سجلوا عندكم

عيد الرّب “التجلّي” في الزمن الجميل

Views: 215

يوسف طراد

ينتصب في الأمد القريب، إنّه جبل رشدبين المقابل لودياننا وتلالنا، تقابله قرية “متريت” من الجهّة الجنوبية. تنزلق الشمس، في وادٍ بشكل سبعة بينهما، كأنها طفلٌ احمرّت وجنتاه وهو يتزحلق في أخدودٍ حفره رفاقه ضمن الثلج المهيب.

يظهر في الأمد الأبعد رأس الشقعة، فتخاله حارسًا للبحر، لا تمّل العين من مشاهدة حشريته من الأعالي التي تتدخّل في حديث الأمواج مع الصّخور، كحديث حمامتين تهدلان حبًّا ورومانسية.

مال النهار، واصطبغ الأفق البعيد بالأرجوان الجميل، وعند انتهاء احتضار الشمس من دون حضور كاهن الغفران، جميع القندول والبلّان والحطب، تجمَّع في مواقعٍ ظاهرةٍ، بكمياتٍ شبه متساوية على تلالٍ متقابلةٍ وسفوحٍ متناسقةٍ، ابتداءً من قرنة الأطلب في “برحليون”، إلى حرف “الدلماظ” في “عبدين وبلّا”، منتظرين المساء لفداء الرّب بالنار، فههنا الرحمة والذبيحة!!

 

لملم النهار تعب الشمس عن السفوح، واستراح في البعيد القريب، وأتت “الدغشة” من دون استئذان، لكنّ الجميع كان بانتظارها، فقد احتلّت الأجواء، وسيطرت على جيوش الصمت في الأعالي والوديان.

استعار صِبيَة جمرًا من بعضهم البعض، وبدأت النار تتصاعد من الحطب واليباس المجموع. بعد هنيّهة ظهرت نار أخرى على قمة جبل رشدبين، وكأنها علامات من الأزمنة الغابرة أيام أباطرة الرومان.

أطل ساحر الليل، يستسرق النظر إلى أولاد كأشباح قلقة في حلقة شجون قرب “هبّولات” النار، وهم يصيحون: “الّليلة ليلة عيد الرّب ونحنا زلمك يا الله”

كلّما علا القمر هربت خيالات واضمحلت ظلال، كجيشٍ منهزم يعيد تمركزه. وتجلَّى قصر الناووس، قرب عين عكرين بأعمدته تحت نور البدر، كأنها أصابع الآلهة تدلّ على السراب رمز عبّادها.

 

اختلطت أصوات الأجراس، طاردة الأرواح كلّ منها حسب نطاقه، وأصبحت الجبال مزنّرة بزنارٍ من نارٍ، لكن لم يستطع أحد أن يأخذها حيث يشاء، كما أخذوا القديس بطرس عندما شدّت حقويّه.

عند حلول الهزيع الأول من الّليل، ازدادت التهاليل، وعلا الصراخ، وأصغت الأطلال إلى صوت الصارخين، نافضة عنها غبار السنين حيث تجمّع على الأثير، مرددة وصارخةً مع المهلّلين: (الليلة ليلة عيد الرّب ونحنا زلمك يا الله).

انتصف الّليل وخمدت محرقة بريئة بدون ضحيّة، وهبطت أشباح أولاد عن تلال وتوارت في منازل هاربة مع ظلالها من ضوء القمر.

ويبقى لكلّ ذكرى طقوسها المتوارثة منذ القدم.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *