ديوان “نحت على الهواء” باكورة دورين نصر محور ندوة وتوقيع في جناح شاعر الكورة الخضراء – معرض الكتاب الثامن والأربعين في طرابلس

Views: 726

ضمن فعاليات معرض الكتاب  السنوي الثامن والأربعين في الرابطة الثقافية-طرابلس، استضاف منتدى شاعر الكورة الخضراء  في جناحه في قاعة المؤتمرات –الرابطة الثقافية حفل توقيع الديوان الأول للشاعرة د. دورين نصر في عنوان “نحت على الهواء”

تضمن الاحتفال كلمات لـ: د. عاطف الدرابسة ألقتها المهندسة الشاعرة ميراي شحاده رئيسة منتدى شاعر الكورة الخضراء ، الأستاذ الدكتور  أحمد العلمي (عميد كلية التربية في جامعة طرابلس ورئيس لقاء الأحد الثقافي)، البروفسور جورج مارون (أديب وأستاذ في الجامعة اللبنانية كلية الآداب والعلوم الإنسانية). د. دورين نصر.

تخلل الاحتفال قراءات من الديوان وتلاه توقيع الديوان.

في ما يلي  مقدمة الديوان  بقلم د. عاطف الدرابسة قرأتها الشاعرة ميراي شحاده، وكلمة د. دورين نصر،على أن ننشر كلمتي د. احمد العلمي والبروفسور جورج مارون تباعًا.

 

الشاعرة ميراي شحاده تلقي كلمة د. عاطف الدرابسة

 

المقدمة 

ما أسعدني أن أخصَّ الشاعرة الدكتورة دورين نصر بمقدَّمةٍ قاصرةٍ عن الإحاطةِ أو الشمولِ بشعريَّتها النافذةِ ، والمُستشرِفة ، والمُتطلِّعة إلى مشروعٍ شعريٍّ ، يزيلُ ما علقَ بالشعريةِ النسويةِ من غموضٍ ، وضبابيةٍ ، وتناقضاتٍ حادةٍ على مستوى النظريةِ النقديةِ ، فهذا الديوانُ على مدارِ قصائده الثمانية والثمانين يقترنُ بمفهومينِ كبيرين هما : الحداثةُ والأدب النسوي ، وتداعياتِ ذينك المفهومينِ على الشعريةِ العربية .

ولذلك يطمحُ هذا الديوانُ الموسومُ ب(نحت على الهواء) للشاعرة اللبنانية (دورين نصر) أن يحظى بغيرِ قراءةٍ ناقدةٍ سابرةٍ ؛ لأنَّه ذو ماهيَّةٍ استشرافيَّةٍ ، وتنطوي قصائدُه على تجربةٍ تستغرقُ الحلمَ ، والوعيَ العميقَ للذاتِ بذاتِها وبالآخَر ، كما أنَّه يحاولُ أن يُقيمَ علاقةً بِنيويَّةً بين الذاتِ الشاعرةِ ، ومُتطلَّباتِ الإبداع  ، وقوانينِ البِنيةِ والتَّشكيلِ الشِّعري ؛ فالشَّاعرةُ هنا تبدو ثائرةً على قوانينِ الشَّكلِ ، وكلِّ ما هو قارٌّ وثابتٌ ، وتبدو مهووسةً بالتَّجديدِ ، ربَّما لأنَّ الشَّكلَ السَّائدَ لقصيدةِ النَّثرِ غيرُ قادرٍ على استيعابِ اللَّحظةِ ؛ أي لحظةَ ولادةِ النَّصِّ .

إنَّ الكتابةَ التي تنزاحُ عن الحلمِ ، والعالمِ ، والواقعِ ترفضُ أن تكونَ كتابةً تحاكي السَّائدَ ، لذلك يجيءُ هذا الدِّيوانُ اختراقاً للحداثةِ الشِّعريةِ من نحوٍ، وخصوصيَّةِ الأدبِ النِّسوي من نحوٍ آخر ، ويتجلَّى ذلك من قولها في نصِّها : دعيهِ يكتبُ عنكِ : 

لا تكتبي لحظةَ ألم !

أخافُ أن يتعرَّى الدَّمع

ويذوبَ الملحُ

في عُبِّ الورد

فتعرُق التنهيدة

تتجلَّى الحداثةُ الشِّعريةُ على مستوى البِنيةِ في مجموعةٍ من الإنزياحاتِ التي تبدو هلاميَّةً متحرِّكةً متغيِّرةً ، فهي ترفضُ بحرف النفي (لا) أن تكتبَ بلحظةِ ألم ، وأن تكتبَ بلحظةِ غضبٍ ، وأن تكتبَ بلحظةِ ضعفٍ ، وكأنَّها هنا ترفضُ كثيراً من المقولاتِ النقديةِ حول لحظةِ الكتابةِ ، خصوصاً مقولاتِ النقدِ الماركسي ، ومقولاتِ النقدِ النفسي ؛ فالشاعرُ إذا لم يكتب في لحظةِ ألمٍ ، أو في لحظةِ غضبٍ ، أو في لحظةِ ضعفٍ ، فكيف سيتخلَّصُ من آلامه وغضبه وضعفه ؟ إنَّ دورين نصر في هذا النَّصِّ تتضادُّ مع مقولةِ أرسطو : إنَّ الأدبَ تطهيرٌ ؛ وتتضادُّ مع مقولةِ أفلاطون : إنَّ الأدب تهييج .

وتتجلَّى الحالةُ النسويةُ عندها في نصِّها : أسمعُكَ ، ونصِّها : لا أعرفُ أن أقول ، ونصِّها : قبضتُ عليه ، هذه النُّصوصُ على اختلافِ بنيتها اللغوية تجعلُ المُتلقِّي يُقرُّ بأنَّ هذه النَّصوصَ نصوصٌ تُمثِّلُ الأدبَ النسوي بامتيازٍ ؛ لأنَّها هنا تجاوزت الخطابَ النسوي في الثقافةِ العربية ؛ فالخطابُ النسوي في أغلبهِ يمتحُ من إرثِ الرِّجال ، ويتماهى معه ، غير أنَّ دورين نصر هنا تجوزُ هذه المسألة ؛ فلا تُحاكي نصوصَ الرِّجال ، ولا تُجاريها ، وإنَّما تُقدِّمُ نفسها امرأةً ، وذاتاً نسويةً ، تُحاكي ذاتها كامرأةٍ ، ببِنيةٍ شعريةٍ يتماهى فيها الشِّعري والسَّردي ، وتبدو فيها (واقعيَّةً) ، بيدَ أنَّ واقعيتها أشبهُ بالواقعيةِ السِّحريةِ في القصةِ أو الروايةِ ، ويمكنُ أن أُطلِقَ عليها الواقعية العميقة التي تنفذُ إلى أعماقِ ذاتِ المرأةِ ، وأسرارها، فتبدو حريَّتها ظاهرة ، كما يظهرُ ذلك من قصيدة : قبضتُ عليه ، وهذا النَّصُّ يثيرُ سؤالًا كبيرًا حول إشكاليةِ السرديةِ الشعريةِ .

إنَّ دورين نصر وهي تُقدِّمُ لنا بِنيةً شعريةً نسويةً خالصةً تحتجبُ خلف قناعِ (القصيدة) ، وكأنَّ لفظةَ (القصيدةِ) في تجليِّاتها البنوية صورةٌ عن المرأةِ أو صورة عن الذاتِ الشاعرةِ ، كما يبدو ذلك في قصيدتها : ابتعدي عنِّي ، وهي قصيدةٌ تُعاينُ واقعًا مأزومًا ، ووجودًا قلقًا ، وهي في هذا النَّصِّ تُعلنٍ انفصالها عن الآخر ، ويُعلنُ الآخر انفصاله عنها .

 

إنَّ تجربةَ دورين نصر تنطوي على رؤيةٍ أليفةٍ عقلانيةٍ ، يسيطرُ عليها المنطقُ الواقعي بكلِّ أبعاده ، ولعلَّ نصَّها : (عطر بونابرت) يشهدُ بذلك ، فبالرغم من عبثيَّته ، ورمزيَّته ، غير أنَّه نصٌّ قصصيٌّ يشفُّ عن إحساسها بالفقد ، وإعلانها الخروج من امبراطوريةِ بونابرت النسائيةِ ، فهي هنا تُعيدُ إنتاجَ عطر بونابرت إنتاجاً معاصراً يُحاكي ذاتَ الرجلِ ، ويُشكِّلُ لها صدمةً تجعلُ المعابرَ إلى أعماقها مغلقة .

إنَّ هذا الدِّيوانَ يكشفُ فيما يكشفُ عن تحوُّلاتٍ على مستوى البِنيةِ والمضمونِ ، ولعلَّ نصَّ : أعتق لغتي ، ونصَّ : قصيدة من دون عتبات ، ونصَّ : ما عادت تُشبهني ، الذي تقول فيه :

المرأةُ التي لاحقتني سنوات

انفصلت عنِّي

ما عادت تُشبهني

صوتُها المُتقلِّب كهواء الخريف

صار صداه بعيدًا

دليلٌ على ذلك ، وهذه النُّصوصُ تكشفُ عن قدرةِ المرأة على التحوُّل ، وأن تستمدَّ قوتها من ذاتِها كما يظهر من قولها : 

لن أحتاجكِ بعد اليوم

أيتها القصيدة

بعد أن يبستْ في الذاكرةِ

كلُّ الصورِ البعيدة

وتتجلَّى نسويةُ هذا الشِّعر في نصِّها : على ضوءِ الحلم ، ففي هذا النَّصِّ يتماهى الوطنُ مع الحبيبِ المهجورِ ، وتتجه اللغةُ نحو  إنزياحاتٍ مدهشةٍ، تحاكي الذاتَ وهي في حالةِ انفصالٍ ، ويمكننا أن نستشرِفَ لحظةَ الانفصالِ من قولها :

عل  ضوء الحلمِ

كنتُ أرتقُ ثقوبَ الليل

أرمِّم شقوق اللحظات

وأبكي بلا دموع 

ونجدها تعيشُ لحظةَ التيهِ ، وأزمةَ الذاتِ بقولها :

على ضوء الحلمِ

أراني أبحثُ عنِّي

حين كنتٍ نقطةَ ماء

في فمِ عصفور المساء

تروي عطش الصخور .

إنَّ تحوُّلات الذات الشاعرة تظهرُ أكثر ما تظهرُ في قدرتها على استثمارِ اللَّحظةِ ، واستشرافها ، واستعادتها لتكونَ جزءاً من الرؤيةِ الشعريةِ ، وكأنَّني بدورين نصر تنسجُ سيرةَ ذاتِها من خلال اللَّحظاتِ المغيِّرة ، واللَّحظاتِ المؤثرةِ ؛ فاللَّحظةُ عندها أشبهُ بحافزٍ يجعلُها تكتبُ القصيدةَ ؛ والقصيدةُ هنا ما هي إلَّا موازٍ رمزيٍّ لذاتها ، كما يتجلَّى ذلك في نصِّها : حينما تعتقلنا اللَّحظاتُ ، بقولها :

تغيَّر وجه القصيدة

تغيَّر وجه الصَّباح

تغيَّر وجهُ الليل

تغيَّرت أحلامُ الحياة

تبدَّلت ملامحُ الكون

حين عبرتُ ذاك البحر .

إنَّ دورين نصر في تجربتها الشعرية على وعي تامٍّ في قوِّةِ رموزها على الإيحاء ، والاختزال ، والتكثيف ؛ فثمَّةَ رمزانِ فعليانِ يدورُ حولهما الدِّيوان هما : (القصيدة ، والجدار) ، فلا يكادُ يخلو نصٌّ واحدٌ منهما ، فكأنَّ القصيدةَ هي ، وكأنَّ الجدارَ هو اللَّوح المحفوظ ، يختزنُ بين خلاياه سيرةَ امرأةٍ من نارٍ وضوءٍ وهواءٍ ، وهنا لا بدَّ من الإشارةِ إلى أنَّ (الضوء) و(الهواء) و(الغيم) و(الريح) هي رموزٌ تتناسلُ من رمزِ القصيدةِ ، ورمزِ الجدار .

ولعلَّ نصَّها : احجزْ لي مقعدًا في الهواء يَشِي بذلك .

إنَّ هذا الدِّيوانَ يكشفُ عن شاعرةٍ ذات وعي رصينٍ بمفهومِ الشعرِ ، وذات ثقافةٍ عاليةٍ بمخرجاتِ الشعريةِ العالميةِ ، كما أنَّها مَعنيَّةٌ بقصيدةِ النثرِ نقدًا وكتابةً ، كما أنَّها تتميَّز بمفهومٍ مختلفٍ للشعرِ ، فالشِّعر عندها رؤيةٌ للذاتِ والواقعِ معاً ، غير أنَّها رؤيةٌ مُستقبليَّةٌ ، فيها استشرافٌ حيناً ، وتصوُّفٌ حيناً آخر ، فهي تبتعدُ بالحلمِ عن واقعه ، إذ تجعله لغةً متوهجةً ، كما أنَّها تؤمنُ بالتغيُّرِ ، والانفصالِ ، وتعي تمامًا لحظاتِ الضَّعفِ ، ولحظاتِ القوةِ ، وتحريك القارِّ ، وتغييرِ السَّائد المألوفِ ، وكأنَّها تُؤسسُ لشعريةٍ جديدةٍ ، ولغةٍ جديدةٍ ، تختلفٍ فيها الحقولُ الدلاليةُ ، وتخرجُ عن إطار ما هو قاموسي ، وما هو معجمي ، لغتُها تختلفُ من حيث المنطلقِ والمرجعيةِ ، ومن حيث التناصِّ ، وتأخذكَ بعيدًا عن المنهجيَّة والقواعديةِ ، والضوابط المعروفة والمألوفة ، ويُمكنني أن أذهبَ أبعدَ من ذلك نحو ما هو مُبتَكَر ، وما هو مُغامِر ، كما أنَّ شِعرَها ينطوي على إعادةِ إنتاجِ ما هو فلسفي ، وما هو متجاوِز ، فهي تنطلقُ دائمًا من سؤالِ الذاتِ ، ومن السؤالِ عن الذاتِ لأنَّها تُعيد إنتاجَ اللاأدريةِ ، والوجوديةِ ، والرومانسيةِ ، لتتجلَّى من خلالها واقعيةُ الذات ، كما يتَّضحُ من قصيدتها : لستُ أنا ، إذ تقولُ : 

وجدتُ زحمة في طريق

الزمان

المكان

وصرختُ لستُ أنا

أبصرتُ شعاعاً في كآبةِ الروح

وجدتُ البحرَ غريقاً

استعرتُ من الوقت بعض الساعات

وصلتُ إلى البكاء 

ولم أبكِ

قررتُ الإقامةَ في الترحالِ

في غياهب اللحظات

تمددتُ في الصمت

وأشعلتُ خيوطَ القنديل 

فعرفتُ أني 

لستُ أنا

ولن أكون ..

على الرغمِ من أنَّ روحَ النصِّ تتماهى مع الأدبِ المهجري ، ومع فلسفةِ القلقِ ، والتشاؤم ، غير أنَّ هذا النَّصَّ يُجسِّدُ هروبَ الذاتِ من الواقع ؛ ولذلك جاء هذا النصُّ ليتماهى مع مفهومِ قصيدة النثرِ في ثورتها على النِّظام ، والقاعدةِ ، وسجنِ اللغة ، فبَدَت الذاتُ خارجةً من سجنِ الواقعِ بحثًا عن كينونةٍ أخرى ، فالذاتُ هنا قادرةٌ أن تعتزلَ الآخر ، وتريدُ أن تكونَ كما ينبغي أن تكون .

إنَّ دورين نصر هنا لا تُقدِّمُ ذاتها الشعريةَ مُنمذجةً ، بل إنَّ كلَّ نصٍّ جاء وفق شروطٍ بنيويةٍ وموضوعيةٍ مختلفةٍ ، لكن ثمَّة روحاً واحدةً أو بصمةً واحدةً تكشفُ عن هويةِ الكاتبِ ، وهنا لا بدَّ من الإشارةِ إلى أنَّ الشاعرةَ تُمارسُ فعلَ التجريبِ الواعي ، وتحاول التجديدَ دونَ أن تهدمَ أُسس اللغةِ الشعريةِ ، ولذلك بدَت ثائرةً على الصُّور التقليدية ، والأساليبِ اللغويةِ التقليديةِ ، فجاءت شعريَّتُها إثباتًا لوجودها كامرأةٍ ، تتَّخذُ من الحدسِ واللاوعي مرجعًا لما تكتبُ ، كما يظهرُ من قولها في قصيدة : شرفتي المنكسرة على نزف الحنين :

أيها الظل المترامي ورائي

أيها الضوء المتهادي 

فوق تلك البقعة من الحياة

إن

مررتَ 

بقربي

لا توقظني من غيبوبتي البيضاء

لدي الكثير من الأيام

لأجلس على تلك الشرفة

وأنتظر من لا يأتي

إنَّ الشاعرةَ هنا تواجه ذاتها ، وتواجه ذات المرأةِ بالمُطلق ، فتضيقُ المسافةُ بين الذات والواقع ، وبين الذات والآخر ، وبين الذات والعالم ، وتُقدِّم نفسها كنموذج حقيقي للأدب النسوي .

كما إنَّ الشاعرةَ هنا تسعى  إلى تجاوز ما هو مألوفٍ ، وخرق قوانين الكتابة ، وإعادةِ إنتاجِ الأصولِ للوصولِ إلى أدبٍ نسوي خالصٍ، بلغةٍ مختلفةٍ ، وتشكيلٍ كتابي مختلفٍ ، وبعيدٍ عمَّا هو مألوفٍ لخلخلةِ كلِّ القوانينِ القارَّةِ في ذهنِ القارئِ ، لذلك لم يَعُد مُستغربًا هذا التشكيل الشعري المتمايز عن الأشكال الشعريةِ الأخرى ، ليمنحَ النصَّ خصوصيته الشكلية والمعرفية في آنٍ ، وانفتاحه على العالمِ لا كمنتجٍ شعريٌٍ وحسب ، ولكن كمنتجٍ فكري وفلسفي ومعرفي في آنٍ . لذلك ليس بغريبٍ أن يتحرَّر عندها المعنى ، وأن تحمل الكلمة والجملة غير معنى ، وغير مفهوم ، وغير وظيفة ، وأن تخرجَ من الخطاب السائدِ إلى لغةٍ عاليةِ الرمزيةِ ، وخارجةٍ عن العقلانيةِ والمنطقِ بقولها في نصِّها : امرأةٌ دحرجت الحجر ومضت :

امرأةٌ بمذاق البنفسج

دحرجت الحجر ومضت

سقط من عينيها رذاذ

على غفلة من القدر

رمت معطفها وعبرت 

بعد أن رمقت ذاك الأفق بحذر .

وفي النهايةِ فإنَّنا إزاء شعريةٍ نسويةٍ لإمرأةٍ :

في قبضتها حروف 

سقطت سهوًا من الأبجدية 

وامرأةٍ : كالسائرة في الحلم 

متورطة في الشعر

متورطة في الحب 

صفحتها زرقاء 

تنفضُ عنها بقعَ الحبر

وتلصق عليها ورقة خريف

وقبلة تسيل كصمغ الشجر ..

وهكذا تختزلُ دورين نصر تجربتها الشعرية النسوية بقولها : 

على قارعة الحب تستلقي القصيدة

وعلى قارعة القصيدة 

أستلقي أنا

فتعتقلني لحظاتي

د. دورين نصر

 

كلمة د. دورين نصر

أحبّتي 

في زمنٍ غادرٍ ندرت فيه لحظات السعادة، واضمحلّت فيه مرادفات البرّ،ما عدنا نملك إلاّ الشّعر ليكون لنا مصدر قوّة يحمل المعنى، ومعنى المعنى ويجعلنا نفهم كيف نكون ومعنى أن نكون! ما أبعد المسافة، ما أعمق الفجوة بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون.

أحبّائي

تغصُّ الكلمات في خاطري، وتزدحمُ مشاعرُ الفرح في وجداني، وأنا أراني في حضرةِ الشّعرِ والعلم، أتعثّرُ بالكلمات، وتكاد تخزلني الحروفُ قلقًا من موقِفٍ استثنائي. فالتمسوا لحرفيَ العذرَ إن لَحَنَ، واشفعوا لصُوري وأخيلتي. فهي بعضي وبعضُ هذا الواقعِ الأليمِ حينًا والفرحِ حينًا آخر. فهذه الكلمات ما هي إلاّ قَبَسٌ من خيالي وحياتي وبعضِ تأمّلاتي في الكونِ والإنسان والحياة. ما أجملَ أن تصيرَ بعضُ اللّحظاتِ كلماتٍ، وأن تصيرَ تلك الكلماتُ قصائدَ لتكون مرايا الذات. 

فالحقّ والواجب والوفاء وأخلاقُ الشّعر، كلّ ذلك يقتضي أن أجزي َالشّكر باقاتِ محبّةٍ وامتنان لكلّ شخصٍ أسهم في إخراج هذا الديوان على نحو ما هو عليه، وأخصّ بالاسم:

  • الفنّانة المبدعة رسمًا ونحتًا “ليندا عبد الّلطيف” من تونس التي قدّمت غلاف الديوان بما فيه من إيحاءات رامزة وجماليّات تجسّد المعنى.
  • الدكتور عاطف الدرابسة من الأردن الذي أسعدني بمقدّمة نقديّة سابرة للديوان مضمونًا وبنيةً.
  • ابتسام غنيمة التي أسهمت في إخراج الديوان وتدقيقه.

ومن الوفاء أن أتقدّم من الصديقة والأخت الغالية ميراي بوافر الشكر وعظيم الامتنان والتي كانت السبب المباشر لانطلاق الديوان.

من هنا، من منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده ليكون ضمن فعاليّات معرِض الكتاب السنوي الثامن والأربعين لعام ألفين واثنين وعشرين. 

وأجدُ القصور يعتريني وأنا أتقدّم بالشكر لأستاذَيَّ: د. أحمد العلمي ودكتور جورج مارون على ما تكرّما به من قراءةٍ رائزةٍ للديوان تضيءُ ما أصابَه العتمُ وتفتحُ ما احتجبَ وغمُضَ، وتجعل ما لاح وظهر في مقدّمة الوعي عند المتلقّي.

وأمّا الأهل والعائلة والأصدقاء والزملاء، فإنّني أجدني بلا كلماتٍ ولا أفكارٍ ولا صورٍ ولا خيالٍ يسعفني لأتقدّم منهم بباقاتِ الشكر وعظيم الاحترام على ما تحمّلوه من عناءٍ ومشقّةٍ في سبيل الحضور ومشاركتي احتفالي بتوقيعي ديواني، فأراني قد عصي عليّ الكَلِم وعزّ عليّ الشّكر وغصّت في الأحداق الدمعة.

فأنا لم أجد مفرداتٍ كأنّها أزهارُ آذار، لأهدي لكلّ واحدٍ منكم زهرة، وهذه أوّل زهرة:

لم أكتب الشعر يومًا…

أنا عابرة في بحار الصّدفة

أسرق حروفي من نجمة

لأكتب فوق جناح الّليل 

أغنية…

أعانق السّماء

لينضج حلمي 

وتسقط فوق رأسي غيمة…

أسند العتمة بيدي

حتى لا يسقطَ الوجع 

من أغصان لغتي،

فيغفو الزّمن 

وتشرق التنهيدة….  

 

أموت لحظة 

لأحيا في قلب الحرف:

أتبختر، أدور، ثمّ أرقص على قدم 

واحدةٍ…

أخاف على السّطر أن يمسّه

بعض جنوني 

فتسكر التغريدة….

تتناهبني الأصوات

تلحّ عليّ… فأغيييب

وأدرك أنّ الولادة

باتت قريبة….

 

لم أكتب الشعرَ يومًا

كان الشعر يكتبني على طريقته

وحين أحبّني

اختارتني تلك القصيدة…

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *