلية الرقمية، فالعدالة الرقمية تتمثّل في حق النفاذ إلى الانترنت وحق الوصول إلى المعلومات، وحق الخصوصية، والأمن السيبراني، وحق التعبير عبر الانترنت ، وحق التصويت الرقمي، وحق الابتكار للجميع، وتسهيل التواصل بين مختلف الفاعلين فيها (القُضاة، المحامون، المتقاضون، الكُتّاب بالعدل الخ)، في حين أن العدلية الرقمية ترتكز على عدة مقوّمات أبرزها: البنية التحتية، والإطار التشريعي لتنظيم الإدارة الرقمية، وبناء قدرات الموارد البشرية، وضمان السريّة والخصوصية، والتوقيع الإلكتروني والهويّة الرقمية.
  • وعن الحوكمة الرقمية، فهي نتاج دمج المفهومين السابقين، مع بعضهما البعض، بل هي تعني، باختصار، استخدام التكنولوجيا الرقمية لتعزيز الحكم الرشيد.
  • مفهوم الحكومة الرقمية، يتحقق بوجود خمسة عناصر أساسية، بغية حصول عملية التحوّل الرقمي، وهي :إصلاح العملية الحكومية، القيادة الرشيدة، الاستثمار الاستراتيجي، التعاون والشراكة مع المجتمع المدني المتخصّص. علمًا أن هذه العملية ليست تقنية صِرفة، بل ذات أبعاد إنسانية واجتماعية، تُختصر في العلاقة ما بين ثلاث جهات: الحكومة والمواطن والأعمال. وإذا أردنا اختزال هذا المفهوم في إطار معادلة، نخلص إلى أن: الحوكمة الرقمية= حكومة رقمية+ ديمقراطية رقمية.
  • الديمقراطية الرقمية هي استخدام الوسائط الرقمية لتسهيل الأنشطة الديمقراطية. وهي تهدف إلى تمكين  المواطنين، عبر تعزيز قدراتهم على المشاركة السياسية، واتخاذ القرارات في بعض القضايا الوطنية.
  • عن مفهوم الفساد، آفة العصر وكل العصور، فهو بحسب “منظمة الشفافية الدولية”: “إساءة استغلال السلطة الممنوحة لتحقيق مكسب خاص”. هذا التعريف ينسحب على السلوكيات في القطاعين العام والخاص. وهو يشمل، بالطبع، السياسيين الذين ينتهكون القوانين ويسطون على المال العام، ويمارسون الزبائية، وهو يشمل أيضًا جميع مُتولِّي الوظائف العامة،

ثانيًا- في بعض الوقائع والرؤى، على المستوى العام

  • الإدارة ، كما هو مرسومٌ لها، تتكفّل بحفظ حقوق المواطنين ومصالحهم، وتقديم الخدمات لهم بأقصر وقت، وأقل كلفة وأفضل جودة من جهة، وتحقيق مصلحة الدولة من جهة أخرى.
  • الحوكمة هي أسلوب حياة، تبدأ من التربية البيتية، عبورًا إلى المؤسسة التعليمية، فإلى المجتمع الأوسع. ولا بد أن تتشكّل كإقتناع راسخ، لدى صُنّاع القرار، كي تُكتب لها سيرورة مجتمعية، وكي تتأصّل على مستوى الإدارة العامة.
  • الحوكمة تُعدُّ مدخلاً لتحقيق التنمية المستدامة ورفاهية المواطن، وهي بذلك تُحقق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، حيث يندرج تحتها: السلام والعدالة ووجود المؤسسات القويّة، وبما يؤول إلى مجتمعات مسالمة، لا تهميش فيها لأحد.
  • نظام الحوكمة يمكِّن من زيادة الثقة في إدارة الاقتصاد الوطني، مما يُساهم في رفع معدّلات الاستثمار، وتحقيق معدّلات نمو مرتفعة للدخل الفردي.
  • في ظل الحوكمة، فإن كل مكوّنات الدولة والمجتمع معنيّةٌ برسم السياسات العامة، وتلعب الحكومة دور المنسِّق بين هذه الأطراف، إضافةً إلى دورها التنفيذي.
  • تُشكِّل الرقمية نافذة أمل لتطوّر الإدارة العامة واستقامتها، وذلك بإلغائها كل شبابيك الفساد والمنافذ التي يعبرُ منها.
  • للفساد تكلفة اجتماعية واقتصادية وسياسية باهظة، إذْ يُعيق عملية التنمية، ويقوِّض بناء الديمقراطية، ويُقلّص من فعالية دولة القانون والمؤسسات.
  • الفساد الأكثر شيوعًا هو الفساد المالي والإداري،  وله ارتباط وثيق بالفساد السياسي والأخلاقي.
  • الحق في الوصول إلى المعلومات، أحد ركائز الحوكمة، ذو أهمية قصوى، إذ يُفضي إلى كشف المخالفات ومكافحة الفساد. وهو يُساعد الطلاب والباحثين على إنتاج مواد بحثية علمية، ويوفِّر للصحفيين إعداد تقارير، تتضمّن معطيات موثّقة. ولعل الأهم أنه يُتيح للمواطنين مراقبة الإدارات العامة، والاطلاع على الإنفاق والعقود والهدر العام.
  • الحوكمة في مؤسسات التعليم العالي هي نظام إداري، يتكوّن من هياكل وقوانين وقواعد وإجراءات. وهذا النظام يحكم العلاقات ما بين إدارة الجامعة وبين سائر الأطراف المشاركة في إدارة الكليات، كما الطلبة.

ثالثًا- في بعض الوقائع والرؤى، على المستوى اللبناني

  • لم يشهد لبنان منذ العام 1959(عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب) أية محاولة جادّة للإصلاح الإداري، على رُغم أن البيانات الوزارية، على مدى العقود الماضية وحتى تاريخه، تُفرد حيِّزًا لوعود بالإصلاح، مع إظهار النوايا بتحديث الإدارة ومكافحة الفساد.
  • إذا أسقطنا على أوضاع الإدارة العامة في لبنان المبادئ، التي تقوم عليها الحوكمة، تتضح أمامنا الصورة البائسة، المتمثِّلة في ابتعاد لبنان عن زمن الحكم الرشيد، وعن ثقافة الحكم الرشيد.
  • غياب الدور المنوط بأجهزة الرقابة في لبنان (ديوان المحاسبة، التفتيش المركزي، مجلس الخدمة المدنية، الهيئة العليا للتأديب…الخ). فبعضها لا يقوم بعمله، وبعضها الآخر الذي يمارس عمله لا تحظى التقارير التي يرفعها إلى المسؤولين بأي اهتمام. وهذا ما استدعى، بعد وصول البلاد إلى الانهيار المالي راهنًا، الاستعانة بشركة عالمية لإجراء تدقيق جنائي في إدارات الدولة ومؤسساتها العامة.
  • كلفة الفساد في لبنان سنويًا، وبحسب تقديرات الدولة، هي في حدود خمسة مليارات دولا أميركي.
  • في معظم إدارات الدولة، ثمة منظومة داخلية فاسدة، تتعاطى مع المنظومة-الأم خارجًا، مما يُشكّل معوّقات بنيوية، تشدُّ بالإدارة اللبنانية إلى الوراء. إشارةٌ، في هذا المجال، إلى أن 90% من موظفي الإدارة العامة لدينا، لا يمتلكون أية مهارات رقمية.
  • مقاومة الممسكين بالسلطة للتوجه إلى اعتماد الحوكمة الإلكترونية، تهدف إلى استمرار حالة التسيُّب في الإدارة العامة، والإمعان في السطو على المال العام.
  • هناك أزمة ثقة تتعمَّق بين المواطن والدولة، مما جعله لا يركن إليها، ولو كانت ذات صُدقية في بعض ممارساتها. وما يُقافم انعدام الثقة، سوء تطبيق القوانين، والبطء في المحاكمات، والحصانات التي تحمي الفاسدين من الطبقة السياسية.
  • لبنان في ذيل قائمة الدول، التي يستشري فيها الفساد، وفق مؤشِّر مدركات الفساد للعام 2021، الصادر عن “منظمة الشفافية العالمية”. فقد تراجع بست نقاط منذ العام 2012، بحصوله على درجة 24/100، وحلوله بمرتبة 154/180، وهي أدنى درجة يُحققها على المؤشِّر تاريخيًا. علمًا أن لبنان منخرط في “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد” منذ العام 2009.
  • قواعد البيانات (Data) الموجودة، في مختلف الوزارات، غير موصولة ببعضها البعض، فهذه الوزارات، مع الدوائر التابعة لها، غدت محميّات ذات لون طائفي/ مذهبي.
  • لدينا منصّات الكترونية متعددة، مع وجود برامج معلوماتية، تُستخدم فقط للأرشفة، ولا يُستفاد من الداتا المتكوّنة لدى الوزارات، ولا يتم تحليلها لتوظيفها في مجالات معينة.
  • واقع أمانة سر مجلس الوزراء مُزرٍ، على الصعيد الرقمي، و”الوايب سايت” غير محمي كفايةً، بل هو مُتقادم (مهلهل)، فبياناته معرّضة للاختراق. علمًا أنه ليس من بريد إلكتروني كامل وموثق لدى الوزراء. بل إن الأمن السيبراني في لبنان ليس على المستوى المطلوب. ناهيك عن أن المحتوى الرقمي العربي ضعيف جدًا.
  • ارتفاع تكلفة الانترنت في لبنان يُشكِّل معوّقات أساسية لولوج سبيل الرقمنة، بمجالاتها المتعددة.
  • غالبية جمعيات المجتمع المدني المولجة بملفات الفساد ومكافحته (عددها 29)، دخلت في لعبة الهيئات المانحة، التي تُحدِّد لها ما يجب فعله، فكان نصيبُها الفشل. علمًا أن هذه الجمعيات ليست بفاسدة.
  • وسط الوضع المتردّي، الذي يعيشه لبنان، في مختلف المجالات، ثمة خطوتان أقدم عليهما مؤخرّا، قد تُساعدانه على التوجّه نحو الحكم الرشيد، أولاهما تعيين أعضاء “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”(24 كانون الثاني 2022)، وثاني الخطوتين إقرار “الخطة الاستراتيجية للتحول الرقمي” بعد طول مخاض، وذلك عشية الانتخابات النيابية الأخيرة. علمًا أن الحكومة اللبنانية، كانت قد أقرّت أول استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد بتاريخ لبنان في أيار 2020، وهي تمتدّ على فترة خمس سنوات، وتهدف إلى مكافحة الفساد والوقاية منه، على أمدٍ قريب ومتوسط وبعيد.
  • تكاد الإدارة العسكرية في لبنان- والجيش تحديدًا- تكون الإدارة الوحيدة، التي تلتزم مبادئ الحوكمة الجيّدة، والتي تقوم على المسؤولية والمحاسبة والعدالة والشفافية والجودة التنظيمية، بما يكفل التحوّل رقميًا.
  • استكمالاً للنقطة السابقة، فإن ” كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان” في الجيش اللبناني حقّقت خطواتٍ مُتقدمة في مسار الحكم الرشيد، من حيث الشفافية والعدالة في اختيار الضباط الملتحقين بها، وفي تكريس مبدأ سيادة القانون، إلى “حد القداسة”، وسموّ القيم العسكرية والوطنية والأخلاقية، مع اعتماد شعار: الجنديّة والفساد لا يلتقيان.
  • إن ثقة الشعب اللبناني بالجيش من أهم المؤشِّرات على بلوغ الحوكمة مدىً كبيرًا في المؤسسة العسكرية، وكذا الأمر لجهة نجاح ضباط الأركان، بل تفوّقهم في امتحانات “المعهد الأميركي لمكافحة الفساد”.
  • خلافًا لما يُشاع بأن اعتماد الحكم الرشيد في الإدارة العامة اللبنانية سيُفضي إلى إلغاء عددٍ كبير من الوظائف، ذلك أن الحوكمة ستفتح المجال أمام آلاف الكوادر في مجال العمل الرقمي.

رابعًا- في المقترحات والتوصيات

  1. إذْ غدت الحوكمة بديلاً استراتيجيًا، في مجال الإدارة العامة، نظرًا لما تختزن من قيم النزاهة والشفافية والمساءلة، ناهيك عن تشريك الجميع في إدارة الشأن العام ، فإنَّ لا خلاص للبنان من أزماتِهِ المتجدِّدة، والمتناسل بعضها من بعض، إلا باعتماد خيار الحكم الرشيد، فالمخاطر المُحدقة به  تتعدّى النظام إلى الكيان.
  2. ينبغي تفعيل جميع القوانين المحجور عليها في أدراج المسؤولين، التي تمثِّل ركائز أساسية لتطبيق الحوكمة، وذلك بإصدار المراسيم التطبيقية لعدد منها، وإعادة النظر في عددٍ آخر، كي تتلاءم مع معطيات العصر الراهن.
  3. في مُقدّمة هذه القوانين: “قانون الحق في الوصول  إلى المعلومات”(28/2017)، “قانون حماية كاشفي الفساد” (175/2020)،”قانون دعم الشفافية في قطاع البترول” (84/2018)، “قانون مكافحة تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب” (24/2015)، “قانون الإثراء غير المشروع” (معدّلاً للعام 2020)، “قانون الشراء العام” (244/2021)الخ.
  4. إنجاز المراسيم التطبيقية لقانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، لوضعه موضع التنفيذ العملي، مع إعادة النظر في هذا القانون، إذْ ثمة موادٌ تشجّع على الفساد (القانون رقم 48 تاريخ 7/9/2017). علمًا أن الشراكة تُشكّل مدخلاً أساسيًا إلى الحوكمة، فالمجتمع المدني”الرقمي” المتخصّص بات يضم 78 جمعية، غالبيتها ذات كفاءة عالية وسُمعة مهنية طيبة.
  5. مباشرة “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد” دورها، مع مبادرتها إلى وضع نظامها الداخلي، وعلى أن لا يُقتصر هذا الدور على الجانب الاستقصائي، بل يتعداه إلى دور تنفيذي، وهذا يقتضي تعديلاً لقانون “الهيئة”.
  6. التعجيل في وضع “الخطة الاستراتيجية للتحوّل الرقمي” موضع التنفيذ، بعد إدخال التعديلات التي تقدّم بها المجتمع المدني المتخصّص، مع التشديد على إنشاء وزارة خاصة بالتحول والحوكمة الرقمية.
  7. إعادة تجسير هُوّة الثقة بين المواطن اللبناني والدولة، ولن يكون ذلك إلاّ من خلال إعادة الاعتبار إلى أحكام الدستور والقانون، وقيام أجهزة الرقابة بدورها، وتحرير السلطة القضائية من تدخلات السياسيين في شؤونها، والتربية على المواطنية”… كلها خطوات تُعبِّد السبيل إلى الحكم الرشيد.
  8. نشر ثقافة الحوكمة في المجتمع، من خلال مختلف الوسائط الإعلامية، ومنظمات المجتمع المدني، وعلى أن يُستحدث “مركز وطني للحوكمة وحماية الشفافية”، يتولى إعداد برامج إعلامية توجيهية لترسيخ هذه الثقافة.
  9. نشر الوعي الفكري والاقتصادي والاجتماعي، لدى عموم المواطنين، بأهمية مكافحة الفساد، واعتبار ذلك مهمة وطنية، تعني جميع اللبنانيين.
  10. تكثيف الرقابة على الإدارة العامة، وتشكيل لجان تتولّى هذه المهمة، تُشارك فيها المنظمات ذات الصلة، ومختلف الجمعيات والأحزاب.
  11. وضع قوانين تتضمّن عقوبات صارمة بحق مرتكبي الفساد المالي والإداري،والمتلاعبين بأموال الشعب، واعتبار الفساد من الجرائم الخطيرة، مثله مثل جريمة الإرهاب.
  12. تعزيز دور المنصّات الرقمية وإدارة التوقُّعات، عبر توسُّل الذكاء الاصطناعي، الذي بات ركيزة أساسية في عصر الرقمنة، وعلى أن يتلازم ذلك مع وضع استراتيجية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
  13. ضرورة السعي إلى حكومة الكترونية، تُشكِّل حجر الأساس لمجتمع رقمي، بما يؤول إلى حوكمة في قطاع الخدمات، مع إعادة هيكلة الإدارة العامة، بما يتوافق مع متطلبات الحكومة الإلكترونية، لا سيما لجهة الكادر الوظيفي.
  14. ضرورة اعتماد التوقيع الرقمي الإلكتروني، مع تفعيل القانون 81/2018، تسهيلا للمعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي.
  15. تفعيل دور “اللجنة الوطنية للأمن السيبراني” بما يُفضي إلى تعزيز القدرات الوطنية اللبنانية في الاكتشاف المبكِّر وتقييم المخاطر وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وآليات التنسيق والاستجابة الفعّالة للجرائم الإلكترونية.
  16. إقرار قانون انتخاب نيابي عصري، يعتمد الهويّة الرقمية، مما يُكرِّس المواطنية الرقمية. علمًا أن لدى لبنان كفاءات عالية في  المجال الرقمي، تستطيع تلبية موجبات الرقمنة، في مختلف المجالات.
  17. للدخول إلى العصر الرقمي، من أبوابه الحقيقية، ينبغي تربية الطلبة على المواطنية الرقمية، منذ مراحل التعليم الأولى، وصولاً إلى الجامعة. وعلى أن يتم إدخال مادة الحوكمة في المناهج الدراسية، في مرحلتي التعليم الجامعي وما قبل الجامعي، وتغدو إحدى المواد التي يُمتحن بها في الشهادات الرسمية، بما يفضي إلى تحوّل رقمي في التعليم، يُعزِّز الابتكار.
  18. التقدّم بمشروع قانون لاستحداث وظيفة جديدة في المحاكم اللبنانية، تحت مسمّى “خبير حوكمة محلّف”.
  19. إعداد دليل موحّد للحوكمة في مؤسسات التعليم العالي في لبنان، يتضمّن لوائح وتشريعات خاصة بالمعايير والمبادئ، وإلزام الإدارات والمجالس بممارستها، وإنشاء لجان مستقلة لمتابعة تنفيذها وتعميمها.
  20. إيجاد منصة لتبادل الآراء والأفكار حول الحوكمة والإدارة الرشيدة لمؤسسات التعليم العالي، واستخدام بطاقة لقياس الحوكمة في هذه المؤسسات.
  21. مواجهة التحدّيات ، التي نتجت عن جائحة كورونا، والانتقال من التعليم الحضوري إلى التعليم من بُعد، بما يتطلّب من تدريب للأساتذة الجامعيين وللطلاب، مع تطوير البُنية التحتية والموارد اللازمة لتسهيل هذا الأمر.
  22. تطوير التشريعات الجامعية المعمول بها، لا سيما لجهة تقوية مشاركة الأساتذة الجامعيين والطلاب في الحياة الجامعية.
  23. إقرار مشروع القانون، الذي أعدّته وزارة التربية والتعليم العالي لإنشاء هيئة لضمان الجودة في التعليم العالي.
  24. ترسُّم لبنان خُطى بعض الدول، التي طبّقت الحوكمة ووصلت إلى صفر فساد (دولة استونيا على سبيل المثال)، إضافة إلى حالة جورجيا (2003)، حيث كان إصلاح لمؤسساتها، وفّر لها الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج.
  25. اتخاذ الإدارة العامة المؤسسة العسكرية (الجيش) كنموذج ناجح في تطبيق الحوكمة، بأعلى معاييرها وأكثرها فعالية.
  26. في مجال التأسّي بالتجارب الناجحة، لا بد من التنويه بالتجربة المضنية، التي خاضها الأستاذ جورج نهرا في “المركز التربوي للبحوث والإنماء”، إذْ كان المبادر في إدخال الرقمنة إلى “المركز” وكان أول من وقّع اتفاقية حوكمة رقمية، على صعيد الإدارة اللبنانية، مع التمني بالحفاظ على مكتسبات هذه التجربة وتطويرها.
  27. البرلمان اللبناني المنتخب حديثًا، بما يضمّ من الوجوه التغييرية، لديه فُرصة لإعادة النظر في العديد من القوانين والتشريعات: تعديلاً واقتراحًا، بما يُمهِّد السبيل للحوكمة، التي تُشكل مدخلاً لتعافي البلاد من الأزمة التي يرزح تحتها.
Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *