سجلوا عندكم

عبد الحسين شعبان في كتاب “دين العقل وفقه الواقع” مغامرة التساؤل ورفعة الروح والقيمة الإنسانية

Views: 273

د. إلهام كلّاب 

رئيسة جامعة اللّاعنف وحقوق الإنسان في لبنان

بقدر ما اجتذبني سريعا” العنوان الثاقب لهذا الكتاب “دين العقل  و فقه الواقع” في تقاطع عباراته و تصادمها و تفاعلها و التوق إلى آفاق تلاقيها .

بقدر ما استغرقتني طويلا” قراءة محتواه الغزير، المتنوع، المتشعب، المفاجئ و الفريد. 

ما يثير إعجاب القارئ و تقديره أولا”،هو استهلال حوار ديني فسيح الضفاف بإطار منهجي و مفهومي نفتقده في العديد من المؤلفات العربية في هذا المجال، و هو ما يتميز به د. شعبان في كل ما صاغه من مؤلفات. (tokyosmyrna)

في هذا الكتاب  يتقاطع صوتان جليلان يتشاركان أو يتبادلان التساؤل  و المعرفة، الإيمان و الحدس، القلق و اليقين، النقد والتعجب، و حتى الفكاهة، حصيلة احتكاك فكري سابق، و إلفة إنسانية عريقة، و نضج في الكلمة و عمق في الإصغاء. 

هو كتاب يجتاز كل المسافات و التساؤلات الدينية و الفكرية و الاجتماعية و السياسية، برصانة مفكر انحنى خصب سنابله على الآخرين، و بخفة فارس بارع يجتاز تلابيب الفكر الإنساني  و يخترق ثوابته بالمعرفة و السماحة، بالقول و بالإصغاء.

لذا ينساب الكتاب بسلاسة بين حواجز و أسلاك شائكة انتصبت بين العقل و الدين في مقاربة  هادفة للمقدس  و الشريعة والقانون و الطائفة و العنف و الفقه و المرأة و العصمة و غيرها مما لا يختصر في هذه الدقائق القليلة المتاحة لهذه المداخلة. 

في متابعة النص من داخل ، أي من منهجية و إيقاع و تقنيات الحوار ، نجد الكاتب يصغي إلى السيد أحمد حسني البغدادي بإنصات و احترام، و يتوجه إليه بنقاش هادف و صادق، يحاول من خلاله صقل الفكرة كي تتجوهر و تفيض إيحاء ، دون أن يفارق ذهنه السؤال  الأساسي الذي اختطه لنفسه في مؤلفاته  الغزيرة في مواجهة النص الديني بتساؤل رحب و هدف إصلاحي ورؤية معاصرة.

د. عبد الحسين شعبان

 

لقد كرّس د. شعبان حياته و فكره للبحث عن الحقيقة و لتكريس اللقاء الإنساني مهما تنوعت الآفاق في جولات فكرية رصينة وسيعة الأبعاد،بين الحوار و الاجتهاد و التعايش و الحرية و الدين و الماركسية و الحضارة و المواطنة و السلطة و الهويات ، لذا شكلت كتاباته “قاموس الواقع العربي المعاصر” المتسائل المتحرك،قاموس يجمع و لا يبعثر، يثير التفكير و يفكك ضيق الهويات.

يتميز هذا النص خاصة” بالدينامية (في الحوار المتنامي) بالشمولية (في المعرفة و عمق الثقافة)، بالصدق (في القول و المواجهة)، كما بمحاولات التخطي المتواصلة في مواجهة أسوار التقاليد و الشرائع و بإحترام الإختلاف الذي غذى شعلة الحوار الحر و بغزارة المراجع المتنوعة. 

الدقائق  ظالمة و لكن دعوني أتوقف سريعا” عند نقطتين:

الدينامية و محاولات التخطي .

هي دينامية الفكر و اليقظة الذهنية بين شيخ جليل  فقيه عالم و مرجعي، و مفكر علماني عريق، فسيح العقل،عميق المعرفة، غزير الثقافة، رشيق العبارة، حداثي معاصر، في مسار حواري متدفق، متعرج أو دقيق في أويقات  إستعادته و مواقع تردده وتحرره.

و هي محاولات التخطي للخلفيات المتناقضة  في خريطة التدين ، و لبعض مظاهر الدين التي لا تدل عليه ، كاختزاله إلى متناقضات، و استغلاله للعنف  و الحروب ، و استدعاء  العصبيات التي تلاقي أرضًا خصبة في الشرائع الدينية. 

يسير الكاتب ببراعة و معرفة و دقة و إنفتاح على هذه الأرض الملغمة بالتحريم و التجهيل و التكفير، مبشرًا بدين المعرفة و العقل و الإنسانية مقابل دين الجهل و الخرافة و العصبيات .

و في إحساسه العميق بالمسؤولية التاريخية يدعو إلى السماحة لتقبل الاختلاف و قراءة التراث بعين معاصرة هدفها الإنسان أولا”.

يستوقفني في محاولات التخطي موضوع  المناظرة ١٤ بعنوانها الجريء “هل المرأة عورة و ناقصة عقل و دين”؟

و هو موضوع حساس و شائك في ظل فقه ذكوري و تقاليد اجتماعية متخلفة و استعلائية، يواجه الشيخ البغدادي الحديث  عن دونية النساء بأن الإنسان مفردة حياتية ترمز إلى الرجل و المرأة و الكرامة الإنسانية  الواحدة، و لكن الصدام الكبير أو التحالف التاريخي الظالم هو بين قوانين أحوال شخصية جائرة و أحكام دينية ظالمة…

قد يجد العديد من القضايا المذكورة في هذا الكتاب حلولًا ممكنة و تبقى العقبة الكبرى هنا، في قيود تكبل عقول الرجال قبل أن تكبل مصائر  النساء في الدين و الدولة. 

أخيرًا،

في عالم عربي اليوم تتقهقر فيه المعرفة و يتكاسل العقل و تنمو و تبرعم العصبيات، يأتي هذا الكتاب ليعيد إلى العقل مغامرة التساؤل و للإيمان رفعة الروح و قيمة الإنسان. 

***

*ألقيت في ندوة حوارية في عمان  لمناقشة كتاب المفكّر والأكاديمي العراقي عبد الحسين شعبان، دعا إليها منتدى الفكر العربي الذي يترأسه الأمير الحسن بن طلال.

*جريدة الزمان (العراقية) في 10 أيلول / سبتمبر 2022.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *