“سعيد عقل شاعر المعرفة والجمال” لـ لواء شكّور، كتاب نقد انطباعي في تحليل النص الشعري

Views: 534

وفيق غريزي

ان بيان الفرق بين النظريات النقدية والنقد التطبيقي لا يقف عند النظريات، بل يثير دوما مشكلات في نص معيّن، او في نصوص معيّنة. ويقف عندها محللا ومفسرا ما انتهى اليه ذوق الناقد النقدي، ولكن سيبقى هناك دوما شيء في النص لا يمكن تفسيره بالكلمات.

 النقد الانطباعي

لكن الناقد لواء شكّور خالف هذه النظرية، واعتمد في النقد الذي تضمنه كتابه  “سعيد عقل – شاعر المعرفة والجمال”  الاسلوب النقدي الانطباعي، الذي يرتكز على تاّثيرات النص الشعري على مشاعر واحاسيس الناقد نفسه، فبعد ان يحدّثنا شكّور عن حياة سعيد عقل ومؤلفاته يباشر التحليل الانطباعي لنصوصه الشعرية.

 ويشير شكّور الى ان سعيد عقل يصوّر الشهوة بأدب ولياقة وبالفاظ توحي بما يوحي به تمثال عار، فالتعرّي وارد عنده في الشعر كما في النحت والتصوير. ويرى الناقد ان قصة المجدلية كانت فكان الصفاء في الشعر، واصبح الجمال الكثيف مادته الاولى. وبتأثير من مقدمة كتاب المجدلية، اخذ وجه الشعر يتغير في الشرق ليصبح احد الفنون الجميلة، وهنا لا بد من الاشارة الى لهجة سعيد عقل في مقدمة المجدلية التي سمّاها “بحثا فلسفيا في الشعر” تعود الى نقاط عدة، ومن وجهة نظر الناقد شكّور ان حالة اللاوعي اكثر غنى من حالة الوعي. ويذكّر ببعض الحالات السيكولوجية الحديثة، ومنها ان الخلق الفني يختمر في هذا الخزّان الباطني الدائم العمل، وان الاستنباط والابداع يظهران عندما تتصل قوانا الواعية بهذا الخزّان المسمّى اللاوعي. ثم يلجأ الناقد الى التمييز بين مادتي الشعر والنثر.

 

تقنية سعيد عقل الشعرية

أمّا بالنسبة إلى تقنية عقل الشعرية في مجموعته “المجدلية” فيشير الناقد شكّور الى التناغم في التركيب الشعري، مضيفا اليه ما يسمّيه الكونية في شعر سعيد عقل وعذوبة الموسيقى المنوّعة. لقد تحدث بعض النقّاد عن المجدلية وعن مجموعة الشاعر عقل “صليب الحب”، وهي من بواكير شعره، ولكن لم يقع احد من النقاد على اثر للكتاب المذكور، ولهذا، اعتمد شكّور على ما بين يديه من مواد، ناحيا فيها منحى يختلف عن المناهج المعتادة في النقد العربي منذ عصوره الاولى حتى يومنا هذا، متخذا المقاييس الشعرية التي تولّدت على اثر المفهوم الادبي الرمزي.

اما المسرحية عند سعيد عقل، فلا هي كلاسيكية بالمعنى المفهوم، ولا هي رمزية، ففي الشعر المسرحي عند راسين وكورناي يرتكز جمال الشعر على الوضوح. اذ لا تعترض السامع صعوبة في فهم المعنى المقصود. ومن هذا المنطلق يشير الناقد شكّور الى ان شعر سعيد عقل يرتكز على مسرح راسين اذ يستند الى بداية هي نتيجة ازمة نفسية للاشخاص مسيّرا خفيا لوحدة العمل وتطوره، ولسعيد عقل في “ماّساة قدموس” مقاطع غنائية بلغت من الروعة والتأمل الفكري وسلامة الاخراج والوضوح واحكام التساوق في مخارج الحروف والالفاظ وتزاوجها مع ضياء المعاني، ما يضع ابياته في مراتب الشعر الرفيع.

والحقيقة ان سعيد عقل يستمد مسرحيته من التاريخ، من تاريخ بلاده، فطبيعي ان يتصف موضوعه بالروعة، وهو يدور حول حادثة تاريخية فريدة غلفتها الاسطورة الاغريقية بوشاح من الخيال، وطار بها الشعر.

ويشدد الناقد شكّور على ان الملحمة تطورت مع سعيد عقل فلم تتشعّب عنده القصص او تتأزم المحن فتتدخل الالهة وانصاف الالهة لمصلحة صاحب الحق في الذود عن امّته. فالملحمة هنا تاريخية – اسطورية ولدى سعيد عقل من عناصر الملحمة السرد القصصي الفني، اذ ينتقل من السرد الاخباري الى العناية بتسلسل الحوادث التي تشكل وحدة جماعية يرتبط بها مصير وطن.

 

سعيد عقل والرمزية

اختلف المفهوم العام لما يسمّى رمزية، فتضاربت اراء النقّاد كل بحسب المظاهر التي تجلّت خلالها، واختلطت عليهم الحقيقة حتى ذهبوا في أمر تحديدها كل مذاهب شتى، واعتبر معظمهم ان كل ادب غامضه ادب رمزي وان الغموض هو كل اركانه ومجمل شروطه الاساسية، وزعم بعض النقاد ان هذا النوع من التعبير داء تفشى في الانتاج الشعري الحديث فعطل الوضوح الذي اعتدناه خلال مطالعاتنا لاداب العالم عموما والادب العربي خصوصا. والاتجاه الرمزي في بلادنا لم يبلغ مبلغه الا خلال عهد الانتداب الفرنسي بعد عام ١٩١٩، ذلك ان الاداب الفرنسية تعممت وغدت من اسس الثقافة، وتوغل ادباؤنا في استقصائها فاهرقوا منها في نفوسهم ما ليس باليسر، ولم ينحصر هذا التأثير في لبنان، فكان لمصر منه نصيب ايضا. وفي ما يتعلق برمزية سعيد عقل، راّى الناقد لواء شكّور ان بعض الباحثين، ومنهم صلاح لبكي يرى ان الرمزية في لبنان اندلعت شرارتها مع نشر قصيدة للشاعر اديب مظهر عنوانها “نشيد السكون”. ولكن صلاحا يستدرك ليقرر ان الرمزية الحقة لم تترسخ اسسها في الشرق قبل ثورة سعيد عقل الادبية، اي قبل عام ١٩٣٦.

ويقول شكّور: “يطيب لحفنة من النقاد ان يرجعوا نظريات سعيد عقل في الشعر الى الشاعر الفرنسي بول فاليري والشاعر ستيفان مالارميه “. وكان حريا بهم ان يدركوا ان سعيد عقل وان قرأ الادب العالمي بعامة والادب الفرنسي بخاصة، له من ميزاته الشخصية ما جعله ينحو هذا المنحى في الشعر، ويطلع ما اطلعه من روائع مشاركا عباقرة العالم نعمة الموهبة، والتشديد في الاصول الفنية، وخصوصا في “شعرية” الشعر…..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *