الزمن الجميل(1960-1975): حقيقة أم وهم

Views: 497

 المحامي معوض رياض الحجل

 

يُردد الكثيرون في مجالسهم عبارة أصبحت بنظري مُستهلكة وبالية وهي ” الزمن الجميل” ويذكرون أسماء شخصيات وأحداث من ذاك الزمان دفعتني للبحث عن ذاك الزمان وجماله بين صفحات الجرائد والكتب والمجلات القديمة.

للوهلة الاولى كنتُ مقتنعًا تماماً أنني سأجد معلومات وافية وكافية عن ما تحدث عنهُ الكثيرون اذ عندها ينتهي البحث والتشويق عند هذه النقطة. ولكن يبدو أن المعلومات والاحداث الموثقة على صفحات الجرائد في تلك المرحلة مُختلفة تماماً عن ما يقال بل تُناقضهُ تماماً: 

أول حدث تاريخي من ذاك الزمان ” الجميل ” هو الانقلاب الذي حاول الحزب القومي السوري الاجتماعي القيام بهِ ضد حكم الرئيس الراحل فؤاد شهاب ليلة رأس السنة من العام 1961. هذا الانقلاب كان الشرارة التي فتحت شهية المكتب الثاني لاحكام السيطرة على مفاصل الحكم لفترة طويلة.

 

قيام الرئيس الراحل فؤاد شهاب وبطلب من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتهريب عبد الحميد السراج(مسؤول رفيع في الجمهورية العربية المتحدة) من السجون السورية من خلال الاستعانة باللواء الراحل سامي الخطيب.

أنهيار بنك انترا السريع في تشرين الاول من العام 1966 وانعكاساته على الاقتصاد اللبناني والمصارف اللبنانية. اذ ان الانهيار لم يكن سوى مؤامرة ضد البنك وصاحبه يوسف بيدس للاستيلاء على مقدراته وتقاسمها.

حرب الستة أيام في حزيران 1967 وتغييرها للمعادلة السياسية الاقليمية مما سمح بالانفلاش الفلسطيني المسلح في لبنان في مواجهة العدو الاسرائيلي.

 

اغتيال الصحافي الشهير كامل مروة في مكتبهِ في العام 1966.

المواجهات الدامية في 23 نيسان 1969 بين الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية.

تفجير مطار بيروت ليلة رأس السنة من العام 1968 وتدمير 13 طائرة مدنية في حرم المطار.

وتطول وتطول اللائحة من ذاك الزمان…

 

أجمل ما في ذاك الزمان وأنبلهُ وأرفعهُ شاناً هو مُداهمة الرئيس الراحل صائب سلام بتاريخ 14 تشرين الثاني 1970 مكاتب التجسس العائدة للمكتب الثاني والتي كانت من خلالها تتم مراقبة اتصالات قسم كبير من الشخصيات السياسية والاجتماعية والفكرية أي أن لبنان الجميل كان بأجمعهِ أي من شمالهِ حتى جنوبهِ تحت المراقبة والتجسس مثل الدول البوليسية.

ما هذا الزمن الجميل الذي يُرسل فيه أركان تكتل الوسط أي الرئيس الراحل سليمان فرنجيه وكامل الاسعد وصائب سلام (مع حفظ الالقاب) كتاباً الى رئيس الجمهورية شارل حلو بتاريخ 7 تشرين الاول 1969 يطالبون فيه بإقصاء جميع الضباط في الشعبة الثانية وقد نقل هذا الكتاب مستوى الاحتقان عند الشعب للبناني ” وإذ نرى الشعب يتحرق على مصيره ، والبلاد تحترق امام عينيه، نجد بعض المسؤولين يتلهون بقشور الكلام ، ويتهربون من تحمل المسؤولية تنصلا لما لحق ، ويلحق بهم من وزرها، وتنفيذا لمخطط يهدف الى القضاء على الحيلة الديموقراطية في لبنان”. فعن أي جمال وعن أي زمن ذهبي نتحدث وأركان الحكم في تلك المرحلة كان يصرخون وينادون بتحرير الشعب اللبناني المقهور والمحقون. 

 

 هل تابع البعض ممن يُفاخر بالزمن الجميل ما كشفه النائب الراحل فؤاد لحود في كانون الاول من العام 1972 عن صفقة اسلحة تم شراؤها لصالح لبنان وتبين أنها غير صالحة للاستعمال اذ ظهر ان الدبابات صنع العام 1946 ومدافعها قديمة ومتآكلة.

أما الاعلام اللبناني فبدورهِ لا يتردد ليلا ونهاراً بالتسويق للزمن الجميل من خلال الحديث عن شوشو وصباح ونصري شمس الدين وانتخاب جورجينا رزق ملكة جمال الكون في العام 1971 …ومشاهد لبعض السياح الاجانب في فنادق بيروت وينسى عرض الافلام والوثائق التي تظهر حزام البؤس والفقر حول العاصمة بيروت في تلك المرحلة.

لو كنا فعلاً نعيش في الزمن الجميل لما كانت أندلعت احداث العام 1973 ولما كان استطاع العدو الاسرئيلي الوصول الى قلب بيروت في العام 1973 واغتيال 3 من قادة المقاومة الفلسطينية. 

 

أي زمن جميل مع توقيع لبنان على وثيقة استسلام تدعى ” اتفاق القاهرة ” شرع فيها مقاومة العدو الاسرائيلي من داخل الاراضي اللبنانية. 

كلا أنه لم يكن زمنًا جميلاً بل زمن “المكتب الثاني” الذي حكم البلد بالسر وبالعلن لمدة 12 سنة بيد من حديد أحرقت البلد أحياناً ودافعت عنه أحياناً اخرى. 

ان الزمن الجميل ، موضع الفخر والاعتراز، يكونُ بالصناعة الحديثة والزراعة والتجارة ووضع شبكة بنى تحتية جديدة متطورة بالاضافة الى شبكة اتصالات جديدة كما طالب النائب الراحل الدكتور البير مخبير في مجلس النواب في العام 1962.

صحيح أنهُ كان هناك نوع من الامان والبحبوحة والاكتفاء الذاتي ولكن المرحلة ككل كانت مُصطنعة، مُزيفة ، مبنية على أوهام، على احلام…عند أول أختبار في العام 1975 سقط الهيكل على رأس الجميع ولم يبقَ شيء من الزمن الجميل الذي يُفاخر به البعض. 

أي زمن في التاريخ هو زمن جميل بالنسبة للبعض وسيئ بالنسبة للبعض الاخر. حتى زمننا الحالي والانهيار الاقتصادي المتواصل يُعتبر زمنًا جميلاً بالنسبة للبعض: زمن المكاسب والربح السريع والتوسع التجاري وبالنسبة للبعض الاخر العكس تماماً: زمن الجوع والفقر والحرمان والموت. على أمل أن نعيش فعلاً جميعاً الزمن الجميل يوماً ولا يبقى مُجرد وهم أو سراب ينتهي بين ليلة وضحاها. 

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *