في رثاء الدكتور بولس العاصي طوق

د. يوسف عيد

 

ممثلاً عميد كلية الآداب في الجامعة اللبنانية ألقيت هذه الكلمة في رثاء الدكتور بولس العاصي طوق ، في كنيسة السيدة في بشرّي.

 

مرفوعًا على  ضُمَّةٍ من أحبّائك ،متوّجًا بيواقيت مؤلّفاتك ، مُجلّلاً بنسيج بياض الورق ، رحلتَ  مَلِكًا من ملوك مِلح الأرض. رحلَ الوقّادُ ، فاتحُ مناجمَ الذّهب في الأدب ، الرّائقُ حتى النَّدَى ، الرَّميُّ حتى اللُّمَع ، الهادئُ حتى الصمت، الشَّفيفُ حتى نقطة الماء ، الأنيقُ حتى خَيط الشمس، الرَّصينُ حتى الحكمة، القاسي حتى العاصفة ،أستاذُ الحقّ والجمال، باضِعُ البرق في عبارة الخَلق ، ابنُ الليونة ، والنَّفْس الأبيّة ،وابتسامة الرّضا ، رَمَيتَ الى الموت كالكبار جسدًا لا بقيّةَ فيه لغير جدث ، بعد أن أخرجْتَ منه الشموسَ والأجنحةَ والأعاصيرَ ، وقدَّمتها إلينا  من دون خوف . .

عَميقُ العِشقِ للنُّور والخلاص . كمَثَلِ الرُّسُل العابرين ، وفِعلَ الحَمَلِ المُتَشكّلِ المُتَمَدهِر في الزَّمن .

إنّ في أعماقنا يا صديقي، سمواتٍ  يَعبُر إليها موتانا، وقد عبرتَ أيّها العاصي طوق الى هذه لتكتملَ من خلال أنّها كانت أقلَّ جمالاً في غياب بهائكَ، وأقلَّ سلامًا في غياب بسمتكَ، وأقلَّ أبديةً في غياب زمنكَ. جسدُك يا صديقي، ليس للدَّفن بل للزَّرع في تراب الجبل المقدس، ليحرُسَ زرعَ القديسين والشهداء والفقراء والطيّبين  في وادي الأناشيد. هذا الزَّرعُ لا يقلُّ عظَمةً عن زرعِ شجرِ الأرز، فإن كانت هذه لخلود الوطن ، فزرعُكَ لخلود الحِبر. وكليّةُ الآداب إذ تودّعكَ وأنت أحدُ كبارها ، تلُفّكَ بعَلَم الدَّواة ، وتزفُّك على عَرَبة الحريّة ، قبل أن توارى في الثرى ، بخورًا ينضمّ الى مجامر القديسين حيث  يَطيبُ نومُ الأبرار والخالدين . وكما نحن نودّعكَ هناك من يستقبلك أفضلَ منّا، وجبرانُ النبيّ يرتّبُ لك مقاماً في مجلس الخلود ، والملائكةُ الصاعدةُ من وادي القداسة، ترنّمُ لك أناشيدَ الرّحمة والعبور الى النور. نَمْ هنيئاً قريراً ، فذكرى عيد انتقال العذراء مريم، أضحى ذكرى عبورك الأبدي.

لا تبكوا يا حزانى، ويا منكسريّ القلوب ، فأنتم أبناء الرّجاء والقيامة وعقيدتُكم المحبّةُ العظمى.

باسمي واسم عميد كلية الآداب في الجامعة اللبنانية ،نقدم أخلص التعازي لبشرّي ، ولعائلة العاصي طوق، ولأهل العابر ورفاقه وطلابه ومحبّيه وللجامعة اللبنانية .

ولكم البقاء وطول العمر.

١٥ آب ٢٠٢٢