سجلوا عندكم

أحداث أيار 1968 في فرنسا… تمرُّد طلابي أم ثورة شعبية

Views: 733

المحامي معوض رياض الحجل

 

شَهدَ المُجتمع الدولي منذُ نهاية الحرب العالمية الثانية أحداثاً مُتعددة عسكرية وسياسية وأجتماعية غيّرت مجرى التاريخ المُعاصر بينها “ربيع براغ” وما رافقهُ من قمع عنيف بالدبابات الروسية، الاضطرابات العُنصرية بين البيض والسود التي شهدتها عدة ولايات أميركية في عام 1967. لكن أبرز الأحداث وأضخمها كانت تظاهرات الطلاب في أيار العام 1968، التي سَمحت ببروز حركات أجتماعية عديدة في فرنسا، كان لها الأثر البالغ في تحسين مُستوى حياة المواطن الفرنسي ومُستقبلهِ.

كان السيناتور السابق الاشتراكي هنري ويبر(1944-2020) أحد الذين ساهموا في اشعال تظاهرات أيار 1968. تم وصفهُ بالمُفكر، الأكاديمي، أستاذ الفلسفة السياسية، وأحد مؤسسي “الشباب الشيوعي” حين كان مُناضلاً في صفوف الاتحاد الوطني لطلاب فرنسا ومُناهضاً لاحتلال فرنسا للجزائر؛ كما يُعتبر أحد مؤسسي الرابطة الشيوعية الثوريةLCR ، ظل مُناضلاً، مُجدداً للفكر الاشتراكي وللمُمارسة النضالية، ظل يعترف بإنجازات وتراكمات أيار 1968، مُعتبراً إياها “دفعة ديمقراطية وليبرالية كبيرة-بالمعنى السياسي والثقافي… دفعة ضد التطرف والأخلاق الصارمة…”

ويقولُ في مقال نشرهُ في مجلس الـ اكسبرس L’express ترتبط مُظاهرات أيار 1968 بلحظات انتصار كبرى في تاريخ الديموقراطية الفرنسية، لقد هاجمت الأحتجاجات كل أشكال الدكتاتورية والتفرد بمُمارسة السلطة، ليس فقط في الجامعة، وإنما أيضاً في العائلة وبين الزوجين وفي العمل والحي، كما هاجمت كل أشكال التمييز بين الطبقات الاجتماعية والأجناس والأعراق البشرية”. ويُضيف “في فرنسا بعد أيار 1968 أصبحنا نتناقش ونتفاوض أكثر مما نفرض، لقد ظفر الافراد بإستقلاليتهم وحُريتهم.”

ومن أبرز ما تحقق بعد تلك التظاهرات وفق السيناتور الراحل هنري ويبر حصول المرأة الفرنسية على حق الأبوة لأطفالها وحق فتح حساب مصرفي من دون موافقة زوجها المُسبقة.

على الصعيد الاجتماعي، ارتفعَ الحد الادنى للأجر الشهري الذي كان يخص 16 بالمئة من الطبقة العاملة إلى 35 بالمئة، بينما ارتفع مُتوسط الأجور بنسبة 10 بالمئة، كما تم الأعتراف بالحقوق النقابية في الشركات التجارية علاوة على برمجة سلسلة مُفاوضات عُمّالية، أدت إلى تحقيق إنجازات أجتماعية كبيرة كحق التدريب المهني للكبار في 1969، والتعويض الشامل عن البطالة في العام 1975، مُروراً بفرض تقديم مُرتبات شهرية للعمال.

ويُضيف هنري ويبر” اليسار الفرنسي لم ينخرط في العمل المُسلح على عكس ما حصل في إيطاليا والمانيا واليابان والولايات المُتحدة الاميركية، فرغم المواجهات العنيفة التي أستمرت ستة أسابيع بين المُتظاهرين وقوات حفظ النظام، لم يسقط سوى خمسة قتلى بينهم أثنان قضيا في حادثين”.

ثم يتابع ” وأما من أنخرط في السياسة ممن شاركوا في مظاهرات أيار 1968 فقد أنتقلوا وفق ويبر من الثورة إلى الاصلاح، ما شكل تقدماً كبيراً بالنسبة لغالبية الشعب الفرنسي، لقد حاولوا تحقيق ما لم يتمكنوا من تحقيقهِ بالإضراب العام والمُظاهرات العنيفة، من خلال النشاط الجامعي والنقابي والانتخابات. وبمرور الوقت التحق الكثير منهم بأحزاب أتحاد اليسار كالحزب الاشتراكي وحزب الخضر، وقلة منهم التحقت بالحزب الشيوعي الفرنسي.. لقد بدا لهم بأن أنتصار اليسار في انتخابات العام 1981 بعد 23 عاماً من المُعارضة، نتيجة مُتأخرة لثورة أيار”.

وأما السبب الآخر لاعجاب اليسار الفرنسي بمظاهرات أيار1968، فهو أن الكثيرين عاشوا ذلك الحدث كلحظة نعمة، تسامى فيها المُجتمع عن فروقاتهِ وتآخى. ويُضيف ويبر في هذه النقطة “في فرنسا فقط أدت ثورة الشباب إلى تنظيم أضراب عام، دام ستة أسابيع، تم خلالها أحتلال المصانع… لقد توقفت كل الحياة الطبيعية الروتينية وما عاد هناك لا نقل ولا بريد ولا أنتاج”.

لكن ما وراء كل هذه المُطالبات الاجتماعية،السياسية والاجتماعية، يقول هنري ويبرأن المواطن الفرنسي كان يرغب في حضارة أخرى، أقل أنتاجية وأقل “ميركانتيلية”، لكن أكثر أهتماماً بكرامة وأنجازات كل فرد في المُجتمع. ويُضيف “كان الجنرال شارل ديغول يقول أن فرنسا لن تكون كبيرة إلا إذا جسدت قضية عالمية، وفي أيار 1968 شعرت بأنها كبيرة ووفية لنفسها ومُهمتها التحررية، لقد لمعت في المحافل الدولية وأثبتت جدارتها بكتابة تاريخ جديد وهي ما لا تزال تفتخر بهِ إلى اليوم”.

صورة للتظاهرة في ساحة الجمهورية في باريس في 29 ايار 1968

 

مرحلة حاسمة

لم تكن أحداث أيار 1968 في فرنسا مُجرد لحظة تاريخية عابرة أرتفع فيها صوت الشباب الفرنسي الثائر ضد القيود البالية التي تكبلهُ، بل كانت محطة مفصلية مُهمة وأنتفاضة غيرت وجه البلاد بالكامل، ولا تزال آثارها وتداعياتها مُمتدة إلى يومنا هذا، والدليل ما صرحَ بهِ الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في بداية عهدهِ الرئاسي أي العام 2007 عندما قال إن من أهدافهِ القضاء على ميراث حركة أيار 1968، لأنه وكما كل اليمين في الجمهورية الفرنسية، يعتبر أن تلك الحركة الاعتراضية شكلت تهديداً مُباشراً للسلطة الفرنسية.إذ شوهت المعايير السلوكية لدى المواطنين الفرنسيين ودفعتهم إلى الاستخفاف بقيمة العمل في الوقت الذي يراهُ فيه خصومهم النقطة التي سمحت بالتأسيس لفرنسا جديدة عنوانها العدالة الاجتماعية والحرية.

أنفجار أحداث أيار 1968 لم يكن صُدفة أو مؤامرة خارجية بلنتيجة حتمية لتراكمات سلبية فرضتها ظروف محلية ودولية مهمة على المُستويينالاقتصادي والسياسي منذ بداية ستينات القرن الماضي. فعلى المُستوى السياسي كانت حالة من الغضب الشعبي العارم تسود مُختلف أنحاء فرنسا بسبب تقييد الحريات الفردية من قبل نظامالحكمبرئاسة الجنرال شارل ديغول وتضييق الخناق على طبقة المُفكرين وأهل الأدب والسياسة والفن بذريعة المُحافظة على الأمن وحماية الجمهورية الفرنسية ومبادئها. وكان الشرخُ كبيراًجداً حتى وصلَ إلى النظرة إلى الجيش الفرنسي ووضع المُستعمرات الفرنسية في الخارج خاصة في الجزائر وما شهدتهُ من مجازر فظيعة قبل نيلها الاستقلال التامعام 1962.

لم تتمكن الدولة الفرنسية ولا أجهزتها الأمنية من إسكات أصوات المُفكرين أو الصحافيين رغم الضغوط الهائلة وعمليات القمع الغير مُبرر التي واجهت الكثير من المؤلفات والعُروض المسرحية، وحرصَ المُفكرون على إصدار عشرات البيانات والنداءات أشهرها بيان الـ 121 المُناهض للمُشاركة في الحروب العبثية والذي يُحرضُ على عصيان الدولة وعدم الالتحاق بالجندية، وقد صاغ هذا البيان موريس بلانشو ووقعهُ مُفكرين كثر بينهم الفيلسوف الفرنسي الراحلجان پول سارتر(1905-1980).

لم تقتصر أرتدادات هذه الانتفاضة الشعبية المجيدة على داخلحدود الجمهورية الفرنسية، بل أمتد صداها لأنحاء كثيرة من دول العالم، كما أشتعلالوضع العسكري في فيتنام، وكانت المطالب الداخلية المُلحة آنذاك من أهم الأسباب التي أشعلت الثورة الثقافية الصينية التي قادها الزعيم الصيني ماوتسي تونغ ضد فلول البرجوازية، داعيا الشباب للثورة عليهم وأجتثاثهم، وكان ماو ذائع الصيت في فرنسا، وإلهم الشباب حول العالم للتحرك ضد الاتحاد السوفياتي والادارة الاميركية على السواء، كذلك لم يكن قد مر وقت طويل على أغتيال المُخابرات المركزية الاميركية للثائر الأمميأرنستو غيفارا في 9 تشرين الاول 1967 في بوليفيا.
بعد مرور أكثر من أربعة وخمسين عاماً على هذا الحدث التاريخي لا يزال هناك أنقسام حاد في تحليل أبعاده، حيث يَنظرُ اليه البعض كمُجرد “تمرد طلابي مُراهق وأحتجاج عمالي يُطالب بزيادة الأجور” بينما يراهُ البعض الآخر “مُحاولة ثورية لتغيير وجه العالم”بمشاركة عدد من أبرز مُثقفي وفناني فرنسا مثل الفيلسوف جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار، وجيل دولوز، وجان لوك جودار…

على المُستوى الاقتصادي، شَكلَالعام 1968 نقطة تحولية في مسار الاقتصاد الفرنسي الذي أنتقل من مرحلة النمو إلى مرحلة رُكود القت بظلالها على العمال ومُستوى المعيشة ونسبة البطالة.

ولكن المُفاجأة الغير مُتوقعة كانت أن الانتفاضة لم تنطلق في صفوف العمال، بل من قبل طلاب الجامعات، وبدأت على أساس المُطالبة بالحريات، خصوصاً رفع شعاري “منع الممنوع” و”لا تعط حريتي.. سأتولى الأمر بنفسي”! ثم رفعت لاحقاً الشعارات الاقتصادية.

الرئيس الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديغول

 

كيف بدأت الانتفاضة؟

في عام 1966 أصدرَ عدد من طلاب جامعة ستراسبورغ من أعضاء الاتحاد الوطني للطلاب الفرنسيين بياناً بعنوان “حول البؤس الطلابي ومقترح متواضع لعلاجه “تضمن نقداً جذرياً للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في أوروبا بشكل عاموفرنسا بشكل خاص، مُتأثرين بأفكار الفيلسوف الألماني المُقيم في أميركا “هربرت ماركوز” لا سيما كتابهُ “الإنسان ذو البعد الواحد” الذي ينتقدُ فيه التكنولوجيا الحديثة وكيف عملت على تكريس النزعة الاستهلاكية لدى إنسان العصر الحديث وتفاقم قلقهِ وخلق أحتياجات وهمية لديه طيلة الوقت.

استمرت الامور تتفاعل على نار هادئة لغاية شهر آذار من العام 1968 حيث أنطلقت مسيرات طلابية، قوبلت بعنف غير مُبرر من الشرطة الفرنسية فأشتعل الوضع وزادت الاحتجاجات صلابة لتعم مُعظم الجامعات والمدارس الفرنسية. ثم أنضم العمال إلى حركة التمرد وقام ما يزيد عن 11 مليون عامل بالإضراب المُعتبر الأقوى والأخطر في تاريخ الجمهوريةالفرنسية، وبدا من المؤكد أن العاصمة الفرنسية باريس ستشهدحرب أهلية ورَحلَ الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول إلى ألمانيا سراً.

يُعتبر يوم 22 آذار 1968بالتحديد أهم يوم مُمهد للأحداث التي شهدها شهر أيار1968، لأنه يرمز لأول حركة فوضوية، قام بها طلبة جامعة نانتير. فبعد توقيف الشرطة لعدد كبير من الطلاب خلال حركة أحتجاجية ضد الحرب الدائرة في فيتنام، قرر زملاؤهم الاعتصام في قاعة مجلس الجامعة بهدف الضغط على الشرطة للإفراج عنهم.

كانت هذا الأحداث الطلابية تُشبهُ كرة النار المُتفجرة، حيث أندلعت تظاهرات في أماكن عدة، فخلال أحتلال الطلابلمباني الجامعة تضاعفت الأحداث بشكل سريع، مما دفع عميد الجامعة الى أصدار قرار بإفقال أبوابالجامعة وتوقيف الدروس في 2 أيار 1968، ولكن على عكس التوقعات وبدل أن يُخمد هذا القرار الحركة الاحتجاجية ويطفئها بمهدها، فقد أشعلها أكثر، حتى تحوّلت إلى مواجهات عنيفة.

ومن بين أبرز الاحداث، التظاهرات التي شهدتها جامعة السوربون في الثالث من أيار 1968، بعد أن أمر عميد الجامعة حينها جون روش بإخلاء قاعات الجامعة بسبب أجتماع أحتجاجي، كان يعقدهُ الطلاب. أدت المواجهات بين الطلاب وقوات حفظ النظام إلى أعتقالأكثر من 600 طالب مما دفع زملاءهم إلى نقل التظاهرة إلى شارع ميشلان، وقد بدأت أزمة أيار1968 فعلاً في ذلك اليوم في الشارع اللاتيني في باريس، حيث أستخدمت الشرطة العصيوالقنابل المُسيلة للدموع لقمع تحركات الطلاب، لتتحول ثورة الطلاب في الجامعة إلى أضراب عام ثم أزمة أجتماعية عامة.

لغاية 29 أيار 1968، ظلت شوارع فرنسا تشهدأحتجاجات شعبية ضاغطة، وفجأة في ذلك اليوم أختفى الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول عن الانظار. تقول الباحثة في علم الاجتماع جوزيت ترات التي كانت طالبة في قسم العلوم الانسانية ومُناضلة في اليسار المُتطرف ” في تلك الاسابيع، بدا جلياً ضعف النظام، وفجأة أصبح هشاً، وبإمكانهِ أن يتغير”.

دَفعَ غياب الرئيس الفرنسي المُفاجىء الجميع إلى الاقتناع والتفكير جدياً بأن تغيير نظام الحكم في فرنسا أصبحَ سهلاً وقريباً جداً، ولكن حلم تغيير النظام لم يطول كثيراً بوصول معلومات تُشير الى أن الجنرال شارل ديغول موجود حالياً في ألمانيا يبحث مع الجنرال ماسو في القاعدة العسكرية في بادن عدة قضايا ذات طابع سري للغاية. ولدى عودتهِ إلى فرنسا، أنهى أبو الجمهورية الخامسة هذه التظاهرات بالتوقيع على أتفاقية “غرونال“، ثم قرر الرئيس الفرنسي حل البرلمان والدعوة إلى تنظيم أنتخابات برلمانية جديدة.

أبرز المطالب

من بين أبرز المطالب التي رفعها المُتظاهرون وقامت لأجلها الاحتجاجات: إيقاف العنف والقمع المُمارس من أجهزة الدولة، وفسحَ المجال لاقامة جامعة نقدية وشعبية، والغاء البيروقراطية، والنأي عن عمليات التضليل السياسي والنقابي، علاوة على تحرير الابداع وتحديث أشكال التعليم.

المرأة الفرنسية قبل وبعد أيار 1968

بصفة عامة، وقبل انظلاق تظاهرات أيار 1968، كانت المرأة الفرنسية تتمتع بمكانة محدودة جداً داخل المُجتمع الفرنسي، رغم أن العديد من القوانين الاصلاحية أقرت لمصلحتها ، فإن حريتها المُجتمعية كانت مَحدودة جداً بينما كانت الفوارق والتمييز بينها وبين الرجل كبيرة.

ففي عام 1938، تم إقرار قانون يسمح للمرأة الفرنسية بالحصول على هوية وجواز سفر علاوة على فتح حساب مصرفي بإذن من زوجها، بينما لم تستفد من حق التصويت الا مُتأخراً. وأخيراً أصبح بمقدور المرأة الفرنسية العمل من دون إذن زوجها في عام 1965، وفي المقابل كان الحق في الاجهاض ممنوعاً بالنسبة للمرأة ولا يملك القرار فيه الا زوجها.

وفي ما يخص العمل، كانت المرأة تتولى وظائف أقل أهمية من الرجل، بينما كان الالتحاق بالمدارس الكبرى محصوراً بالرجل، وأما مُرتباتها الشهرية فكانت أقل من الرجل بنسبة الثلث. أما على الصعيد الاجتماعي فلم تكن المرأة الفرنسية تُعتبر مواطنة بل كان يُنظر اليها كزوجة وأم وربة منزل.

شكّلت تظاهرات أيار 1968 فرصة نادرة للمرأة الفرنسية للحصول الكثير من التغييرات الايجابية لمصلحتها، خاصة لناحية مساواتها مع الرجل من حيث الراتب وتمكينها من حق ممارسة الاجهاض. خلال تلك الفترة نشرت المجلات الفرنسية صور العديد من الفرنسيات وهن يحملن العلم الفرنسي إلى جانب أصدقائهن. هكذا ولدت الحركة النسائية في فرنسا ورغبتها في تطوير نموذجها الاجتماعي.

تجندت النساء في أيار 1968 ورفعن شعارات الحرية والمُساواة والبعض منهن أجتمعن ونظمن نقاشات عميقة عن حقيقة ظروف النساء، لكن خطابهن المنادي بالتغيير بقي في الظل ورغم ذلك شكلت تظاهرات أيار 1968 مُنعطفاً حاسماً في تاريخ النساء الفرنسيات ومعركتهن النضالية، حيث مَنحَ لهن التغيير الاجتماعي والثقافي والجرأة للتعبير عن وضعهن السيىء والنزول على الارض لإبراز عدم رضاهن والدعوة إلى التغيير الجذري.

من تظاهرات أيار 1968 في فرنسا

 

ظاهرة عالمية

يعتبرُ من ناحيتهِ الفيلسوف الفرنسي اليساري آلن باديو (مواليد العام 1937) أن ما حدث في ذلك العام أي 1968 كان بالفعل أنتفاضة، تمرداً لشبيبة الطلاب والتلاميذ، مُعتبراً أن هذا هو الجانب الأكثر “أستعراضية” وشيوعاً، على نحو تركَ صوراً قوية مثل: المُظاهرات الحاشدة، المتاريس، المعارك مع الشرطة، صور القمع والعنف والحماس. مؤكداً أن مثل هذه الانتفاضة في حينها شكلت ظاهرة عالمية فريدة تردد صداها في كثير من البلدان: من الانتفاضات الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم، إلى المكسيك حيث المذابح في ميدان عام، إلى ألمانيا حيث الهبات الطلابية القوية، ومن صين الثورة الثقافية، إلى الولايات المتحدة الاميركية، حيث زادت الحركات ضد حرب فيتنام الطاحنة، من إيطاليا التي بها الكثير من الكيانات المُستقلة ذاتياً إلى الجيش الأحمر الياباني، الى الانتفاضات الإصلاحية في تشيكوسلوفاكيا. كان الشباب الثائر في كل مكان يهّب ضد العالم كما أعيد تركيبهُ في نهاية الحرب العالمية الثانية ليُصبح “أيار 1968” التجربة الفرنسية المُمهدة لظاهرة عالمية.
لا يتردد باديو في التأكيد على أن الشعار النهائي لانتفاضة أيار1968هو ” الانتخابات… فخ الحمقى”، مُشيراً إلى أن هذا ليس مُجرد تحمس آيديولوجي، فثمة أسباب مُحددة تُبرر هذا العداء للديمقراطية النيابية، إذ في أعقاب شهر هائل من الاستنفار الطلابي ثم العمالي والشعبي غير المَسبوق نجحت الحكومة الفرنسية في تنظيم أنتخابات نيابية وكانت النتيجة هي ولادة أكثر برلمان شهدتهُفرنسا رجعية، ومن ثم أصبح واضحاً للجميع أن الجهاز الانتخابي لا يصلح لتمثيل الشعب وتحقيق آماله، بل إنهُ جهاز قمع للحركات الشعبية!

هنا السؤال: هل يحتاج عالمنا اليوم إلى أيار جديد ، إلى ثورة جديدة على الذات ، ثورة على المفاهيم البائدة، إلى نظرة جديدة لحقوق الفرد ودوره في المجتمع. عالمنا الحاضر أصبح رهينة للشائعات والاخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة التي تغذي عقول الجماهير وتهدمها من دون رحمة وتبعدها عن المطالبة بحقوقها المعيشية والحياتية. على شعوب الأرض العودة الى التلاقي المُباشر والتآخي الصحي وليس المصطنع من خلف الشاشات. قد يكون أيار 1968 أنتهى في الشوارع باقرار أصلاحات ولكن نبضهُ وشعاراته باقية في كل العقول الثائرة لتحقيق مصلحة مجتمعها وأبنائها. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *