الحلقة الخامسة والأربعون من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول
*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)
يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. (https://www.biolighttechnologies.com) يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنتا له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…
كابي
(٤٥)
أمام مدخل المبنى حيث يسكن الاستاذ رفيق، وقفت سيارة جيب عسكرية عليها علم حزبي، كانت تقلّ عدّة مقاتلين.
وقف حنا أمام المبنى سائلاً رجال الشرطة: أين ولدي؟ فترجل شاب من سيارة الجيب وتوجّه باتجاه مكانوقوف حنا.
نظر حنا الى ذلك الشاب فلم يعرفه. شاب ملتحٍ في بزّة قتال يعتمر خوذة عسكرية يحمل بندقية طويلةوعلى وسطه جعب صغيرة لمخازن البندقية وقنبلتان يدويتان.
تسمّر حنا في مكانه من دون أن ينطق بحرف واحد. تقدّم الشاب من حنا وسأله: ألم تعرفني يا أبي؟ بقيحنا ملتزمًا الصمت وقد أخذته الدهشة. ثمّ تكلّم بصعوبة وقال: من أنت؟
-أنا بحر يا أبي.
-كلا. أنا ما فنيت عمري لأراك تلبس ثياب القتال. أنا ولدي يدرس الهندسة، أنت لست ولدي.
-يا أبي دعك من هذا الكلام الآن. ما كُتب قد كتب. ليس لدي متسع من الوقت لأنه يقتضي أن أعودورفاقي الى الجبهة.
لم يستطع حنا أن يستمر في الوقوف فهوى وسارع رجال الشرطة الى الامساك به ومنعه من السقوط. وفي هذه اللحظات حضر الاستاذ رفيق وأمر بحرًا بالصعود الى منزله على الفور ففعل ذلك بعد أن طلبمن رفاقه الانتظار.
استفاق حنا من شبه غيبوبته وراح يصرخ عاليًا:”شو عْمِلِت أنا تا تِعمُل فِيّي هَيك؟”
حاول الاستاذ رفيق ومن معه تهدئة الوضع وتوجه الى بحر قائلاً: لم تسمع الكلام وأنت طالب جامعي،فهل ستستمع إليّ وأنت في بزّة القتال؟ ما ذنب هذا الرجل المسكين حتى تفعل به هذا؟ عُد الى رشدك يابحر واذهب مع أبيك الى القرية.
-أنا في كامل رشدي يا أستاذ رفيق. لن أتخلّى عن مبادئي ولن أترك البندقية.
-إسمع يا ولد وارحم أباك وأمّك. أنت وحيد أبويك دَع غيرك يقوم بما تقوم به أنت.
-أنا أفعل ذلك من أجل أبي وأمي ومن أجلكم جميعًا.
عاد حنا الى الصراخ والاستاذ رفيق يحاول تهدئته والتفت الى بحر ثانية وقال له: أقول لك للمرة الأخيرةارحم أباك وأمّك.
تعالت صيحات رفاق بحر من أسفل البناء يستعجلونه بالنزول من المبنى.
قبّل بحر رأس أبيه وغادر منزل رفيق.
(انتهى الجزء الاول)
***
*إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء.