سلبيات غياب الحريري

خليل الخوري  

نتجاوز الأسباب «الموجبة» التي كانت وراء قرار الرئيس سعد الحريري تعليق النشاط السياسي شخصياً وحزبياً، لنؤكد على أنه تحوّل إلى غياب فعلي كانت له مترتّبات قاسية جداً (حريرياً وسنّياً ووطنياً)، ليس لأنها اتصلت بحالنا اليوم فحسب، بل أيضاً لأن كل شيء يشي بأنها مستمرة في سلبياتها إلى مدى بعيد، وفق ما يمكن قراءته في أوضاع لبنان عموماً:

أولاً – لقد ثبت يقيناً وبالملموس أن رئيس تيار المستقبل هو الشخصية الوحيدة في الطائفة السنية الكريمة المعقود لها لواء الزعامة والقيادة، وبالتالي فإن هذه الطائفة (وهي إحدى الطوائف الأساسية في الكيان اللبناني)، قد تأذت كثيراً جداً، بسبب دفع الشيخ سعد إلى تعليق الحضور السياسي… والأكثر أن أحداً من الرموز والقيادات السنية الحاضرة لا يمكنه أن يسد الفراغ الذي تركه الحريري، ولا أن يقوم ولو بجزء بسيط من الدور الذي أُنيط به بعد رحيل والده الشهيد المرحوم رفيق الحريري.

ثانياً – إن الشرزمة والضياع اللذين يسودان الحال السنية قد انعكسا بصورة غير مسبوقة على الطيف السني، وهو وضع لا يمكن اعتباره حدثاً سياسياً عابراً، إذ هو نذير عجز على الصعيد الوطني العام، ما يضرب الصيغة والميثاقية.

ثالثاً – لقد تكشفت نتائج الانتخابات النيابية العامة الأخيرة عن معضلة كبرى ستتبين بوضوح في طالع الأيام من خلال الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها الرئيس ميشال عون مع أعضاء المجلس النيابي الجدد، عندما سيتعذر حصول أي طامح للحلول في كرسي الرئاسة الثالثة على نواب مؤيدين يحفظون ماء الوجه، لأن المؤشرات كلها تتقاطع عند أرقام متواضعة لهذا أو لذاك، ما يسيء بالضرورة إلى المقام قبل الأشخاص.

رابعاً – في وقت يبدو الوصول إلى تأليف الحكومة، بعد الاستشارات والتكليف، بعيداً جداً، تشير الدلائل كافة إلى أن التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية بدءاً من مطلع شهر أيلول المقبل، قد دخل في نفق مظلم، شديد الظلمة، وليس فيه أي بارقة نور…

خامساً – قد يكون الرئيس سعد الحريري اتخذ قرار «التعليق» الشهير تحت ظروف أقلها الاعتبار الداخلي، وبالرغم من السلبيات الهائلة لهذا القرار، إلا أن له إيجابية واحدة لسعد وهي أن القرار تحوّل إلى غربال سقطت منه أرهاط من الذين كانوا ينافقونه، ويكذبون، ويتاجرون باسمه (…) ليتبين أنهم كانوا الأكثر شراسةً في طعنه بالظهر.

وليؤذن لنا أن نقول (نحن الذين لا تربطنا أي علاقة أو معرفة شخصية بالرجل) إننا أثرنا سابقاً ونثير اليوم هذا الموضوع من موقع اقتناعنا بأن غياب (ولا نأنس إلى كلمة «تغييب») الرجل أضر كثيراً بلبنان لا سيما في هذه المرحلة، بالغة الدقة والخطورة.