أساطير من ضياء ومجد وسواحل من ذهب وياقوت في مجموعة “سفر تحت أفياء الصمت” للشاعرة لودي جورج الحداد

Views: 362

 

طالب زعيان العكيلي/العراق 

الشاعرة لودي جورج الحداد من لبنان، عضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين، لديها ثلاث مجاميع شعرية جميعها صادرة من دار الفارابي ـ بيروت، مجموعتها الشعرية المرسومة بـ(سفر تحت أفياء الصمت) الصادرة من دار الفارابي ـ بيروت ـ لبنان الطبعة الأولى آذار 2022 شعر، خواطر ونصوص، في مئة واثنتين وثلاثين صفحة, تحمل الشاعرة في مجموعتها مسحة من الحزن، وأحيانا يتصاعد ذلك الحزن، تشعر بغصة في صدرها على بلدها، الذي كان بالأمس شيء من الأساطير من ضياء ومجد وسواحل من ذهب وياقوت، وتتساءل مع نفسها هل بيروت ستعود..!!!

لكن هذا التساؤل فيه أمل عند الشاعرة، لو دققنا في العنوان الذي فيه سفر وصمت، لا بد أن هذا الصمت سيخرج عن صمته ويسير في المسار الصحيح، فضلا عن غلاف الكتاب بلونه الأسود، مما يدل على الظلام وتوقف الحياة، ولكن كل ما كُتِب على الغلاف هو باللون الأبيض، الذي يعني السلام والنقاء والتحدي والإصرار للخروج من هذه المحنة، فهذه رسالة ينبغي أن نفهمها.

الشاعرة تشعر بثقة عالية بنفسها، والحماس من اجل إنقاذ بلدها، وكذلك الإهداء كان عاما إلى كل امرأة بلا تحديد، تحررت من قضبان الأقدار تبحث عن هويتها وعن وجهها وملامحها.. أي بمعنى أن الشاعرة لم تكن أنانية مع نساء بلدها، بل هي دعوت للجميع نحو التحرر من القضبان. فالعنوان والغلاف والإهداء من عتبات الكتاب المهمة، لهم دلالات وإشارات، تعطينا انطباعا أوليا عن مضمون الكتاب.

بالرغم من أنها استخدمت الضمير المتكلم (أنا) وهو من أقوى المعارف في اللغة العربية، مثل (أنا لا أعي… أنا لم أدرك، أنا ابحث عن أمي) لكن لم تقصد ذاتها فقط، بل تتحدث بلسان الجميع الذين لم يختلفوا عنها في معاناتهم وأحلامهم، فهي رسالة الشاعر الحقيقي الصادق، فهو لسان حال قومه وجلدته في السراء والضراء.

الشاعرة تميل إلى الجملة الاسمية التي تدل على الاستمرارية والثبات في عناوين النصوص وهذا الشيء جميل، عكس الجملة الفعلية تدل على الحدوث والتجدد، فكان اختيارها موفقا، مثل (وطني الموجوع، الغياب الأرعن، لهب الفينيق، أرحام الليالي، في يوم مولدي، إلى صغيرتي، وغيرها)

الاستفهام التصوري واضح في مجموعتها الذي يكون جوابه بالتعيين، فاستخدمت الهمزة أداة الاستفهام مع (أم) المعادلة، وهذا استخدام صحيح، فالكثير يخطئ يستخدم أداة (هل) مع أم المعادلة وهذا الشيء لا يجوز نحويا، أما لماذا استخدمتْ الاستفهام التصوري، يدل على أن الأمور غير واضحة  في وطنها تسوده حالة من الضبابية في مستقبل مجهول، كل ما يحدث أمامها يحتمل أكثر من إجابة.

 

في نص (وطني الموجوع)

(أأرثيك يا وطني

أم أخاتل  الدمع  المتدفق من تألم الجلمد

أأؤجج  الصبر بركانا في أغوار السقم

أم أحطم الوتد القابع على  فوهة الوجع

أيا عشقي)

لم تكتفِ الشاعرة بسؤال واحد، في النص نفسه، بل تولدت لديها أسئلة عديدة باحثة عن الحقيقة، وربما لا تريد جوابا، بل تسأل من باب الاستغراب والدهشة، الذي لا يستوعبه العقل اتجاه بلدها، الذي كان قبلة للزائرين وقناديل فرح.

(لم ابتلع أتون الجشع دماء الأبطال

من شّوه آلاء السحر في سحنة الخيال

من هدج الآهات في مواويل السمر

ومن هشّل الأشرعة في أحداق الأطفال

باعوك يا وطني وألهبوا حقول  الرمضاء

أوقدوا الهم يعبث بزهوة  الصباح، وهدأت المساء،

لكن الفجر آت لا محالة)

أسلوب النداء واضح في كتابات الشاعرة، مما يعطي لنا صورة، أنها تعيش في حالة ضيق ومحنة تريد التخلص منها، فتنادي أي شيء تنادي نفسها أو آخرين تبحث عن نور يضيء في آخر المطاف.

في نص ( الصهيل السماوي)

(أيها الأديم المبرقع

أيها المحفل المزيف

أيها الليل المدلهم

لست منك ولم أكن…)

وفي نص (كتاب العناب) نرى أسلوب القسم مع النداء (بالله) يوحي لنا أنها أكثر ضعف، وهنا الضعف ليس عيبا بل دليل على أنوثتها ورقتها.

(بالله عليك أيها الدمع

أيها شريان أيها النهر

كف عن الهدير والجريان

في ثواني أيامي)

الفعل المضارع له نصيب كبيير في المجموعة، أن الشاعرة تنقل الحاضر، وتحول القارئ إلى مشارك في النص، كأنه يشاهده الآن، يدل على أنها قادرة في تصوير الواقع، ممزوجا بالخيال مع صدق المشاعر، وتحوله إلى لوحة فنية، حالمة بمستقبل أفضل.

(ويهطل اللهب الأسود مع السحاب)

(أسمع صوت أبي يتهدح)

(يزهو اللوز)

(تشدو شقائق النعمان)

(ينثال بخار الثلج مطرا)

حالة التكرار ظاهرة قديمة، يقول علماء البلاغة التكرار حالة مذمومة، تولد الملل لدى القارئ، لكن ليس دائما، أحيانا يأتي لإغراض أخرى مثل التأكيد والاهتمام والأهمية… وغيرها، (من هنا، بيروت الثكلى) فاستطاعت الشاعرة أن تأتي به بأسلوب جميل وغير ممل. في نص (ملاك في السماء)

(من هنا، ينثال  الثواب

ومن هنا، يصعق العقاب

من هنا، تمتعض الفصول)

في نص (بيروت الثكلى)

(بيروت  الثكلى، أدمتها رائحة الموت

بيروت  الثكلى، تنتحب أشلاء الكبد

بيروت  الثكلى، غدرت بها)

كما ذكرنا أن المجموعة تضم قصائد وطنية وجدانية، كأنها تريد أن تخبرنا إن كل شيء مرتبط بالوطن، فهو بيتنا نحزن حين يحزن، فمشاعرنا مرتبطة به فتصف لنا حالها في نص (حرائق الجوى) والجوى شدة العشق وما يورثه من حزن، أي بمعنى وصلت أعلى درجات العشق، فيا ترى ماذا حل بها.

في نص(حرائق الجوى)

بالأمس  سرينا معا)

وأطفأنا أمواج الخيبات

أوقفنا العقارب، لننسج أعمارا من اللحظات

كان زادنا خبزا من قمح الأحلام)

تخبرنا أن الأمس جميل أزلنا الخيبات والعقارب حين سرنا، وزادنا قمح الأحلام، تصوير رائع، لكن في نهاية النص تصدمنا الشاعرة العاشقة أن ذلك الزاد والأحلام والعشق لم يدم فوجب الرحيل

(وجب الرحيل

لا…لم تكن يوما لي

تكفيني خمور ذاكرتي

أثمل بها، وأحاجيها ّ ترويني

أسكتي الآن ّأيتها ّ الرعود

واندحري ّعني ّأيتها العهود

لقد شُحبت ملامح الليالي

انطفأت مصابيح الأماسي

واشتعلت على مفارق ّ النوى

حرائق الجوى)

يبقى الأمل عند الشاعرة، وأن غدا أفضل، وذلك جاءت بأسلوب الترجي (لعل) الذي ممكن حصوله وليس مستحيلا عكس أسلوب التمني…

في نص (فوهة الصمت)

(لعلي أتنشق عطر الأماسي

عند مفارق الخيال،

دعوني أرحل بعيدا

أبحث عن فوهة  الصمت)

حين غاب الوطن وتحول إلى شيء مجهول، تريد وطنا ودفئا، استذكرت والدها، كان بمثابة وطن، لكنها اختصرت الكلام عنه بكلمات، تبين لنا مع رحيله رحلت الذكريات، فمَنْ يدفئ ويسامر ويرمم؟

جزء من نص (عندما رحل أبي)

(حمل حكايات ذاكرة الشتاء

في أعياد شهر شباط

أطفأ سراج الوقت.. وأفل…

من  يدفئ بعد الآن، وجاق الحطب

من يسامر الوحدة بقوافل المطر

من يرمم الوجد في ثمار التين)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *